الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الإباحة /

فهرس الموضوعات

الإباحة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/22 ۱۳:۰۲:۵۴ تاریخ تألیف المقالة

اَلإباحَة، وأصلها من البوح والبؤوح. و تعني الإجازة (الفراهیدي، الأزهري) وهي في الشریعة الإسلامیة من الأحکام الخمسة و لیس علی فعالها أو ترکها عقاب أو ثواب. ولامصداق للإباحة في العبادات (الشهید الأول، 1/31) لأن الفعل و الترک في العبادات إنما هو بقصد القربة والطاعة واکتساب الثواب و اجتناب المعصیة، و یدخل في هذا الإطار کل من الواجب والمستحب والحرام و المکروه، إلا أنه یوجد مصداق للإباحة في الأحکام والعقود و الإیقاعات. و الإباحة في نظر «الحکیم» تخییر الشارع المکلّفین بین إتیان فعل و ترکه دون ترجیحه أحدهما علی الآخر (ص 65). کما عرّفها الإمام محمد الغزالي بأنها التخییر بین الفعل و الترک (1/66) ویعتقد ابن حزم و کذلک بعض الفقهاء بأن المباح هو مالایترتب علی فعله أن ترکه ثواب و عقاب.

هل الإِباحة حکم شرعي؟

یقول الغزالي في معرض إجابته علی هذا السؤال: المباح من الشرع، وقد ذهب بعض المعتزلة بناء علی نظریة الحسن و القبح في الأفعال إلی أنه لیس من الشرع.
ویستدلون علی ذلک بأن کل عمل لایتعلّق بترکه أو فعله مصلحة أو مفسدة عقلیة فهو مباح، وأن هذه الإباحة مسألة عقلیة ولیست شرعیة. وتعتبر الإباحة مسألة شرعیة فیما إذا کان الشرع یأمر برفع المانع من الإتیان أو الترک للأفعال المباحة، أما في الحالة التي لایمارس الشارع فیها مثل هذا الفعل فتبقی إباحة بعض الأفعال علی حالها إباحة عقلیة. وعلی هذا الأساس تکون الإباحة حکماً عقلیاً فقط ولیس شرعیاً. وفي قبال ادعاء المعتزلة هذا یقول الغزالي إن المباحات ثلاثة أقسام: الأول ما صرّح الشرع بتخییر المکلّف بفعله أو ترکه، و هذا القسم هو الإِباحة الشرعیة. والثاني ما لم یتعرّض الشرع صراحة بإباحته ولم یرد أیضاً دلیل سمعي علی إباحته، و في هذا القسم یمکن القول بأن الحالة تستمر علی ما کانت علیه قبل ورود الشرع، إلا أنه لم یرد فیها حکمٌ. والقسم الثالث هو الذي لم یرد فیه خطاب صریح بالتخییر، ولکن دلّ دلیل السمع علی نفي الحرج عن فعله و ترکه ولولا هذا الدلیل لکان یعرف بدلیل العقل نفي الحرج عن فاعله، فهذا، فیه نظر (1/75). وقد حَذا ابن قدامة أیضاً حذو الغزالي في تقسیم المباحات و شرحها (ص 40-41) وکذلک یقول الآمدي؛ إن المسلمین باستثناء بعض المعتزلة متفقون علی أن الإباحة م الأحکام الشرعیة (ص 107).

هل الإباحة تکلیف؟

ذهب عدد من علماء الأصول إلی أن الإباحة لیست داخلة تحت التکلیف، حیث یقولون إن التکلیف إنما یکون بطلب ما فیه کلفة و مشقّة، بینما لاطلب في المباح ولاکلفة لکونه مخیّراً بین الفعل والترک، لذلک لایمکن اعتباره من التکلیف. و سواء کان المباح داخلاً في التکلیف أو خارجاً عنه فإن المسلمین متّفقون علی وجود حکم الإباحة و أنه أحد الأحکام الخمسة (الآمدي، 109).

ألفاظ الإباحة وصیغها

لیس هناک ألفاظ معیّنة وصیغ خاصة للإباحة وقد یستفاد بهذا الخصوص من کل لفظة وصیغة تؤدي إلی هذا المعنی. واعتبر بعض علماء الأصول صیغة الأمر مشترکة بین الوجوب والندب والإباحة. ویقول البعض الآخر إن صیغة الأمر هي للقدر المشترک بین هذه الثلاثة وهو «الإذن». ویری آخرون أن الأمر بعد الحظر یقید الإباحة (الشریف المرتضی، 38؛ صاحب المعالم، 39؛ موسوعة…، 1/159)، ولکن الإباحة – کما أشرنا – لیس لها صیغهة ولفظ معیّن وأنها تتحقّق في کل لفظة وصیغة تدل عذی هذا المعنی. ولم ترد کلمة الإباحة في القرآن ولا في أحادیث نبي الإسلام (ص)، ولکن الفقهاء والعلماء أدرکوا أن عدداً من الآیات القرآنیة قد وردت في مقام بیان الإباحة. مثل: یا أیها الناس کلوا ممّا في الأرض حلالاً طیباً (البقرة/ 2/168).

الفرق بین الإباحة والتخییر

 إذا تردّد حکم الفعل بین الوجوب والحرمة ولاسبیل إلی ترجیح أحدهما علی الآخر فللمکلّف أن یختار و ینتخب أحدهما، بناءً علی أصل التخییر ولاعقاب علیه إذا ما اختار أیهما. والفرق بین أصل التخییر وأصل الإباحة هو أن الحکم في الإباحة معیّن وهو اختیار الترک أو الفعل، أما في التخییر فالحکم مردّد (قا: موسوعة…، 160).
المباح والحلال: الحلال في الشرع یقابل الحرام ویشمل کل مالیس حراماً، وبهذا فالحلال أعمّ من المباح، بمعنی أن کل مباح حلال ولکن لیس کل حلال مباح، کالمکروهات التي هي محلّلة ولکنها لیست مباحة.

الإباحة والجواز

الجواز ضدالمنع والجائز کالحلال أعمّ من المباح، لأن کل مباح جائز، ولکن لیس کل جائز مباحاً، کالأفعال المکروهة والمستحبّة التي هي جائزة ولیست مباحة.

إباحة التملّک وإباحة الانتفاع في الفقه والحقوق المدنیة

للإباحة معان أخری في القه والحقوق المدینیة والتي هي عبارة عن الإِذن في التملّک أو الانتفاع من الأموال التي لیس لها مالک خاص. و فیما إذا کان الإِذن في التملّک تسمی إباحة تملک، وإذا کان في الانتفاع من الشيء فتسمّی إباحة انتفاع، وعلی أساس هذا التقسیم تکون المباحات علی قسمین: قابلة الانتفاع و قابلة التملّک؛ والمباحات قابلة الانتفاع هي المباحات التي یستفید منها المسلمون عموماً والتي یمنع أن تکون الاستفادة منها والانتفاع بها منحصراً، بشکل لایمنع الآخرین من الاستفادة منها، کالطرق والشوارع العامة. أما المباحات قابلة التملک فهي المباحات التي تمتلک بإذن إمام المسلمین و بما ینسجم مع الموازین الشرعیة، کتملّک الأراضي الموات عن طریق إحیائها وصید الأسماک في المیاه المباحة. والقانون المدني الإیراني الذي یتبع الفقه الإِمامي قسّم المباحات إلی قسمین: مباحات قابلة الاستفادة والانتفاع غیرالمنحصر ومباحات قابلة التملّک. وقد ذکر القسم الأول باسم الأموال العامة أو الأموال التي تستفید منها العامة (المادة 24). ویقول في المادة 27: إن المباحات هي الأموال التي لیست ملکاً للأشخاص ویجوز لأفراد الشعب التملّک أو الاستفادة منها طبقاً للبنود المدرجة في هذا القانون وفي القوانین الخاصة المرتبطة بکل قسم من أقسامها المختلفة، کالأراضي الموات وهي الأراضي المعطّلة التي لم تعمّر ولم تزرع.

الإِباحة و الحظر

للفقهاء والأصولیین بحث آخر بعنوان أصالة الحظر وأصالة الإِباحة. والحظر معناه المنع وهو ضد الإِباحة ومن هنا فإن أصالة الإباحة تقابل أصالة الحظر. وأصالة الحظر بهذا المعنی تفید بأنه مالم یوجد دلیل شرعي علی جواز ارتکاب فعل فلا بدّ من اجتنابه. وأصالة الإباحة خلاف ذلک. وهناک اختلاف في وجهات النظر بین العلماء المسلمین بخصوص أفعال العباد قبل التشریع و نزول الوحي: فالأشاعرة الذین لایعتقدون بالحسن والقبح الذاتیین للأفعال یقولون: إنما خطاب الشارع هو الذي یعطي صفة القبیح أو الحسن للأفعال، وقبل ورود الشرع لایترتّب القبح والحسن علی الأفعال ولایمکن إصدار حکم بخصوصها. أما المعتزلة الذین یعتقدون بالحسن والقبح الذاتیین للأفعال، ویعتبرون الظلم مثلاً قبیحاً في ذاته والعدل حسناً بنفسه، ویجعلون العقل معیاراً لذلک التشخیص، فقد اختلفوا في مسألة الحسن والقبح في الأفعال قبل ورود الشرع، فهل هي غیر قابلة للتمییز والتشخیص عقلاً، أو الحسن والقبح في العمل متساویان: فقال معتزلة البصرة بأن الأصل في هذا المورد هو الإباحة، بینما قال معتزلة بغداد بأصالة الحظر، وذکروا أن التصرّف في ملک الغیر بدون إذن المالک قبیح. والوجود کله ملک لله ولایجوز التصرّف به بدون إذنه تعالی،اللّهم إلا إذا أجاز الله التصرّف به. وقد توقّف بعض المعتزلة أیضاً فلم یقولوا بأصل الإباحة في هذا المورد ولا بأصل الحظر (ابن قدامة، 41/42؛ البدخشي، 1/164-166). أما بعد التشریع، فقد اختلفت آراء العلماء أیضاً في موضوع الأمور التي لم یرد فیها حکم. والمشهور بین فقهاء الإمامیي أن حکم العقل والشرع کلیهما قائم علی أصالة الإباحة (الأنصاري، 199). والدلیل الشرعي عند الإِمامیة هو الآیات و الأحادیث المنقولة عن رسول الله (ص) والأئمة (ع) ومنها هذه الأیات: 1. هو الذي خلق لکم ما في الأرض جمیعاً (البقرة/ 2/29)؛ 2. یا أیها الناس کلوا ممّا في الأرض حلالاً طیّباً (البقرة/ 2/168)؛ 3. قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً علی طاعِم یَطعمُهُ إلّا أن یکون میتةً أو دماً مسفوحاً أو لحمَ خنزیر . (الأنعام/ 6/145).
وروي أیضاً عن الأمام الصادق (ع) «کل شيء مطلق حتی یرد فیه نهي» (الحرّ العاملي، 18/127-128).

المصادر

الآمدي علي بن أبي علي، الإحکام في أصول الأحکام، بیروت، 1405هـ/1985م؛ ابن حزم، علي بن أحمد، الإحکام في أصول الأحکام، بیروت، 1405هـ/1985م؛ ابن قدامة، عبدالله بن أحمد، روضة الناظر وجنة المناظر، بیروت، 1401هـ/1981م؛ الأزهري، محمد بن أحمد، تهذیب اللغة، القاهرة، 1966م؛ البدخشي، محمد بن حسن، مناهج العقول في شرح منهاج الوصول…، بیروت، 1405هـ/1984م؛ التهانوي، علي بن علي، کشّاف اصطلاحات الفنون، تقـ: ألویس شبر نجر، کللکتة، 1848-1861م؛ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، بیروت، 1383، 1387هـ/ 1963، 1967م؛ الحکیم، محمدتقي، الأصول العامة للفقه المقارن، قم، 1979م؛ الشریف المرتضی، علي بن الحسین، الذریعة إلی أصول الشریعة، طهران، 1346ش؛ الشهید الأول، محمدبن مکّي، القواعد والفوائد، قم، 1399هـ/1979م؛ صاحب المعالم، حسن بن زین‌الدین، معالم الأصول، طهران، 1320هـ؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفی، القاهرة، 1322هـ/ 1904م؛ الفراهیدي، الخلیل بن أحمد، العین، قم، 1405هـ/ 1985م؛ قانون مدني إیران؛ القرآن الکریم؛ موسوعة جمال عبدالناصر الفقهیة، القاهرة، 1386هـ/ 1966م.

مصطفی محقّق داماد
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: