الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / ابراهیم بن یعقوب /

فهرس الموضوعات

ابراهیم بن یعقوب


تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/19 ۱۲:۴۸:۴۴ تاریخ تألیف المقالة

إبراهیمُ بنُ یَعقوب، الإسرائیلي الطُرطوشي، عالم وسائح إسباني، عاش في القرن 4/10 وعرف بالطُرطوشي لأنه ولد في مدینة طُرطوشة (تورتوسا) باسبانیا. کان یهودیاً، وقد اختلف المؤرخون القدماء في اسم أبیه ممّا دعا إلی ظهور آراء حول شخصیته ودینه، فقد ذکر العذري أنه إبراهیم بن یعقوب الإسرائیلي الطُرطوشي (ص 7)، وقال زکریا القزویني إنه إبراهیم بن أحمد الطُرطوشي (ص 556)، والحمیري، إبراهیم بن یوسف الطُرطوشي (الروض، 512). وورد في ترجمة نص الحمیري باسم «إبراهیم بن یحیی» (لیفي بروفنسال، 206). ویبدو أنه کان تاجراً، وقیل إنه کان یمارس تجارة الرقیق (کراتشکوفسکي، I/253)؛ یؤید ذلک، أن الأمراء الأمویین في إسبانیا – و منهم عبدالرحمن الثالث، الملقّب بالناصرلدین اللَّه (300-350/912-961) الذي سمّی نفسه بالخلیفة وأمیر المؤمنین – کانوا یعزّزون جیشهم بالبربر والعبید الأوروبیین المسیحیین (الصقالبة) لمواجهة أعدائهم الفاطمیین (باسورث، 11, 10). ولایستبعد أن إبراهیم ابن یعقوب الذي کان یعیش في عهد هذا الخلیفة الأموي باسبانیا وعهدابنه وخلیفته الحَکَم الثاني، الملقّب بالمستنصر باللَّه کان یمارس تجارة الرقیق. وکان قد وصل في ماغدبورغ الی بلاط أوتون الأول (الکبیر) مؤسس امبراطوریة الروم المقدسة (23 تشرین الثاني 912-7 أیار 973/ 300-362) والذي خلف والده هنري الأول ملکاً علی ألمانیا في 936/324 وحصل علی معلومات قیّمة عن بلاد أوروبا الغربیة والوسطی وبلاد الصقالبة الغربیة (بولونیا، بلغاریا، التشک، البوهمیین وإمارة ناکون –اوبودریتسکي)، وکتب عنها. کما تحدّث بالتفصیل حول بعض المدن ولاسیّما الساحلیة أو القریبة من سواحل بلاد فرنسا وهولندا و ألمانیا الحالیة (کراتشکوفسکي، I/253,257). وممّا یؤسف له أن کتاب رحلاته فُقِد، ولم یرد منه إلّا أقسام في کتاب المسالک والممالک للجغرافي والأدیب الإِسباني في القرن 5/11 أبي عبید عبدالله البکري وقد أدّی فقد کتاب رحلات إبراهیم بن یعقوب والإختلاف في اسم والد هذا السائح إلی ظهور نظریة عند المستشرق الألماني ک. یاکوب (1862-1937م). ذلک أن البکري ذکر أنه إبراهیم بن یعقوب وسمّاه زکریا القزویني إبراهیم بن أحمد، فتصّور یاکوب من قراءته للاسم وجود سائحین من العرب باسم إبراهیم قد سافرا إلی ألمانیا في وقت واحد، و طرقا بلاط أنون الأول أحدهما ابراهیم سفیر الخلیفة الفاطمي في مصر المعزّ (341-365/952-975)، وکان وطید الملک آنذاک، ویعتقد یاکوب أنه سافر إلی جنوب ألمانیا من شمال إفریقیا عن طریق البحر المتوسط وإیطالیا، والثاني أرسله الحکم الثاني الخلیفة الأموي (349-365/941-976) في قرطبة باسبانیا إلی بلاط أوتون الأول في ماغدبورغ عن طریق بردو ونوارموتیه وسانمالو وروان واوترخت وشلسوبغ وسوست وفولدا وماینتس. ویقول یاکوب کان اسم السفیر الذي أقبل من إفریقیا إبراهیم بن یعقوب المغربي الیهودي، واسم السفیر الذي أرسله الخلیفة الأموي من قرطبة إبراهیم ابن أحمد الطُرطوشي، وکان اسبانیّاً مسلماً، وقد استقبلهما أوتون الأول في ماغدبورغ باعتبارهما سفیرین عام 965/354. وکلاهما اطلعا علی حدیث الامبراطور عن أوروبا الوسطی دون أن یکون بینهما صلة. وقد دوّنا معلوماتهما بعد عودتهما من زیارة أوروبا، وکانت متشابهة في بعض المسائل التي تحدّث عنها الامبراطور (یاکوب، «تحقیقات عن جغرافیي العرب» IV/127-150؛ م. ن، «تقاریر الرسل العرب إلی بلاط الألمان»، 18-11).
ورغم أن نظریة یاکوب هذه أدّت أحیاناً إلی الشک في الأوساط العلمیة لعدم وجود الأدلة الکافیة علیها، غیر أنها استمرت حوالي 42 عاماً (کراتشکوفسکي، V/190). فبعد وفاته ردّها العالم البولوني تادئوش کوفالسکي، ففي خریف 1934م درس صورتین لمخطوطة کتاب البکري، فتبیّن عدم وجود الأبحاث المتعلّقة بأقوام الصقالبة وبلادهم في المخطوطة الموجودة في مدرید، فاستفاد من المخطوطة التي في لیدن وحقّقها دخویه، وأخیراً عثر قبل الحرب العالمیة الثانیة علی أجزاء من کتاب المسالک والممالک للبکري في مراکش، و زالت مشکلة و جود إبراهیمین. فقد ورد في صفحة منه اسم إبراهیم الکامل، وکان: «إبراهیم بن یعقوب الإسرائیلي  الطرطوشي» وبذلک استطاع کوفالسکي إثبات وجود إبراهیم واحد (م. ن، V/191). وأثبت هذه النظریة أیضاً انتشار الآثار التاریخیة – الجغرافیة العربیة والإسبانیة، ومنها کتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، تألیف محمد بن عبدالمنعم الحمیري، الذي عاش في القرن 9/15. وقد ورد عن مدینة لورقة في کتاب الحمیري تقریباً نفس المعلومات التي رواها زکریا القزویني عن العذري، والإختلاف الموجود عدم ذکر اسم أحمد في کتاب الحمیري، بینما کان عند زکریا القزویني إبراهیم بن أحمد الطرطوشي، ولاندري ما الذي دعا زکریا القزویني في روایته عن العذري إلی أن یجعل اسم إبراهیم بن یعقوب، إبراهیم بن أحمد الطرطوشي، بینما ذکر اسم إبراهیم ابن یعقوب الاسرائیلي الطرطوشة بصراحة في کتاب العذري الذي لایشاهد في کتابه أي ذکر لاسم إبراهیم بن أحمد، ویعتقد کراتشکوفسکي أن الخطأ المذکور إما من زکریا القزویني أو من ناسخ کتابه (V/191).
وقد أجریت دراسات واسعة علی مذکرات إبراهیم بن یعقوب منذ النصف الثاني للقرن 19 م. وهناک أجزاء من الکتاب المهم (ذي الجزأین) للعالمین الروسیین البارزین: آ. کونیک و ڤ. روزِن تحت عنوان« اطلاعات البکري والمؤلفین الآخرین عن الروس والصقالبة» تختص بالمعلومات التي تمّ الحصول علیها من مذکرات رحلة إبراهیم ابن یعقوب. وقد نشر المجلد الأول من هذا الأثر في 1878م والثاني في 1903م، وترجم روزن لأول مرة في هذا الأثر شرح جمیع ماروي عن إبراهیم بن یعقوب معتمداً علی مخطوطتي استانبول ومدرید، ووضعها مع الأصل بین یدي القرّاء. وقد نال الجزء الثامن الذي یشتمل علی معلومات عن الصقالبة أهمیة کبیرة، ذلک أنه ذکر في هذا الجزء أربعة حکام في بلغاریا و براغ وبوهم وکراکوف (کراکو)، وکذلک ملوک الصقالبة في المناطق الشمالیة والغربیة.
وتستحق النشاطات العلمیة التي بذلها کل من کوفالسکي والمؤرخ البولوني فیدایویتش في دراسة مذکرات رحلة إبراهیم بن یعقوب ثناء کبیراً. فقد أنهی هذان العالمان دراستهما هذه حوالي عامي 1939-1940م. دون أن یتمکنا من نشرها لوقوع الحرب العالمیة الثانیة. واتلفت التفاسیر المتعلقة بخصائص مدن الصقالبة وأهالیها، أثناء احتلال الألمان لبولونیا. وبعد ملء بعض الفراغات ألقی کوفالسکي في 5 أیار 1945 م محاضرة حول ذلک في المجمع العلمي البولوني، الذي نشر نص تحقیقاته عام 1946 م في مجلدین، ویشتمل أحدهما علی ترجمة وتفسیر وصورة نصین من مخطوطة استانبول، واختص المجلد الثاني بتفاسیر فیدایویتش التاریخیة لموضوعات رحلة إبراهیم بن یعقوب الاساسیة (کراتشکوفسکي، I/255). وقد أشار کوفالسکي في محاضرته إلی أن هذا الکتاب «عاجز عن حل المسائل المطروحة، ومع هذا فهو خطوة مهمة یمکن أن تساعد المؤرخین علی البحث بالإعتماد علی إمکانیات أکثر وثوقاً» (ص 6)، وأعاد إلی الأذهان أیضاً أن تحقیقاته لیست انقلاباً في دراسة کتابات ومذکرات إبراهیم، وسیستمر هذا العمل إن أمکن الحصول علی مخطوطة جدیدة یمکن الإطلاع فیها علی المواضیع المفقودة، ولکن أهمیة هذا الکتاب تکمن في کونه یضم صورتین للمخطوطتین الموجودتین تمهّدان السبیل اللازم لدراسة الباحثین وتحقیقاتهم. فأثرا کوفالسکي وفیدایویتش یعتبران في الحقیقة بدایة لمرحلة جدیدة في تحقیق مذکرات رحلة إبراهیم. فقد تحدّث کوفالسکي في أثره لأول مرة عن جمیع المخطوطات الموجودة عن مذکرات رحلة إبراهیم. وتبیّن من مخطوطات أثر البکري الجغرافي، أن ثلاث نسخ (نسختین في استانبول وأخری في لاندبرغ) أوردت معلومات عن الصقالبة. وقد دوّنت احدی نسختي استانبول في 737/1337 واکتشفها المستشرق الألماني ریتر في 1931 م، ودوّنت الثانیة في 851/1447 وهي التي حقّقها کونیک و روزن.
وقد استنسخ أحد المقیمین في الأناضول نسخة منها للمستشق الفرنسي شِفِر، وکان المستنسخ لایتقن العربیة جیداً وتناول أکثر الباحثین الأوروبیین هذه النسخة بالدراسة رغم أنها لاتتفق مع الأصل تماماً ولم تستنسخ جیداً، وکان کوفالسکي غیر راضٍ عنها. وقال کراتشکوفسکي (تـ 1951م) من خلال دراسته لإبراهیم: «والآن یمکن القول بثقة بناء علی المعلومات التي بین أیدینا إن عالماً رحّالة واحداً سافر في القرن 4 هـ من إسبانیا إلی جنوب ألمانیا و هو یهودي من مدینة طرطوشة یدعی إبراهیم بن یعقوب الطرطوشي» (I/256).
وقد أدّی تکرار اسم إبراهیم المذکور في آثار المؤلفین بعده إلی الظن بوجود کتاب رحلات باق له فُقِد فیما بعد، ونحن نعرف المواضیع المتعلّقة بتلک الرحلة ممّا نقله العذري والبکري والقزویني. ولم یکن إبراهیم تاجراً فقط، بل کان مغرماً بالکتب ولدیه اطلاع علی طبیعة وخریطة اسبانیا و فرنسا و ألمانیا وبلاد الصقالبة الغربیة، وربّما سافر إلیها مراراً (ن.ص)، ویبدو ممّا أورده الجغرافیون کالعذري والبکري والقزویني أن إبراهیم کان رحّالة یتّصف بالدقّة، ذاشخصیة فاضلة، ولدیه معلومات عن مدینة سمرقند. فکان یطالع النقوش الموجودة علی النقود الکوفیة، وذا خبرة في العقاقیر الهندیة. وأشار القزویني إلی اطلاع إبراهیم علی دراهم ربّما ضربت في عهد نصر بن أحمد الساماني، وکانت علی نهر الرین في ألمانیا (ص 608). ومن الممکن أن اهتمام إبراهیم بالکتب وطلب العلم کان ینبع من اهتمام الخلیفة الأموي الحکم الثاني في اسبانیا و کان محبّاً للعلم.
وأشهر المواضیع التي بقیت لإبراهیم تتعلّق بألمانیا والصقالبة الغربیین، وقد وردت في آثار البکري وزکریا القزویني، ثم نقلها فیما بعد أمثال أبي الحسن علي الغرنا طي، المعروف بابن سعید المغربي في کتاب بسط الأرض في الطول والعرض، وأبي الفداء في تقویم البلدان، والدمشقي في نخبة الدهر، وعبدالرشید بن صالح بن نوري الباکوي في تلخیص الآثار وعجائب الملک القهار، وسپاهي زاده في کتاب أوضح المسالک إلی معرفة البلدان والممالک (کراتشکوفسکي، I/257). وأهمها المواضیع المتعلقة بالأندلس، والتي وردت في مخطوطة کتاب البکري بمراکش وآثار زکریا القزویني والحمیري. ویحتمل أن تکون بعض الأخبار التي وردت في الکتب بأسماء مستعارة أو أسماء الآخرین لإبراهیم بن یعقوب (ن. ص). کما أن القزویني مدین فیما ذکره عن بلاد الصقالبة ومنها بولونیة و مدینة النساء لإبراهیم بن یعقوب الطرطوشي سواء أنقلها عنه مباشرة أم عن العذري وغیره، ولاسیّما فیما یتعلّق بمدن أوروبا الغربیة والجنوبیة. وکان إبراهیم قدسافر حوالي عام 354/965 إلی أوروبا الغربیة والوسطي، وأعطي عن الصقالبة الغربیین صورة تمثّل تقدّماً لاجدل فیه بالمقارنة مع معطیات المسعودي، فقد کانت تتمیّز في هذه الصورة الحقب وکذلک التواریخ تقریباً (میکل، 2(2)/69). وقد بدأ إبراهیم بن یعقوب رحلته البریة من مدینة بوردو بفرنسا، ثم ذهب إلی نوارموتیه و سان مالو و روان وهي مدینة نورماندیة، ثم مرّ من أوترخت وایکس لاشابیل (= آخِن) وشلسویغ وسوست وماینتس علی نهر الرین، وفولدا التي یقیم فیها الرهبان و القساوسة، وکذلک من مدن بادریورن ومکلنبورغ وشورین واکسبورغ، ولکنه ذکر أن مدینة سوست صقلبیة خطأ. وأن بلدي بادربورن وشلسویغ للصقالبة أیضاً (م. ن، 2(2)/124-128). وفي 354/965 ذهب إلی بلاط أوتون الأول في ماغدبورغ، وتحدّث معه. وقد ذکر تاریخ هذا اللقاء مضطرباً؛ فجاء في کتاب الحمیري، أن ملک الروم حدّث الطرطوشي سنة 305هـ (الروض، 512)، ویری کراتشکوفسکي أن العدد المذکور من خطأ الکاتب، وتدل الفرائن والأدلة علی أنه لابدّ أن یکون 355هـ (I/257).
وقد أورد إبراهیم خلال رحلته إلی أوروبا الغربیة والوسطی وبلاد الصقالبة الغربیة معلومات قیمة جداً. فقد سافر الرحّالة العرب والمسلمون کابن فضلان وغیره إلی بلاد الصقالبة عن طریق الشرق غالباً، ولذلک فإن معلوماتهم في هذا الخصوص ضعیفة ویسیرة، ولکن إبراهیم سافر في منتصف القرن 4/10 إلیها عن طریق الغرب، ووضع بین یدي القرّاء معلومات مفیدة عن هذا الجزء من أوروبا. ویری بارتولد أن أکمل المعلومات عن صقالبة أوروبا ما أورده البکري نقلاً عن رحلة إبراهیم، فقد تحدّث فیها عن الصقالبة الذین کانوا یعیشون علی بحر الأدریایتک والبلاد المجاورة للصقالبة، و عن صقالبة شمال الشرق الذین کانوا في بلد یحکمه مِشکو (مِشقة) أمیر بولونیا (حوالي 960-992م) و کذلک عن الصقالبة المجاورین للروس والبروسیین (II(1)872). وینبغی ألّا یغیب عن البال أن إبراهیم قد اعتبر أحیاناً بلاد الجرمان أو القسم الشمالي منها علی الأقل بلاد الصقالبة. وکان الصقالبة في عهده یتوزّعون علی 4 بلاد، أوّلها بلغاریا وآخرها بلاد ناکون (ناقون) المعروفة ببلاد ناقون أبودریتسکي، ذلک أن الأبودریتیین والذین کان یقال لهم البودریتشیون أیضاً کانوا یقیمون في هذه البلاد. وقد اعتبر الأبودریتیون من قبائل صقالبة اللاب والتي یری بعضهم أنها نفس اسم الألب، وکانت هذه القبائل تقیم في ضواحي مکلنبورغ بین تراوا وڤارنا و یمارسون في القرنین 8-9م الزراعة وصید الأسماک والقنص والتجارة بصورة رئیسة. ویتصدّون بشجاعة لهجمات الدانمارکیین والساکسون. وقد اعتنق قسم من قبائل البودرتشیین‌الدین المسیحي في عهد أوتون الأول، وأرسل إلی بلادهم أسقف کاثولیکي. وکانوا یتعرّضون أحیاناً إلی هجمات، ثم مالبثوا أن انهاروا وقضي علیهم في 1147م و خضعوا للألمان ثم ذابوا فیهم منذ 1170م. ولایعتقد أن إبراهیم زار بلغاریا لأنه روی أخبارها عن تجار تحدّث إلیهم في ماغدبورغ (کراتشکوفسکي، I/253)، وقد بدأ في وصفه لبلاد الصقالبة بمنطقة ناکون، لأنها کانت باحتمال قوي أول أرض في طریقه. ویقول إبراهیم إن الطریق المؤدي إلی هذه المدینة یمر بجسر خشبي طوله حوالي میل، ویبدو ممّا کره میکل أن النهر الذي یقوم علیه هذا الجسر هو نهر الإلب (2(2)/70). وصقالبة هذه الأرض المغطاة بالغابات محاربون شجعان یدافعون عن بلادهم بدروعهم وسیوفهم في قلاع حصینة، وهم یختارون السهول الکثیرة المیاه لبناء قلاعهم، ثم یحدّدون محیط السور المزمع إشادته مستدیراً أومربعاً حسب الأبعاد المرغوب بها ویحفرون حفرة یستخدمون ردمها لرفع متراس یدعمونه بألواح خشبیة وبجذوع صلبة، وتطلّ بوّابات هذه القلاع علی جسر خشبي (م. ن، 2(2)/70/71).
والبلد الثاني الذي ذکره إبراهیم مملکة بویصلو (بولِسلاف) الأول ملک بویمة (بوهیمیة) الذي حکم من 929 إلی 967م. وقد ذکر في هذه البلاد عدداً من المدن الحصینة مثل مدینة نوفیغراد والتي بنیت بحجارة کلسیة، و سالزموند التي تنتهي بوادي ملداوة ثم مدینة فراغة (براغ)، وقدّر المسافة بینها و بین کراکو (کراکوفیة) في بولونیا مسیرة حوالي ثلاثة أسابیع (م. ن، 2(2)/71)، ویبدو أنها لاتخلو من المبالغة. وأورد إبراهیم في مذکرات رحلته معلومات عن المجغریین (المجریین) والأتراک والمسلمین والیهود الذین کانوا یأتون إلی هذه البلاد للتجارة، وذکر أن سکان سالزموند من الیهود، کما تبیّن و جود نقود بیزنطیة متداولة في المعاملات التجاریة بمدینة براغ، وکان التجار یستوردون من هذه البلاد العبید والدرق والجلود المدبوغة (میکل، 2(2)71-72). وقد أیّد عدد من الباحثین والمؤلفین وجود العبید الفرنجة والصقالبة في بلاط الأمراء الأمویین في الأندلس (ظ: باسورث، 12-10). کما أشار ابن خرداذبه إلی وجود الخدم الصقالبة هناک (ص 92). وقد تمّ تشکیل فرق مقاتلة من الصقالبة للدفاع عن الأمراء الأمویین في إسبانیا (دوزي، 430-429). ویقول بارتولد: وکان الصقالبة یسترقّون ویجلبون إلی البلاد الاسلامیة ولاسیّما الخصیان البیض منهم (II(1)/872). وتحدّث المقدسي أیضاً عن خدم من الصقالبة البیض کانوا یجلبون إلی الأندلس ثم یرسلون إلی مصر والشام بعد إخصائهم (ص 242). ویذکر ابن خلدون في حدیثه عن إمارة الحکم الثاني وجود عبید من الفرنجة وعبید من الصقالبة المخصیین أهداهم جعفر بن عثمان المصحفي، وکذلک أمیر برشلونة إلی الأمیر الأموي (4/144-145).
ویتحدّث إبراهیم عن بویمة باعتبارها أکثر بلاد الصقالبة ازدهاراً، وعن بولونیا التي کان یحکمها مِشقو الأوّل دوق بولونیا (960-992م)، أنها أوسع بلاد الصقالبة (میکل، 2(2)/72). وقد ورد اسم مشکو في الکتب العربیة بشکل مشقو (ص616). ویبدو أن قلّة معلومات إبراهیم عن أوکرانیا و روسیا جعله یعتبر مِشقو أوسع بلاد الصقالبة، وقد أورد زکریا القزویني في کتابه نفس المعلومات التي أوردها إبراهیم في مذکرات رحلته دون أن یذکر اسمه. کما أورد میکل هذه المعلومات في القسم المتعلّق بـ «طریق سفر إبراهیم بن یعقوب»، وهي لاتختلف عما ذکره القزویني. یقول میکل: إن هذه المملکة الشمالیة (بولونیا) غنیّة بالأغذیة واللحوم والعسل وغیرها من المواد الغذائیة، و تخصّص ضرائبها لدفع مرتّبات شهریة لجیش قوامه 3,000 دارع، یعادلون عشرة أمثالهم، ویتلقّون من المملکة بمقدار عددهم ألبسة ودواب وأسلحة، ویدفع الملک نفقات تربیة کل طفل یرزقونه ذکراً کان أو أنثی، ویزوّجه متی کبر، و یؤدي المهر إلی العم أو الأب، وهذه الهبة قیّمة إذا علمنا أن المهر غال عند الصقالبة، کما هو عند البربر، ویکفي المهر الموهوب لتأمین ثروة لوالد فتاتین أو ثلاث فتیات، ولإفقار والد ذکرین (القزویني، 616-617؛ میکل، 2(2)/72). ویشیر إبراهیم إلی أن الصقالبة یجمعون أمماً متنوعة انضم إلیهم غرباء من المناطق الشمالیة کالجرمان والاسکاندینافیین. ویبدو أن وحدة الصقالبة في عهده زالت وانقسمت کما سبق وذکرنا إلی ممالک البلغار ویویصلو (بولسلاف) ومشقو (مشکو) وناکون (میکل، ن. ص). ویوجد بالإضافة إلیهم أمم أخری من الصقالبة وغیرهم، وهم عبارة عن الروس الذین شوهدوا فیما بعد في شرق بلد مشقو، وکذلک البروس الذین نزلوا علی بحر البلطیق في الشمال، والذین یتکلمون لغة خاصة بهم لایفهمها جیرانهم (م. ن، 2(2)73). ولایعتبر إبراهیم الروس من الصقالبة، کما أن ابن فضلان یفصل بین الروس والصقالبة في رحلته (ص 80-109) مع أن اللغة الروسیة من فصیلة اللغات الصقلبیة. أما فیما یتعلّق بمملکه البلغار فیبدو أن إبراهیم لم یرها، ذلک أن المعلومات التي رواها عنها نقلها عن تجار ماغدبورغ، وربّما سافر إلی بولونیا و هو ما یدعو إلی الشک أیضاً لأنه لم یذکر هذه البلاد في رحلته. والموضوع الوحید الذي أورده إبراهیم حول حدیثه الخاص مع مِشقو حاکم تلک المنطقة، کان نقلاً عنه، وتشتمل المعلومات التي ذکرها إبراهیم علی جزئیات عن طبیعة بلاد الصقالبة. وطریقة حیاتهم وأوضاعهم الإجتماعیة، انعکست في مجلدي کونیک و روزن (کراتشکوفسکي، I/253). ومن الصقالبة الذین کانوا یعیشون في شمال غربي مملکة مشقو في الغیاض قوم أطلق علیه إبراهیم اسم الولتابا (میکل، 2(2)/73) والمسعودي «ولینانا» (2/32، 33). ویختلف رأی المسعودي إلی حدّما عن رأی إبراهیم بن یعقوب في هؤلاء القوم، فیری المسعودي أنهم لاینقادون إلی شریعة، وهم جاهلیة لایعرفون شیئاً من الشرائع (ن. ص). ویذهب إبراهیم الی أنهم یمتهنون الحرب والملاحة، ولایقبلون إلا بأحکام شیوخ القبیلة، وتقع عاصمتهم علی البحر ولها 12 باباً، وهي مرسی منظّم (میکل، ن. ص). ولم یورد إبراهیم اسم حاکمهم، أما المسعودي فذکر انه ماجک (2/32-33). ویقول إبراهیم إن الوسط الصلبي یکتمل ببعض الأمم الأخری المهمة کالفرنجة والروم و المجر (المجغریة)، ویوجد في أماکن أخری طودشکیون (تودسک) وهنغاریون (انقلیون) و بجناک وروس وخزر. وتتنوّ عصلاتهم فهي حربیة عدوانیة، تحتدم و تهدأ، أو سلمیة أحیاناً (میکل، ن. ص). و ربّما أن إبراهیم لم یعتبر الروس من الصقالبة لأنه کان یهتم بالصقالبة الغربیین، ولم یهتم بالصقالبة الشرقیین و منهم الروس والأکرانیون، ویتحدّث إبراهیم في مذاکرات رحلته عن مدینة النساء وقد نقل زکریا القزویني معلومات منها عن الطرطوشي في کتابه، ویقول: إن النساء یحکمن في هذه الجزیرة التي تقع في بحر المغرب، ولیس للرجال قدرة، ورغم أن هذه المعلومات لاتخلو إلی حدّما من الشک، غیر أن القزویني یرویها عن إبراهیم الطُرطوشي علی أنها الخبر الیقین الذي لاشک فیه (ص 607).
واللوحة التي یرسمها إبراهیم عن عالم الفرنجة أدق ممّا أورده المسعودي رغم بعض التباینات فیها، فالمسعودي یخلط غالباً بین الفرنجة وإفریقیا، ویعتبر ولایة إفریقیة جزءاً من بلاد الفرنجیة (2/34، إلّا أن إبراهیم أکثر اضطراباً في خلطه بین بلاد الفرنجة والصقالبة. یقول إبراهیم عن عالم الفرنجة: إنه بلد واسع، برده شدید، ومناخه قاس، فیه محاصیل متنوّعة کالحبوب و الفواکه والعسل و فیه الأنهار و المزروعات والقطعان وجمیع الطرائد ومناجم الفضة، أهله نصاری، یخضعون إلی ملک باسل شجاع، یعتمد علی جیش هائل، وهم یجهلون النظافة، ولایغتسلون إلّامرة أو مرتین في العام بالماء البارد ولاینظفون ثیابهم أبداً ولایخلعونها حتی تبلی، وینتفون لحاهم ولایحلقونها، لذلک تنمو أکثر مما کانت (میکل، 2(2)/123).
وحدیث إبراهیم عن نظافة الصقالبة ذو أهمیة بالغة فهو یقول: لیس لدی الصقالبة حمّامات، ولکنهم یستعیضون عنها علی طریقتهم، فیصنعون بیوتهم من الخشب والألواح الخشبیة، ویسدّون شقوقها علی غرارما یفعلون بمراکبهم بمادة صمغیة یجمعونها من جذوع الأشجار، ویبنون في زاویة من البیت فرناً من حجر، ویفتحون طاقة مقابلة في السقف، ویغلقونها هي والباب عندما یکون الفرن حامیاً، ویسکبون ماء غزیراً علی الفرن المحمي حتی الإحمرار، فتتصاعد في البیت غیوم البخار. ویحمل کل واحد منهم رزمة عشب بیده لیجتذب إلیه البخار الذي یجعل الجسم یتنفس، ویوسع المسام، ویفرز صبباً من العرق، وهکذا یتخلّصون من الجرب والقروح (م. ن، 2(2)/77-78).
لم تتیسر معرفة تاریخ کتابة مذکرات رحلة إبراهیم رغم مابقي منها في الکتب الأخری، ولکن ممّا لاشک فیه أن جزءاً کبیراً منها قد فقد ولاسیّما الموضوعات المتعلّقة بالصقالبة. ومع‌ذلک فإن المعلومات التي رواها زکریا القزویني عن الطرطوشي حول شلشویق (601-602) وکذلک عن ایرلندة وصید التماسیح من سواحلها (ص 577) وبعض المواضیع الأخری ذات أهمیة کبیرة.
ولاتزال الحاجة ماسة للبحث والتحقیق في مذکرات إبراهیم بن یعقوب و تعتبر دراسات تادئوش کوفالسکي قیّمة ومهمّة في هذا المضمار.

المصادر

ابن خرداذبه، عبیدالله بن عبدالله، المسالک و الممالک، تقـ: دخویه، لیدن، 1889م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن فضلان أحمد، سفرنامه، تجـ: أبو الفضل الطباطبائي، طهران، 1345ش؛ الحمیري محمد بن عبدالمنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، تقت: إحسان عباس، بیروت، 1980م؛ م. ن، صفة جزیرة الأندلس منتخبة من کتاب الروض المعطار في خبر الأقطار، تقـ: لیفي بروفنسال، القاهرة، 1937م؛ العذري، أحمد (المعروف بابن الدلائي)، ترصیع الأخبار و تنویع الآثار، تقـ: عبدالعزیز الأهواني، مدید، 1965م؛ القزویني، زکریا، آثار البلاد، بیروت، 1380هـ/ 1960م؛ السمعودي، علي بن الحسین، مروج الذهب، تقـ: محمدمحیي‌الدین عبدالحمید، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ المقدسي، محمد بن أحمد، أحسن التقاسیم، تقـ: دي خویه، لیدن، 1906م؛ میکل، آندریه (میکیل، اندریه)، جغرافیة دار الإسلام البشریة، تجـ: إبراهیم الخوري، دمشق، 1985م؛ وأیضاً:

Bartold, V. V., Sochineniia, Moscow, 1963; Bosworth, C. E., The Islamic Dynasties, Edinburgh, 1967; Dozy, R. Spanish Islam, transl. by Francis G. Stokes, London, 1913; Jacob. G., arabische Bericht von Gesandten an germanische Fürstenhöfe aus dem 9 und 10 Jahrhundert, Berlin und Leipzig, 1927; id, Studien in arabischen Geographen, Berlin, 1892; Kowalski, T., Relacja Ibrahima ibn Ja’kuba z Podrów Stowiánskich w prsekazie al-Bekriego, Polska Akademja, kraków, 1946; Krachkovski, I., “Novoe izdanie zapiski Ibrahima ibn Ia’ghuba o Slavianakh”, Izbrannie sochineniia, Mosco/ Leningrad, 1955; id, Izbrannie sochineniia, Moscow/Leningrad, 1957; Kunik, A. & V.Rozen, Izvestiia al-Bakrii drugikh avtorovo Rusii Slavianakh, I., SPb., 1878, II. SPb., 1903 ; Lévi-Provençal, E., La péninsule ibérique au moyen – âge d’aprés le Kitab ar- raw al- mi’ṭār fi Ƅabar al-aԽār d’Ibn’ Abd al-Mun’im al-Ḥimyari, Leiden, 1938.
عنایت‌الله رضا

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: