الأبانة عن اصول الدیانة

آلإبانَةُ عَن أُصولِ الدّیانَة، کتاب کلامي باللغة العربیة لأبي الحسن علي بن إسماعیل البصري الأشعري (ح 260-324/874-936). وهو من أسرة عبدالله بن قیس المعروف بأبي موسی الأشعري، مؤسس المدرسة الکلامیة «الأشعریة»، و أحد أکبر المتکلمین في تاریخ الاسلام.
ولبیان مقدمات تألیف الإبانة، و هو الکتاب المعتمد لدی الأشاعرة لابدّ من التنویه إلی أن مدرسة «الاعتزال» استطاعت قبل فترة من تألیفه أن توجد عقائد مبنیة علی العقل و الإستدلال، وأن توفّق بین‌الدین و العلم. والحقیقة أن اساس کلام المعتزلة یعتمد علی أن للعقل والشرع حدیثاً واحداً دائماً ویصدران حماض واحداً سواء أکان ذلک في أصول العقائد أو في فروع التکالیف و الأحکام. وه. یعتقدون بأن صفات الله عین ذاته، ویبتعدون کلیّاً عن کل مایوحي بـ «التشبیه» أو «التجسیم». وکان نشر مثل هذه العقائد و الآراء یتطلب نتأویل» الکثیر من آیات القرآن الکریم، و کانوا یقولون عن الآیة التي یفسّرونها: إن وراء المعنی الظاهري للآیة معنی باطنیاً، هو مایریده الله. و من الواجب غضّ النظر عن المعنی الظاهري والأخذ بالمعنی الباطني و حمله علیه. وقد أدّی فتح باب التأویل إلی أن یلجأ کل شخص وکل فرقة إلی تأویل الآیات القرآنیة حسب أفکارها و عقائدها. وآثارت مثل هذه التأویلات المتطرّفة و اتساعها قلق المسلمین الذین کانوا یسعون للمحافظة علی نص القرآن الکریم من أي تحریف. وانتهت بظهور مدارس عقائدیة وکلامیة تتمسک بالظواهر. وقد راجت في هذه الفترة سوق أصحاب العقل و التأویل (من أتباع الفرق المختلفة)، ممّا دفع أمثال أبي الحسن الأشعري إلی التصدّي لهم. ویشتمل کتاب الإبانة علی جمیع عقائد الأشعري، و یبدو من الضروري الحدیث عنه بالتفصیل لأن الکثیر من مسلمي العالم حتی الیوم یتبنّون هذا المذهب الفکري.
وقد بادر الأشعري في البدایة إلی نقل عقائد و روایات المعتزلة والقدریة و الجَهمیة و الحَروریة و الرافضة و المرجئة ثم أعقبها ببیان آراء «أهل الحق و السنة» (ص 8).
یقول الأشعري: إن جماعة من الزائغین مالت بهم أهواؤهم إلی تقید رؤسائهم و أسلافهم (دون دلیل من الله تعالی أو حدیث عن الرسول و السلف الصالحِ) فخالفوا روایات الصحابة (ع) في رؤیة الله رغم جمیع الأخبار و الآثار المتواترة في هذا الخصوص، و أنکروا شفاعة الرسول للمذنبین، و جحدوا عذاب القبر و إن الکفّار في قبورهم یعذّبون، و دانوا بخلق القرآن نظیراً لقول إخوانهم من المشرکین، «إن هذا إلّا قوال البشر» (المدّثّر/ 74/25). و قالوا إن العباد یخلقون الشر، کما یقول المجوس الذین یظنّون وجود خالقین أحدهما یخلق الخیر والآخر یخلق الشر. و زعمت القدریة أن الله یخلق الخیر و أن الشیطان یخلق الشر. و زعموا أن الله یشاء مالایکون و یکون مالایشاء (ص 6-8). ثم یبادر الأشعري إلی شرح أصول عقائد «أهل الحق و السنة»، الأصول التي هي الحدبین الکفر و الایمان کما یقول، و میزان صحة الإیمان بخیر الأنام. و یقول (ص 8): عقیدتنا التي ندین بها التمسّک بکتاب ربّنا و بسنة نبیّنا و ماروي عن الصحابة و التابعین، و ما قاله أبوعبدالله أحمد بن محمد بن حنبل (164-241/781-855)، ثم یبادر إلی الحدیث عن أصوله‌الدینیة بقوله (ص 8 فما بعد): 1. إننا نعتقد بالله و الملائکة و الکتب والرسل. و مارواه الثقات عن رسول الله (ص)، و نعبد الله واحداً أحداً، و نؤمن بالجنة و النّار و البعث إیماناض لاریب فیه؛ 2. نؤمن بأن الله مستو علی العرش (مضمون الآیات القرآنیة: الأعراف/ 7/54؛ یونس/ 10/3؛ الرعد/ 13/2؛ طه/20/5؛ الفرقان/ 25/59؛ السجده/ 32/4؛ الحدید/ 57/4) و أن له «وجهاً» و «یدین» بلاکیف، و «عینا» بلاکیف، و علماً و سمعاً و بصراً، و هو ماورد في الآیات القرآنیة؛ 3. ونعتقد بأن القرآن کلام الله غیر مخلوق؛ 4. وإن الخیر و الشر کلاهما بارادة الله، و کل شيء بارادة الله، ولایستطیع أحد أن یعمل عملاً إلا أن یشاء الله، و نحن بحاجة لله و هو بکل شیء علیم و إنه لا إله إلا الله، و هو المقدّر لأعمال العباد، و یهدي المؤمنین لطاعته و یرحمهم و یشملهم بعطفه و یهدیهم الصراط المستقیم، و إن الله یضلّ الکافرین و لایهدیهم، ولم یدخل الإیمان قلوبهم، و هو ماورد في آیات کثیرة من القرآن الکرم؛ 5. سیری المؤمنون الله في الآخرة بآبضارهم کما یری القمر لیلة البدر، و قد سأل موسی (ع) رؤیة الله في هذه الدنیا ولکن الله تجلّی علی الجبل و دکّه دکّاً و بذلک أری موسی أنه لن یراه في الدنیا عیاناً؛ وقد وردت آیات صریحة حول ذلک في القرآن؛ 6. مرتکب الکبیرة لیس کافراً – خلافاً لقول الخوارج – ولایخلد في النار، و إن بعض العاصین یخرجون من جهنم بشفاعة من الرسول (ص) بعد أن یذوقوا قدراً من العذاب، و یدخلون الجنة. ولایمکن للانسان أن یکون من أهل الجنة أو النار مالم یبشّره أو ینذره الرسول بذلک صراحة. و إن عذاب القبر و الحوض و المیزان و الحیاة بعد الموت کله حق، والإیمان عبارة عن القول و العمل؛ 7. من الواجب احترام الخلفاء الراشدین؛ 8. یجيء الله یوم القیامة کما قال: و جاء ربّک و الملک صفّاً صفّاً (الفجر/ 89/22)؛ 9. یجب إقامة الصلوات الواجبة و صلاة العید و الجمعة جماعة، أکان ذلک خلف إمام صالح أ غیر صالح. کما صلّی عبدالله بن عمر خلف الحجّاج بن یوسف الثقفي؛ 10. یجب إطاعة الحکام المسلمین ولو ضلّوا، والخروج علیهم بالسلاح غیرجائز؛ 11. کل من مات أو قتل، یموت بأجل (معیّن من الله)، و کل من ینال رزقاً (حلالاً أو حراماً) فرزقه مقدّر من الله؛ 12. الشیطان موجود و له تأثیر في الوسوسة، و دفع الإنسان إلی الأفکار و الأعمال و الأقوال السّیئة.
ثم یبادر الأشعري إلی الإستدلال و النقاش الطویل حول کل من هذه الأصول الاعتقادیة. و یورد آیات و روایات کثیرة لإثباتها، ظنّاً منه أنها قاطعة و صریحة في بیان هذه المعاني. کما یطرح بعض المسائل و یجیب عنها مثل: إذا کان أجل الناس بیدالله کیف یعاقب اقاتل شرعاً و عقلاً  یغرم اللّص؟ أو إذاکان الرزق بیدالله فکیف یحرم أکل بعض الأشیاء في الشرعف و لما ذا یقرّر لأکل الحرام عذاب ألیم؟ إذا کانت أعمال العباد کلها بمشیئة الله، فما معنی إرسال الکتاب و الرسل و الإرشاد و الهدایة، و لماذا خلقت النار للعاصین و الجنة للطائعین؟
طبع کتبا إلابانة مرّات عدیدة: في حیدرآباد الدکن، 1321/1903؛ القاهرة، 1348/1929 و المدینة المنوّرة، 1395/1975.

المصادر

ابن خلّکان، وفیات الأعیان، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1968-1972م؛ ابن عساکر، علي بن الحسن، تبیین کذب المفتري، بیروت، 1984م، ص 28-29؛ الأشعري، أبوالحسن، الإبانة عن أصول الدیانة، المدینة المنوّرة، 1975م؛ الباقلاني، محمد بن الطیب، الإنصاف، تقـ: محمد زاهد الکوثري و عبدالوهاب عبداللطیف، القاهرة، 1963م، ص 11، 25، 177، 184؛ سرکیس، معجم المطبوعات، 1/451؛ طلس، محمد أسعد، الکشاف عن مخطوطات خزائن کتب الأوقاف، بغداد، 1953م، ص 100؛ الفخر الرازي، محمد بن عمر، الأربعین في أصول‌الدین، حیدرآباد الدکن، 1353هـ، ص 198-210؛ القرآن الکریم؛ و أیضاً:

GAL, I/345; GAS, I/604; Thomson, Willam, “Ash‘ari and His Al i banah”, Muslim World, 1942, XXXII/242-260.
قسم الکلام و الفرق