آل نَوبَخت، أسرة إیرانیة شهیرة، عاش أفرادها خلال قرنین و نصف من أواسط القرن 2 حتی أوائل القرن 5/8-11، وظهر منهم منجّمون وأدباء ومتکلّمون و کتّاب ومؤلفون کانوا جمیعاً من الشیعة ماعدا واحداً أوثنین یشک في تشیعهما.

وکان جدّ هذه الأسرة یعرف بـ «نوبخت»، ومن المحتمل أن هذه الکلمة کانت لقبه، لا اسمه. و یبدو أنأفراد هذه الأسرة نسبوا أنفسهم، بعد ان اشتهروا، إلی گیڤ بن گُودَرز البهلوان الأسطوري المعروف في خداي نامه و شاهنامه، کما أن أبا عبادة البحتري الشاعر المعروف نسبهما في قصیدتین أنشدهما في مدح اثنین من أفراد هذه الأسرة إلی جوذرز (گودرز) وبیب (گیڤ) (اقبال، 6 و 7). ویبدو أن هذا الادعاء لیس بصحیح لأن گودرز و گیڤ شخصیتان أسطوریتان ولیستا بتاریخیتین، ولو کانتا تاریخیتین فمن المستبعد أن یبقی نسب أسرة غیر معروفة منذ فترة ماقب الاسکندر. کما أن انتساب الساسانیین إلی الکیانیین أو الاخمینیین لایخلو من الشک و حتی الانکار أیضاً. ومن الأسر التي حمت ایران في عهد الساسانیین سبع عوائل لایعرف صلة أجدادها بملوک ماقبل عهد الاشکانیین، فکیف الحال إذن بالنیبة لعائلة قلیلة الأهمیة مثل نوبخت. ولکن هذا الادعاء یحوي شیئاً من الحقیقة و هو أن نوبخت جد هذه الأسرة کان منجّماً وأن ابنه أباسهل ذکر أسماء أربعة من أجداده أثناء تعریف لنفسه عند الخلیفة المنصور. و یدلّ هذا الأمر علی أن هذه الأسرة کانت تتمتع بنوع من عراقة النسب، حیث بقیت أسماء أربعة منها علی الأقل. وکان أبوسهل وأبوه نوبخت من المنجّمین، مما یدل علی أن أجداد هذه الأسرة کانوا یمارسون هذا الفن؛ وإذاما اخذنا بنظر الاعتبار الوضع الطبقي في العهد الساساني و عدم سماحه بتداخل الطبقات، یمکن الحدس أن أفراد أسرة نوبخت کانوا في ذلک العهد من طبقة کتاب الدواوین، ویعتبر العلماء کالمنجمین و الأدباء والشعراء والأطباء م هذه الطبقة أیضاً.

وقد أورد المسعودي في مروج الذهب لدی ذکره أخبار القاهر بالله قصة نقلها عن محمد بن علي العبدي الخراساني تحدّث فیها عن کل من الخلفاء العباسیین (قبل القاهر) وجاء فیها أن المنصور الخلیفة العباسي الثاني کان أول من قرّب المنجّمین الیه و أخذ بآرائهم وأن نوبخت المجوسط کان منجّمه وأسلم عل ییده و کان جد النوبختیین هؤلاء (أیام القاهر) (8/290).

وتؤید المصادر الأخری أن نوبخت کان منجم الخلیفة المنصور أیضاً. ویقول الخزیب البغدادي (1/67): إن المنصور وضع أساس بغداد «في وقت اختاره له نوبخت المنجّم». ویذکر أبوریحان البیروني (ص 270): أن نوبخت أخذ علی عاتقه اختیار «الوقت» المناسب لبناء بغداد. کما ینقل الخطیب البغدادي (10/54-55) خلال ترجمته لحیاة المنصور، حکایة نقلاً عن أبي سهل بن علي بن نوبخت قال فیها إن جد نوبخت کان زرادشتیاً حسن المعرفة في النجوم، وعندما کان محبوساً في سجن الأهواز، رأی المنصور الذي تولی الخلافة فیما بعد، قد دخل السجن وقد أثّرت هیبته و جلاله علی نوبخت، فذهب إلیه و سأله عن مسقط رأسه و نسبه و اسمه و کنیته، و بشّره بأن جمیع أنحاء تلک المنطقة (خوزستان) و فارس و خراسان والجبال (ناحیة ماد) ستکون تحت سیطرته. وقد تسلّم نوبخت من المنصور کتاباً بهذا المضمون: بسم الله الرحمن الرحیم، یا نوبخت إذا فتح الله علی المسلمین، و کفاهم معرة الظالمین، وردّ الحق إلی أهله فلانغفل من خدمتک إیّانا، التوقیع، أبوجعفر. فلما ولي المنصور الخلافة توجّه نوبخت إلیه وأخرج الکتاب، فقال أناله ذاکر، مع الأمان، فالحمدلله الذي صدق وعده، و حقّق الظن، وردّ الأمر (الخلافة) إلی أهله. فأسلم نوبخت وأصبح منجماً لأبي جعفر ومولی له.

وأبو سهل علي بن نوبخت الذي روی هذه الحکایة هو أبوسهل إسماعیل بن علي بن إسحق بن أبي سهل بن نوبخت الذي وردت ترجمته بالتفصیل في کتاب خاندان نوبختی لعباس إقبال (الفصل السادس)، کما ذکر اسمه بذلک الاختصار في تاریخ بغداد ثم في فرج المهموم للسید ابن طاووس (ص 211-212).

ویروی الطبري ضمن أحداث عام 145هـ، و خروج ابراهیم بن عبدالله بن الحسن المعروف بـ «قتیل باخَمرا» أن أصحاب إبراهیم ألحقوا الهزیمة في البدایة بجیش المنصور، وکان المنصور یفکّر في عاقبة الأمر حین دخل علیه نیبخت (نوبخت) المنجّم قائلاً «یا أمیرالمؤمنین إنک ستنتصر، وإن ابراهیم سیقتل. ولم یقتنع المنصور بکلامه، فقال نوبخت: اسجنّي عندک و إذا لم یحدث ما خبّرتک به فاقتلني. وفي هذه الأثناء وصل خبر انکسار ابراهیم و فراره (3/317).

أبوسهل بن نوبخت

أشهر أفراد هذه الأسرة، روی القفطي في تاریخ الحکماء: أن أباسهل بن نوبخت هو منجّم إیراني، استاذ عالیم باقتران الکواکب و حوادثها، وکان أبوه نوبخت منجّماً عند المنصور و ندیماً له. ولما لم یستطع نوبخت (لکبرسنه) أن یواصل مصاحبته للمنصور، قال له الخلیفة، اجلب ابنک لیأخذ مکانک. وقد أرسل فعلاً ابنه أباسهل لیحلّ محلّه. ویروي أبوسهل: أنه لما أُخذت إلی المنصور قال لي: ما اسمک، وأجبته، «خرشاذماه طیماذماه مازرباذ خسرو ابهمشاذ» وسأل المنصور: أکلّ هذا اسمک؟ أجبته نعم، فابتسم وقال: أبوک لم یفعل شیئاً وعلیک أن تختار أحد أمرین: إما أن تکتفي من اسمک کلّه بـ «طیماذ» أواکنّیک بکنیة تکون بدل اسمک وهي «أبوسهل» وأنا رضیت بکنیة «أبي سهل». وظلّت هذه الکنیة ملازمة له منذ ذلک التاریخ و أبطلت تلک الأسماء کلّها (ص 409).

وحول هذه الروایة لابد من القول إن اسماً بذلک الطول لایمکن أن یکون اسم شخص. ولم یسبق أن کان للایرانیین مثل ذلک الاسم الطویل. و کان أبوسهل قد ذکر اسمه و أسماء أجداده وفق التقالید العربیة. فالعرب یضیفون کلمة «ابن» بین اسم الولد والوالد، أما الایرانیون فانهم یضیفون اسم الولد إلی الوالد بوضع کسرة في نهایة اسم الولد مثل «مسعودِ سعدِ سلمان». ومن جهة أخری فقد کانت تستعمل أحیاناً الألف بدل کسرة الاضافة في الکتابات القدیمة. و ربّما کانت «ماه» التي وردت بعد کلمة «خرشاذ» تحریفاً لألف الاضافه، وأن «طیماذ» التي ذکرت بعدها هي اسم الوالد. و روي في رجال النجاشي (ص 290) أیضاً أن هذه الکلمة هي «طیمارث». وإذا صحّ هذا فلابد من القول إن طیمارث صورة أخری لکلمة «طهمورث» المعروفة في الکتب التاریخیة. وجاء في الاسم المذکور حرف «ا» أیضاً بین اسم «خسرو» و «بهمشاذ» وهي علامة کسرة الاضافة. واستناداً إلی الحدس المذکور آنفاً فقد کان اسم أبي سهل «خرشاذ» أو «خرخشاد». وبروایة أخری (فرخشاذ). وأن اسم أبیه «طیماذ» أو «طیمارث» (طهمورث). أما «نوبخت» فهو اسم جد هذه الأسرة و اسم والد أبي سهل، کما ورد في جمیع المصادر. وإذا کان کذلک یمکن القول إنه یبدو من ظاهر کلمة «نوبخت» أنها کانت لقباً و لیست اسما و لعلّ ممارسته للتنجیم و علم الهیئة والتنبؤ بأحوال الناس عن طریق النجوم، لایخلو من تأثیر علی هذا اللقب، وأن اسمه الأصلي کان «طیماذ» أو «طیمارِث».

وکان أبوسهل بن نوبخت، کما یروی ذلک ابنالندیم في الفهرست، یترجم من الفارسیة إلی العربیة ویقتبس معلوماته من الکتب الایرانیة والفارسیة. کما أنه ألّف بنفسه عدة کتب وردت أسماؤها في الفهرست (ص 333). فمن مؤلفاته کتاب النّهمطان أو الیهبطان في علم النجوم و الموالید. ونقل ابن الندیم موضوعات من هذا الکتاب حول تاریخ علم النجوم (ص 299-301) و نسب نشوء هذا العلم إلی الایرانیین في عهد جمشید و نسب إعادة تدوینه إلی أردشیر الساساني وابنه شابور بعد تغلّب الاسکندر وسیطرته، وعصر ملوک الطوائف (الأشکانیین)، مشیراً بشکل خاص إلی دور أنوشیروان في هذا المجال، متحدّثاً عن حبّه للعلم و تعلّقه به. وبقي أبوسهل حیّاً حتی عهد هارون، حیث کان یعمل في «خزانة الحکمة»، کما یروی ذلک ابن الندیم (ص 333).

وبرز من آل نوبخت شخصیات سیاسیة و دینیة وعلمیة کبیرة، أمثال: أبي سهل اسماعیل بن علي بن اسحق بن أبي سهل بن نوبخت، و أبي محمدحسن بن موسی النوبختي (الذي ینسب إلیه کتاب فرق الشیعة)، وأبي إسحق إبراهیم النوبختي، مؤلف کتاب الیاقوت في علم الکلام و أبي القاسم حسین بن روح النوبختي أحد نواب الامام الحجة المنتظر (ع) الأربعة أیام الغیبة الصغری.

المصادر

ابن طاووس، علي بن موسی، فرج المهموم، النجف، 1368هـ؛ ابن الندیم، الفهرست، تقـ رضا تجدّد، تهران، 1350ش؛ اقبال، عباس، خاندان نوبختي، تهران، 1357ش، (مخـ)؛ البیروني، أبوریحان، الآثار الباقیة، تقـ ادوارد زاخاو، لایبزیک، 1923م؛ الخطیب البغدادي، أحمد بن علي، تاریخ بغداد، بیروت، دارالکتاب؛ الطبري، محمدبن جریر، تاریخ، تقـ دخویه، لیدن 1881م؛ القفطي، علي بن یوسف، تاریخ الحکماء، تقـ ج. لیبرت، لایبزیک، 1903م؛ المسعودي، علي بن الحسین، مروج الذهب، تقـ باربیه دومینار، باریس، 1874م؛ النجاشي، أحمد بن علي، رجال، قم، مکتبة الداوري.

عباس زریاب