الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبابیل /

فهرس الموضوعات

أبابیل


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/22 ۱۲:۴۳:۳۳ تاریخ تألیف المقالة

أَبابیل، لفظة قرآنیة بمعنی جماعات، مجموعات (للطیر، والخیل والإِبل) و هي من الألفاظ النادرة و قد وردت مرة واحدة في القرآن الکریم (الفیل/ 105/3) ممّا دعا إلی بحثها تفصیلاً في کتب اللغة والأدب.
استخدمت هذه الکلمة في الشعر الجاهلي قبل نزول الوحي الإلهي. وامرؤالقیس أوّل من أوردها مرکبي في «أبابیل طیر» کما أوردها الأعشی أیضاً في ترکیب آخر هو (أبابیل من الطیر) (الطبرسي، 10/542؛ أبوالفتوح، 5/587). ووردت في شاهد شعري ثالث ینسب إلی أمیّة بن أبي الصلت (جفري، 44، نقلاً عن دیوانه) و جاء شطره الأوّل «حول شیطانهم أبابیل» أمابیت امرئ القیس فغیر موجود في طبعات دیوانه المختلفة وکذلک لم یعثر علی شعر أمیّة في شعراءالنصرانیة لشیخو (1/219-237) ولا في المصادر الأصلیة الأخری، بینما شعر الأعشی معروف جداً (ص 177)، ولعلَّه الدلیل الوحید الذي یفید اشتهار هذه الکلمة قبل الإسلام.

 

الاشتقاق

وبما أن العدید من العلماء لم یعثروا علی هذه الکلمة في غیر القرآن الکریم، أو ندر لهم وجودها فقد اتّجهوا للقیاس اللغوي واستخرجوا منها أشکالاً غربیبة أحیاناً ولعلّ أوّل و أرجح رأي في الآثار القدیمة هو الذي یؤکّد بأن لفظة أبابیل صیغة جمع لامفرد لاها، وهو رأي أبي عبیدة (211هـ/ 826م) والفرّاء (269هـ/ 882م) (قا: ابن هشام، 1/36؛ الطبري، 30/191؛ الثعالبي 145؛ الزمخشري، 4/799؛ الطبرسي، 10/539؛ الفخر الرازي، 32/100؛ أبوالفتوح، 5/587؛ الآلوسي، 30/236)، بینما نسب السیوطي (2/198) مفرد «إبّیل» إلی أبي عبیدة. وهذا یعني أن کلمة أبابیل إما أن تکون قد أخذت بهذه الصورة من إحدی اللغات الأجنبیة ثم بحث عن مفرد لها لشابهها مع أوزان العربیة، أو أن تکون هذه الکلمة عربیة أصیلة و لکنها کانت ترجع إلی إحدی اللهجات التي یندر استعمال مفردها، ثم نسیت، کما أن البعض الآخر عرضوا بالمقابل أشکالاض لمفرد الکلمة، و کان الکسائي (189/805) أول من ذکر أن مفردها إبَّول (= جماعة متفرقة من الطیر والخیل و الإِبل) و قاسها علی عِجَّول (جمع: عَجاجِیل) (قا: الأزهري، 15/389؛ الطبري، 30/191؛ الراغب، 3 و مصادر أخری) ذکرها أیضاً بصیغة «إتیل» (الطبری، ن.ص). أما الکسائي فیقول إن هذا الکلام سمعه من «النحویین» ولم یر أن العرب ذکروا لها مفرداً (قا: لین، مادة إبّول)؛ و زعم الرؤاسي (ح 187هـ/803م) أن واحدها إبّالة (الأزهري، الطبري، الزمخشري، ن. ص؛ السیوطي، 2/198). وحسب الجمیع هذه اللفظة بمعنی حزمة حطب وأحیاناً حزمة عشب (الأزهري، الزمخشري، الراغب، ن. ص؛ وفي المصادر اللغویة الأخری، ظ: لین، مادة إبول). ویبدو أن الأزهري لم یستسغ هذا اللفظ فهو یقول بعد تلک الروایة: لو قال قائل: واحدها «إیبالة» کان صواباًف کما قالوا: دینار دنانیر (قا: الزبیدي، مادة إبل). وقد ازدادت هذه الألفاظ المفترضة في کتب اللغة والتفسیر في العصور اللاحقة، ومجموع ماحصل منها إبَّول، إبالة، إبّیل، أَبیل، أَبیلة، إِبّیلة، إیبال و حتی وَبِیلة (الفیروزآبادي). و لایمکن إبداء رأی جازم في استعمال هذه الکلمات الیوم. و یلاحظ ندرة شواهد هذه الکلمة، ووجود شاهدٍ أو شاهدین بین أیدینا فهي ممّا نقل عن النحاة و لعلها کما یقول الکسائي – مضوعة وفق القیاس. حتی إنه عبارة «جاءت إبلک أبابیل» التي وردت علی ألسنة العرب نقلاً عن النحوي الکبیر الأخفش لایمکن الاطمئنان إلیها (ونسبت أیضاً إلی أبي عبیدة، ظ: لین) و لعل غرابة هذه الکلمة هي التي دفعت الخفاجي في القرن 11هـ/ 17م إلی اعتبار إبالة و إبّالة و إیبال و إیبالة في عدد الألفاظ الأجنبیة (ص 58).
ومعنی کلمة أبابیل کأصلها مبهم إلی حدّما، وأشهر ماذکر من معانیها: جماعات، جماعة جماعة (حال) والطیور التي تتتابع جماعة جماعة. والشواهد الجاهلیة تؤید هذا المعنی، وقال البعض الآخر: المراد جماعات من الطیر تأتي من هنا و هناک أو طیور کثیرة تتتابع (الأزهري، الطبري، الزمخشري، ن. ص؛ الثعلبي، 443؛ الطبرسي، أبوالفتوح، الفخر الرازي، ن. ص؛ أیضاً ظ: لین).
و یشعر العلماء المسلمون بوجود علاقة لفظیة و معنویة بین الأبابیل والإِبل و لهذا غالباً مایقیسون جماعات الطیر علی «الإِبل المؤبَّلة» ویحتمل أن هذاالشعور کان أصح طریق لتفسیر کلمة أبابیل. و من الممکن أن تکون هذه اللفظَة من أسرة الکلمات التي اشتقت من کلمة إبل القدیمة، لأن الدراسات التي أجریت لحد الآن أکّدت أن هذه الکلمات لاجذر لها في اللغات المجاورة للعربیة بما في ذلک اللغة الفارسیة (احتمال اشتقاقها من آبله و أَبلَک لیس مقبولاً). ولایبدو وجود شيء جدید في الآثار الجاهلیة لبیان أصل الکلمة إضافة لماسبق.
 ولیس من العسیر بیان  الترکیب النحوي لـ «طیراً أبابیل»، کما أنه من الطبیعي أن یتطابق جمع أبابیل مع اسم الجمع (طیر). أما فیما یتعلّق الخطاطیف؛ و نسب أبوالفتوح هذا المعنی لعائشة (قا: ترجمة تفسیر الطبري، 7/2058). والظاهر أن ابن هشام (1/34) أضاف لفظة «بَلَسان» أیضاً نقلاً عن ابن عباس (ظ: ابن منظور، مادة بلس) و هذه الکلمة التي لاتعني الطیر أوردها صاحب اللسان بمعنی الزرازیر. کما روي عن ابن عباس «أن الأبابیل طیر لها خراطیم کخراطیم الطیر وأکف کأکف الکلاب و لها رؤوس کرؤوس السباع». أما لونها فقالوا أبیض أو أسود أو أخضر و مناقیرها صفر (الطبري، 3/193) و قال أحدهم أیضا إنها کانت بلقاً کالخطاطیف (الفخر الرازي، 32/100) وقال آخر بأن حمام مکة من هذا النوع (الزمخشري، الآلوسي، ن.ص) ویری أکثر المفسرین أن کل واحد من هذه الطیور التي جاءت من جهة البحر کان یحمل معه ثلاثة أحجار (وقد اختلف في عدد الأحجار أیضاً) و ألقت بها علی رؤوس قوات أبرهة (ظ: أصحاب الفیل)، و یروي عِکرَمَة (الطبري، نقلاً عن ابن عباس و الزمخشري، ن. ص) أن هذه الأحجار کانت تثیر الحکّة في أبدانهم (قا: الطبرسي، 5/542؛ ظ: المجلسي، 15/138) و یتحدّث في موضع آخر (الطبري، الزمخشري، و مصادر أخری، ن. ص) عن الجدري فیقول: ظهر الجدري و الحصبة لأول مرة بأرض العرب ذلک العام (ابن هشام 1/35؛ الفخر الرازي؛ الآلوسي، ن.ص).
وقد کتب مترجمو تفسیر الطبري (7/2058) أن أعضاء أجسادهم قد تورّمت، ولایناسب التورّم أي من المعاني الموجودة في الطبري ولعلّهم کانوا یقصدون بذلک بثور الجدري.
ویوعز المستشرقون و بعض الکتاب الشرقیین سبب اندحار أبرهه إلی انتشار مرضٍ معد (کارادوڤو، III/398 بلاشر، I/115؛ عبده، 158؛ دائرة‌معارف القرن العشرین، مادة إبل). ولایمکن قبول التبریرات اللغویة لهؤلاء المحققین التي کانت تؤکد علی مرض الجدري. وقد اعتبر اشپر نجل في القرن 18م کلمة أبابیل مرکبة من أب + أبیل (الوالد + البکاء و النعي) وهي في الفارسیة، أبیلة التي کانت تعني آبلة، ثم عرّبت فیما بعد. ولیس لهذه الصیاغة قیمة علمیة (ظ: جفري، 44). ویقترح کارادوڤو (ن. ص) بحذر شدید في هامش الکتاب، أن تکون «تیر بابیل» أصل لترکیب «طیراً أبابیل»، إلا أن هذا الاقتراح و إن کان ظاهره جذّاباً، فإنّه لایثیر الاهتمام لتجاهله النص والبیئة التاریخیة ولوجود الإشکالات العدیدة من حیث قواعد التعریب أیضاً. ثم إنه یعتبر کلٌّ من کازیمیرسکي و میور أبابیل اسماً خاصاً (بلاشر، ن. ص) و کذلک ینقل أحد الضباط الانجلیز أنه لاعلاقة بین هذه الکلمة والطیور و إنما هي اسم «بلاء» مشتق من «ابیله» بمعنی البثور. ولانعلم کیف لقي قول هذا الضابط کل هذا الاهتمام بحیث یعتمده کل من برتن وجفري (ظ: ن.ص). ویلاحظ أن جمیع المحققین المعاصرین یبحثون عن الأصل الأجنبي، لهذه الکلمة. ولم یکن للعلماء المسلمین حتی القرن 11هـ/ 17م مثل هذا الرأي، و لعل الخفاجي (تـ 1069هـ/ 1659م) هو أول من عد إبّالة وإبالة وإیبالة من الکلمات الأجنبیة و علی خلاف طریقته فإنه لم یذکر أي مصدر أو توضیح لذلک.
ومثل هذه التحقیقات غیر الدقیقة فيهذا الباب کانت سبباً في کثرة الاحتمالات المستجدّة. فشکل الکلمة من جهة وموضوع الجدري الذي ألقاه عکرمة في الأذهان من جهة أخری لفتا أنظار البعض إلی کلمة أبلَک (التي تعني ذا اللونین، الأسود و الأبیض، الأبلق) (مقدّم، 438-439)، ممّا أوجد تصوّراً یفید أن أبلک هي آبلة وأن ابّالة وماشابهها مأخوذة من أبلک، بید أنه لاعلاقة بین هاتین الکلمتین. آبله لفظة قدیمة بمعنی البثر ومرض الجدري قدورد کثیراً في النصوص الفارسیة (مثلاً ظ: أخویني) وفي البهلویة جاءت أیضاً بصورة آبلگ. وفي المقابل یجب قیاس أبلک – إذا ماوجد لها أثر في اللغات الفارسیة القدیمة – علی أبلق باعتبارها لفظة جاهلیة معروفة (ظ: أبلق).
وعلی کل حال فإذا کانت الشواهد الجاهلیة التي ذکرناها سابقاً في بدایة المقالة – أو حتی أحد الشواهد  الثلاثة – أصیلة، فلاشک في أن کل البحوث التي أجراها المحقّقون المعاصرون لاجدوی منها، وسوف لایکون لکلمة أبابیل من معنی غیر الجماعات والمجموعات.

 

المصادر

 

الآلوسي، محمود بن عبدالله، روح المعاني، بیروت، دار إحیاء التراث العربي؛ ابن منظور، لسان العرب؛ ابن هشام، عبدالملک، السیرة النبویة، تقـ: مصطفی السّفا وآخرون، بیروت، دارإحیاء التراث العربي؛ أبوالفتوح الرازي، الحسین بن علي، روح الجنان، قم، 1404 هـ؛ أخویني، ربیع بن أحمد، هدایة المتعلمین، تقـ: جلال متیني، مشهد، 1344 ش؛ الأزهري، محمدبن أحمد، تهذیب اللغة، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1384 هـ/ 1964 م؛ الأعشی، میمون بن قیس، دیوان، بیروت، فوزي عطوي، ترجمة تفسیر الطبري، تقـ: حبیب یغمایي، طهران، 1339-1344ش؛ الثعالبي، عبدالملک بن محمد، فقه اللغة، بیروت، 1318 هـ؛ الثعلبي، أحمد بن محمد، قصص الأنبیاء، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ الخفاجي، أحمد بن محمد، شفاء الغلیل، تقـ: عبدالمنعم الخفاجي، مکتبة الحرم الحسیني، 1371هـ؛ دائرة معارف القرن العشرین؛ الراغب الأصفهاني، حسین بن محمد، معجم مفردات القرآن، تقـ: ندیم مرعشلي، بیروت، 1932م؛ الزبیدي، تاج العروس؛ الزمخشري، محمود بن عمر، الکشَاف، بیروت، دارالکتب العربیة؛ السیوطي، عبدالرحمن بن أبي بکر، المزهر، القاهرة؛ دار إحیاءالکتب العربیة؛ شیخو، لویس، شعراء النصرانیة، الجزء الأول، بیروت، 1926م؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان، طهران، 1379 هـ؛ الطبري، محمد بن جریر، جامع البیان في تفسیر القرآن، بیروت، دار المعرفة؛ عبده، محمد، تفسیر القرآن الکریم، القاهرة، 1341هـ؛ الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسیر الکبیر، بیروت، دار إحیاء التراث العربي (طبع أوفست)؛ الفیروزآبادي، القاموس المحیط؛ المجلسي، محمدباقر، بحار الأنوار، طهران، 1379هـ؛ مقدّم، محمد، «طیراً أبابیل»، سخن، س 1، عد 7 و 8، 1322 ش؛ وأیضاً:


Blachère, R., Le Coran, Traduction, Paris, 1949; Carra de Vaux, B., Les Penseurs de l’Islam’Paris, 1923; Jeffery, A., The Foreign Vocabulary of the Qur’ān, Baroda, 1938; Lane, E. W., Arabic – English Lexicon, London, 1863-1893.
 آذرتاش آذرنوش
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: