الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبرهة /

فهرس الموضوعات

أبرهة


تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/14 ۰۹:۳۲:۳۲ تاریخ تألیف المقالة

أبرَهَة، اسم أحد أشهر الحکّام المسیحیین في الیمن، وصاحب الفیل الذي ظهر في الحبشة و وصل إلی الحکم في 530م.
وأبرهة اسم غیر عربي (الجوالیقي، 20) وهو إبراهیم في اللغة الحبشیة (ابن درید، 532؛ وهب بن منبه، 136؛ نولدکه، 332) أو ابراهام في لهجة الأحباش (عابدین، 59؛ قا: الأشکال المختلفة للفظة إبراهیم في جفري، 45، 44). ویمکن أن یعثر علی هذا الاسم في تاریخ ملوک أکسوم (الحبشة) (عابدین، 15).
وقد ورد اسم أبرهة في المصادر العربیة بشکل أبرهة الأشرم (وهب بن منبه، 314؛ الأزرقي، 1/137؛ الیعقوبی، 1/199؛ ابن هشام، 1/38؛ الطبري، تاریخ، 1/927؛ المسعودي، 2/52) وأبرهة بن الأشرم (حمزة الأصفهاني، 89؛ البیهقي، 117) وأبرهة بن صباح (أبوالفرج، 17/304). ویبدو أن أکثرها قبولاً أبرهة الأشرم (الأشرم: مشقوق الأنف والشفة)، کما ورد أیضاً بکنیة أبي بکسوم (ن. ص) أو بکنیة نادرة الإستعمال هي أبو الأصحم (أبو الفرج، 17/306).
ویذکر بروکوبیوس (ج I، الفصل XX، الفقرة 4) أن أبرهة کان من العبید و ربما کان هذا القول المبالغ فیه نابعاً من أهل الحبشة أو تجار تلک المناطق، ویؤید ذلک ما أورده أبوالفرج (17/72: هو أدنی نفساً و بیتاً)، حیث جاء مستقلاً عن روایة بروکوبیوس و یحمل معنی کبیراً (نولدکه، 336). ومع ذلک فمن المحتمل جداً أن أبرهة کان من رجال‌الدین المسیحي في الحبشة (عابدین، ن. ص) وهذا یتفق مع الروایتین اللتین أوردهما الطبري (تاریخ، 1/930، 932) عن کل من ابن الکلبي و ابن إسحاق، ولاسیما روایة الأخیر منهما (ن. م، 1/933) والتي تشیر إلی أن أبرهة کان «رجلاً مسیحیاً حلیماً و شجاعاً و عظیماً و زاهداً» وإن کانت کلنا الروایتان تشیران إلی طریقة المکر التي اتبعها للوصول إلی الحکم، ولکنهما خلافاً لروایة أبي الفرج رسمتا له صورة إیجابیة (نولدکه، ن. ص)، غیر أن مثل هذه الصورة لیست صحیحة. فغویدي یقول أن المؤرخین المسلمین ولاسیما ابن إسحاق – قد تعوّدوا أن یستقوا الأخبار المسیحیة والرومانیة في العصر الجاهلي من المصادر السریانیة – الیونانیة. وحتی في الروایة العربیة نجد أثر الافکار السریانیة – الیونانیة مشوبة إلی حدٍ کبیر بالخیال والأساطیر (عابدین، 50).
ولایکفي ماورد في المصادر الرومانیة والسریانیة والحبشیة والیونانیة والعربیة المختلفة ولاسیما النقوش القدیمة عن حیاة أبرهة لرسم صورة واضحة ودقیقة عنه، وإذا کانت المصادر غیر العربیة قد أوردت حوادث معینة و موثوقة بشکل عام، غیر أن الروایات الإسلامیة – العربیة تحدثت غالباً عن أبرهة أثناء تطرّقها إلی هجوم أصحاب الفیل، وقد طغی علی هذه الروایات عنصر الخیال والقصة. فخلقوا – کما هي طریقتهم في الکتابة الأسطوریة عن الشخصیات التاریخیة الشهیرة – من أبرهة جملة أبرهات، و وزّعوا أایمهم في عصور مختلفة تبدأ قبل أیام النبي سلیمان و تنتهي بأبرهة الحقیقي، وکانوا یحکمون سبأ و حمیر (جوادعلي، 3/507، 4/418). ولذلک ذکر اسم أبرهة في الشعر الجاهلي (السندوبي، 192)، وضر المثلبه في الشهرة والقوة والشوکة والاتعاظ به في الدنیا الفانیة (جواد علي، 3/483). وبهذا الشکل ورغم التشابه الموجود بین الروایات المختلفة غیر أن الأسماء والأدوار و زمان و مکان الحوادث تتداخل کالأساطیر في أغلب المصادر العربیة. وأقرب مثل علی ذلک حادثة مذبحة نجران، فروایة تجعل من دَوس ذي ثَعلبان رجلاً مسیحیاً أسرع إلی قیصر الروم في القسطنطینیة یطلب مساعدته، و روایة تجعله یهودیاً قُتل أولاده علی أیدي المسیحیین، ولیس من شک في امکانیة غض النظر عن مثل هذه الإختلافات ولکن لایمکن حل العقد الأساسیة إلّا بمعطیات جدیدة.

الأرضیة التاریخیة

کانت تری کل من دولتي ایران و بیزنطة أن مصالحهما تتمثّل ببسط نفوذ هما في جزیرة العرب خلال القرنین 5 و 6م و کانت ایران منذ القدیم تحتکر تجارة الحریر، وتضع ضرائب باهظة علی البضائع التجاریة الرومانیة، وکانت تحول دون وصول الحریر إلی المصانع في بیزنطة لاسیما في زمن الحرب (رانسیمان، 165-164). ولذلک کانت تسعی بیزنطة إلی توفیر الأمن – بأي طریقة کانت – في الطرق البریة والبحریة من المحیط الهندي إلی البحر المتوسط عن طریق البحر الأحمر. ومنع الحمیریین من التعرض للسفن الرومانیة، وکانت بالتالي تدفع العرب لمواجهة الایرانیین ببسط نفوذها السیاسي والدیني علیهم (جواد علي، 7/282). ولم تکن بیزنطة تتورّع عن عقد تحالف مع الحمیریین الیهود أو عبدة الأوثان لتوجیه ضربة إلی ایران (بروکوبیوس، ج I، الفصل XX، الفقرة 1). وکانت بلاد أکسوم قد قمعت في هذه الأثناء الحمیریین مرّات عدیدة للمحافظة علی قوافلها التجاریة، ولما اعتنقت المسیحیة، وجدت أن مصالحها السیاسیة والإقتصادیة والدینیة أصبحت واحدة مع مصالح بیزنطة. وکان أحد سبل اتساع نفوذ بیزنطة إرسال المبشرین المسیحیین إلی الهند وإفریقیا والبالد العربیة. وبذل الأموال الطائلة لبناء الکنائس الفخمة.ورغم أن ایران کانت علی المذهب الزرادشتي فقد شجّعت علی انتشار المذهب النسطوري فيداخل أراضیها و خارجها و ذلک للحدّ من نفوذ المذهب الیعقوبي الذي تتبعه کنیسة القسطنطینیة (جواد علي، 2/626-627، 629؛ دانیلو 371-369). وکذلک یمکن القول إن النزاع بین القطیین الکبیرین في ذلک العصر، قسّم القبائل والدول في الجزیرة العربیة کالغساسنة واللخمیین إلی خصمین متناحرین یلعبان دور «الدول الحاجزة» بین ایران و بیزنطة. کما کان العداء بینهما یثیر أحیاناً نار الحرب بین هاتین الدولتین الکبیرتین (پیغولیڤسکیا، 39).
وفي النصف الثاني من القرن 4 م دخلت المسیحیة إلی نجران، وبلغت أوج انتشارها في القرنین 5 و 6 م (افرام اغناطیوس، 23(1)/5). وکان ذونواس آخر ملک حمیري یهودي یخشی هجمات دولة أکسوم المسیحیة علی الیمن، ویری انتشار المسیحیة خطراً علی استقلاله، ولهذا هاجم نجران في أواخر عام 523م و قتل عدداً من أهالیها، وقد ورد اسم ذي نواس و نسبه في مختلف المصادر العربیة (حول ذلک، ظ: فل، 17). ومع‌ذلک یمکن قبول قول ابن خلدون (2(1)/111) بکثیر من التسامح «اتفق أهل الأخبار کلهم أن ذانواس هو ابن تبان أسعد واسمه زُرعة، وأنه لمّا تغلّب علی ملک آبائه التبابعة تسمّی یوسف». وأشار ابن قتیبة (ص 636) إلی أن اطلاق اسم ذي نواس لوجود ذؤابتین تنوسان علی عاتقه. وذهب شروتر. إلی أنه ترجمة عربیة للفظة «مسروق» السریانیة التي أطلقت في المصادر السریانیة علی ذي نواس (ص 403). ولکن الأهم من هذا ماورد في نقش الحجرین Ry507, Ry 508 عن ملک یهودي باسم یوسف اسأر کان یحارب الأحباش (ریکمانس، 16-13). وبناء علی الروایات التي ذکرت في المصادر المختلفة ینبغي أن یکون یوسف اسأر هذا ذي نواس نفسه. وقد سمي ذو نواس في المصادر الحبشیة فنحاس (ل، ن. ص). أما في المصادر الیونانیة – الرومانیة فقد ورد علی شکل دیمنوس ودامیان ودیمیانوس، حیث کان البعض یعتبرها إثباتاً للاسم العربي. وقد ذکر یوحنا الأفسي ومالالا و غیرهما، أن دامیان الحمیري قاتل ایدوج (أوتازنیا أو الاعمیدا) ملک الحبشة حوالي 480م، حیث یبدو أن دامیان هذا لیس ذانواس (فل 22-20؛ عابدین، 45-47).
وقد عزت روایات أغلب المؤرخین العرب بالإتفاق مع الروایات السریانیة سبب مذبحة نجران إلی تعصّب الملک الیهودي‌الدیني ونزعته الإنتقامیة (الطبري،تاریخ، 1/925-926؛ حمزة الأصفهاني، 88؛ قا: روایة‌الدینوري بنص آخر، 61؛ وأیضاً ابن إسحاق، 29-33). ویمکن الإستنباط ممّا ذکره ابن قتیبة (ص 637) أن ذانواس خشي من نفوذ آل جفنة (أسرة من ملوک الغساسنة) الذین کانوا حلفاء للرومان کالأحباش وینالون المساعدة المالیة السنویة منهم (بروکوبیوس، ج II، الفصل X، الفقره 23). وبالإضافي إلی هذا فإن الحوادث التاریخیة تبیّن بوضوح أن الحبشة هاجمت الیمن مراراً لأسباب دینیة واقتصادیة، وربّما کان هذا مادعا أبا نواس لارتکاب مذبحة نجران، حیث أراد أن یعاقب أهلها لتعاونهم مع الأعداء (جیوش الحبشة المسیحیون) (فل، 14-15).
وتفید الروایة التي أوردها ابن هشام (1/32 ومابعدها) والطبري (تاریخ، 1/919 ومابعدها) عن ابن إسحاق أن رجلاً اسمه فیمیون أو عبدالله بن ثامر نقل المسیحیة إلی الیمن، وکان ذونواس قد تهوّد مع قومه (الطبري، حمزة الأصفهاني، ن. ص؛ الکلبي، 58)، فهاجم نجران، لدعوة أهلها إلی التهوّد، فلمّا رفضوا،حفر أخدوداً وأحرق فیه 20,000 شخص، فسارع الذي نجا من هذه المذبحة (دَوس ذو ثعلبان أوحیان أو جباربن فیض) بالذهاب إلی قیصر الروم في القسطنطینیة مستنجداً، فکتب القیصر رسالة أمر بها النجاشي بنصرة أبناء دینه والثأر لهم (الأزرقي، 1/135؛ ابن هشام، 1/38؛‌الدینوري، 62؛ الطبري، تاریخ، 1/927؛ المسعودي، 1/81)، فأرسل النجاشي جیشاً بقیادة أریاط و کان أبرهة فیه أیضاً وانتهی القتال بهزیمة الحمیریین. أما ذونواس فقط اعترض البحر بفرسه خوفاً من الأسر ومات. وتولّی أریاط الحکم، غیر أن روایة ابن الکلبي (الطبري، تاریخ، 1/926) تشیر إلی أن رجلاً من أهل نجران یدعی دوس قتل المسیحیون ابنیه فاستنصر ذانواس، و عندئذاستنجد رجل لم یذکر ابن الکلبي اسمه بملک الحبشة (قا: وهب بن منبه، 312؛ ابن قتیبة، ن. ص). فطلب ملک الحبشة سفناً من قیصر الروم، وأرسل جیشاً هزمه ذونواس، فسیّر جیشاً آخر بقیادة قائدین أحدهما أبرهة فانکسر ذونواس، فسیّر جیشاً آخر بقیادة قائدین أحدهما أبرهة فانکسر ذونواس في هذه الحرب والقی بنفسه في البحر، وأصبح أبرهة حاکماً علی صنعاء وتوابعها؛ ثم یظهر في هذ الروایة اسم أریاط بعد تمرّد أبرهة (الطبري، تاریخ، 1/930). وأکثر هذه الروایات قریبة ممّا ورد في روایة للحارث في کتابة شهادته مع اختلاف واحد هو أن القائد الحبشي في روایة الحارث أسر الملک الیهودي وقتله، کما ورد في الروایة العربیة أن صنعاء هي عاصمة الحمیریین وإن کان لایشک في أنها ظفار (ریدان) (عابدین، 50). وذکر أیضاً في نشید یوحنا أن عدد القتلی المسیحیین أکثر من 200 شخص (20,000 في الروایة العربیة) وهو بلاشک أکثر صحة شروتر، 362؛ بل، 38).
وقد عرف ذونواس في أغلب الروایات العربیة بصاحب الأخدود وتحدّثت عن إلقاء مسیحیي نجران في أخدود مملوء ناراً. وبناء علی هذا یمکن القول أن الروایات العربیة متأثّرة بما أورده کثیر م المفسرین في تفسیر سورة البروج في القرآن عن أصحاب الأخدود. وإذامابحثنا عن أصل هذه الروایات فإننا سننتهي إلی ابن إسحاق وُقتادة اللذین سیصلان بنا إلی مسیحیي نجران الذین رحلوا إلی العراقفي عهد عمر ابن الخطاب عام 13هـ/634م. ولذلک یبدو من الأهمیة بمکان النظر بجد إلی نقد یاقوت (4/755-756) لروایة ابن إسحاق، لاسیما وان الطبري الذي عرف ذانواس في تاریخه (1/925) بصاحب الأخدود نقلاً عن ابن إسحاق، لم یورد في تفسیره (30/81-90) أي حدیث عن النبي (ص) حول وقائع نجران، ولم یشر إلی ذي نواس و نجران (لوث، 622-619؛ عابدین، 52-55).
إن حوادث الهجوم علی الیمن الذي قام به النجاشي «کالب الااصبحة» (عابدین، 26، 46؛ في أغلب المصادر العربیة اصحمة) مضطربة و مبهمة، ولکن ذکر في الروایات المختلفة أن الأحباش هاجموا الیمن مرتین للقضاء علی ذي نواس، وتحدّث بروکوبیوس (ج I، الفصل XX؛ الفقرة 1) وأغلب التواریخ العربیة (وهب بن منبه، 312-313؛ ابن إسحاق، 35؛ ابن هشام، 1/38-39؛ ابنقتیبة، ن. ص؛ حمزة الأصفهاني، 88، 89؛ الأزرقي، 1/135) عن هجوم واحد للأحباش انتهی بموت ذي نواس. غیر أن الروایة التي أوردها الطبري (تاریخ، 1/929-930) نقلاً عن ابن الکلبي تشیر بشکل واضح إلی هجومین، الأول بـ 70,000 جندي دخلوا الیمن بقیادة أریاط (وفي روایة ابن إسحاق 60,000 بقیادة روزبه؛ قا: البیهقي، 117؛ الطبرسي، 6/234). وأن ذا نواس تظاهر بالطاعة لضعفه، ثم احتال لتفریق الجنود الأحباش في المدن، وأمر الأقبال (القادة الحمیریین) أن یقتلوهم جمیعاً. وعندئذ أرسل النجاشي 70,000 جندي بقیادة أبرهة وقائد آخر إلی الیمن. ورغم أن هذه الروایة تتّفق مع ما ذکرته المصادر الرومانیة والحبشیة والسریانیة (فل، 14)، غیر أنها تختلف معها في نقطتین: فقد ورد في روایة ابن الکلبي أن ذانواس سلّم نفسه في أول هجوم حبشي إلی قائد الجیش، أما في الروایة غیر العربیة فإنه یهرب أمام العدو. وکذلک ورد حول نهایة ذي نواس في روایة بروکوبیوس (ن.ص) والمصادر الحبشیة (فل، 73)، وما استنبطه ڤون کریمر من شعر علقمة بن ذي جَدَن، أن ذانواس سقط أسیراً في ید النجاشي وأنه قطع رأسه. ثم إن جمیع المصادر العربیة تتّفق علی أن ذانواس کان آخر ملک حمیري، ماعدا حمزة الأصفهاني (ص 89) فقد أورد خلیفة له باسم «ذوجَدَن» مات کمیتة ذي نواس في البحر.
و ورد حدیث أیضاً عن حرب بین الأحباش الحمیریین والملک یوسف اسأر (: ذونواس) في نقش حجر «حصن غُراب» الموسوم بـ REEPIGR 2632 (جواد علي، 3/459، 460) وکذلک في Ry508, Ry507 النقش الحجري الناقص الذي عثر علیه أحمد فخري في مأرب (جواد علي، 3/480)، ویبدو ممّا ورد في نصي Ry507, Ry508 وهما بتاریخ عام 633 الحمیري/ 518 م أن مناطق من أرض الیمّن و منها العاصمة (ظفار) کانت في ید الأحباش. ولذلک کان یوسف اسأر والأقیال الأوفیاء له ومنهم سُمَیفَع أَشوَع یهاجمون ظفار والمناطق الجنوبیة من تهامة بالقرب من باب المندب ومخاونجران فیحرقون الکنائس ویقتلون ویأسرون (ریکمانس، ن.ص). وهذا کله کان ینبع من الصراع السیاسي‌الدیني الواسع في الیمن. ویبدو من نص «حصن غُراب» الذي یعود إلی عام 640 الحمیري أن الحرب بین الحمیریین والأحباش استمرت 7 سنوات (جوادعلي، 2/595-597). مع ذلک فقد فضّل الأحباش بعد قتل الملک الحمیري ألّا یحکموا الیمن مباشرة، وأن یولوا الحکم علیها أحد الحمیریین الأوفیاء لهم (بافقیه، 159).
وقد اختلفت المصادر حول خلیفة ذي نواس، وهل هو اسیمیفایوس أو أریاط أو أبرهة. ویبدو أن اسیمیفایوس هو أکثر الثلاثة قبولاً، فقد ورد اسمه في النقوش الحجریة الحمیریة وفي روایة بروکوبیوس بشکل (سُمیفع أشوَع)، ولکن لم یذکر في الروایات العربیة کما لم یرد في المصادر غیر العربیة – بصراحة علی الأقل – الحدیث عن أریاط (ربّما کان تحریفاً عن الکلمة الحبشیة حوارباث أي الحواري التي تدل علی القداسة والتدین: عابدین، 59). وقدظهرت آراء مختلفة للتخلّض من هذه الإختلافات فاعتبر مورتمان (ص 68) مثلاً أن أریاط هو نفس اسیمیفایوس (ظ: شک نولدکه الذي جاء في محله حول ذلک، 336؛ وکذلک 332، 333). واعتبر کوسین الثلاثة حکاماً شبه مستقلین في مناطق مختلفة: أریاط نائب الملک الحبشي في الیمن، وأبرهة قائد عسکري في منطقه أخری، واسیمیفایوس شیخ العرب المسیحیین تحت إشراف أریاط (فل، 41-40). غیر أن مثل هذه الآراء لاتبدو مقنعة رغم وجود مایؤیدها کإشارة الأزرقي (1/136) إلی حکم أبرهة علی جَنَد وخضوعه لأریاط، وإشارة حمزة الأصفهاني (ص 89: أریاط) والطبری (تاریخ، 1/930، 931) إلی نیابة أریاط للملک، وحکم أبرهة لصنعاء وتوابعها.
وعلی کل حال یبدو أن الغموض في روایات المؤرخین العرب ینبع من خلطهم بین الحملتین اللتین قام بهما الأحباش علی الیمن في عهد ذي نواس، أو إشارتهم إلی واحدة منهما فقط (بقیادة أریاط). ولکن یبدو أن سقوط ذي نواس بناء علی روایة الطبري الدقیقة لم یتم في الحملة الأولی بقیادة أریاط، بل في الحملة الثانیة التي قادها أبرهة والتي لم یشترک فیها أریاط. کما یبدو أنه لابدّ من حذف اسم أریاط باعتباره نائبا للملک الحبشي في الیمن رغم إشارة المسعودي (2/52) وحمزة الأصفهاني (ص 89) إلی حکمه فیها لمدة عشرین عاماً (ابن هشام، 1/43: سنین؛ وعند الأزرقي، 1/136، سنتین؛ ظ: فل، 44-43).
وقد اختلفت الروایات الرمانیة – الینانیة والحبشیة حول ذلک في نقطتین: الأولی أن الذي تولّی قیادة حملة الأحباش الثانیة کان النجاشي نفسه ولیس أبرهة، وإن جعل لأبرهة منزلة عالیة في الجیش الحبشي، والثانیة أن الروایات الحبشیة اعتبرت أبرهة نائباً مباشراً للنجاشي. واعتبر بروکوبیوس، اسیمیفایوس خلیفة للملک الیهودي وأن ابراموس (أبرهة) حکم الیمن فیما بعد بتمرد عسکري. وبناء علی ذلک فإن الروایات العربیة تتفق مع روایة بروکوبیوس في النقاط الأساسیة. وعلی کلحال فبعد موت ذي نواس اختار النجاشي هلستآیوس (کالب الا اصبحه)، رجلا من نصاری حمیر باسم اسیمیفایوس (سمیفع) لیکون ملکاً علی أن یدفع جزیة سنویة، وعاد إلی الحبشة (بروکوبیوس، ج I، الفصل XX، الفقرتان 2-1). وقد أبدیت حول سمیفع أشوع هذا آراء مختلفة نجمت عن قلة المعلومات و طریقة قراءة نص حصن غُراب و تفسیره، فاعتبره بعضهم محباً للرئاسة خائناً لأنه بدّل دینه للوصول إلی السلطة، ومال إلی الأجانب (ریکمانس، 6؛ تقي‌زاده، 5/8-9). واعتبره آخرون أمیراً وطنیاً ثار علی المحتلین الأحباش لطردهم من بلاده (عابدین، 57-58). ویبدو بوضوح خضوع سمیفع أشوع لملک الحبشة من النص الموسوم بـ Osma. Mus. No. 281 الموجود في متحف استانبول والذي قرأ ریکمانس نصه ونشره. فإذا کان نص النقش الحجري CIH621 نفس نص سمیفع أشوع (ظ: شک ریکمانس حول ذلک، 10، 7) أمکن القول عندئذ أنه أصبح نائباً للملک الحبشي في الیمن بعد انتهاء حکم ذي نواس. غیر أن ثورة وقع فیها، فولّی الأحباش شخصاً آخر في مکانه (جوادعلي، 3/476).
تدل المعلومات التاریخیة علی أن حکم اسیمیفایوس لم یدم طویلاً. فقد ذکر بروکوبیوس أن الفترة الواقعة بین حکمه والثورة العسکریة الحبشیة بقیادة ابراموس (أبرهة) کانت قصیرة. کما أن یوستینیان (565-527م) أرسل یولیانوس رسولاً عنه إلی اسیمیفایوس و ملک الحبشة، لیطلب منهما قطع علاقاتهما التجاریة مع ایران وإعلان الحرب علیها. وبعد أن التقی هذا الرسول اسیمیفایوس في 531م وصل إلی میناء ادولیس (في المصادر العربیة: عدول) لیذهب إلی Ela Atybeba (نفس کالب الا اصبحه). وفي هذه الأثناء وقعت ثورة أبرهة (جوادعلي، 3/472-473). ویعتبر المسعودي (2/53) أیضاً أن تمرد أبرهة کان في عهد قباد الساساني الذي حکم حتی 531م (بروکوبیوس، ج I، الفصل XXI، الفقره 17؛ کریستن سن، 385-386). وبالنظر إلی هذا التاریخ ینبغي أن یکون تاریخ الثورة وبدء حکم أبرهة في 530م (أو 531م علی الأکثر) (جوادعلي، 3/481؛ نولدکه، 337).

 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: