آل مرداس، عائلة من الأمراء العرب من بنی کلاب، حکموا حلب في الفترة من 414-472/1023-1079.

تاریخهم

کانت بلاد الشام في القرن 5/11 ساحة لصراع قوتین سیاسیتین دینیتین هما: العباسیون ببغداد الفاطمیون في مصر. و کان الأمراء المحلّیون خلال هذا الصراع یمیلون إلی هذه القوة تاره وإلی تلک القوة تارة أخری لتوطید حکمهم. وکانوا أحیاناً یتسغلون هذه الخلافات للمطالبة بالاستقلال. وکان هذا الصراع واضحاً في حلب أکثر من غیرها، حیث کانت المدینة تتناوبها القوی المتخاصمة. أما القاطنون في حلب وضواحیها والذین کانوا من القبائل العربیة المختلفة، فکانوا یغتنمون الفرص و یتذرّعون بسوء تصرف الفاطمیین و عدم وفائهم بالوعود، لیعلنوا تمردهم علی أمرائهم وولاتهم. وقد استفاد أبوعلي صالح بن مرداس من هذا الوضع وسیطر علی حلب وأسس دلة آل مرداس بعد ثورة الأهالي علی حاکمها أبي نصر بن لؤلؤ واستیلاء الفاطمیین علیها، وبعد ظهور دولة الأتراک السلاجقة الفتیّة و مظاهرتها للدولة العباسیة، بدأت سلطة الفاطمیین بالأفول في الشام، ورجحّت کفّة العباسیین. و عندما رأی آل مرداس هذا الوضع اضطروا أن یخطبوا في حلب باسم خلیفة بغداد والسلطان السلجوقي. قد أدبی الوضع الجدید من جهة، وازدیاد نفوذ السلاجقة من جهة أخری إلی إضعاف قدرة عائلة آل مرداس و مهدّ لانقراضها.

الحکام

1. أسدالدولة أبوعلي صالح بن مرداس (حکم: 414-420/1023-1029)

مؤسس هذه السلالة. قدم مع أنصاره إلی ضواحي حلب حوالي عام 412/1021. واستغل في البدایة الاضطرابات التي حدثت بعد موت سعد‌الدولة الحمداني، وسیطر علی الرحبة ونال من الخلیفة الفاطمي الحاکم بأمرالله في مصر (386-411/996-1020) لقب أسدالدولة. ثم تطّلع إلی توسیع منطقة نفوذه والسیطرة علی مدینة حلب. وحدث الخلاف بین مرتضی‌الدولة أبي نصر بن لؤلؤ الجراحي والي الفاطمیین علی حلب، وبین بني کلاب لعدم وفاء الوالي بوعوده لهم. ویوماً بعد یوم تفاقم الخلاف واستطاع صالح في هذه الأثناء السیطرة علی حلب عام 414/1023 بمساعدة شیوخ بني کلاب، واستغلال نقمة الأهالي علی الحکّمام الفاطمیین. ثم امتدت ممتلکاته بعد مدة لتشمل حمص و بعلبک و صیدا وعانة. وبعد 6 سنوات أمر الخلیفة الفاطمط في مصر الظاهر لاعزاز دین الله (411-427/1020-1036)، أمیر الجیوش أنوشتکین الدِزبَری التجّه لقتال صالح – وینسب هذا الأمیر إلی دِزبَر بن او یتم الدیلمي – وکان یحکم دمشق من قبل الفاطمیین. والتقی الجیشان في أُقحُوانة – موضع في الأردن بالقرب من بحیرة طبریة – ودارت حرب بینهما انتهت بقتل صالح وابنه الأصغر في جمادی الأولی 420/ أیار 1029. واستطاع نصر، أکبر أبناء صالح أن ینجو بنفسه ویعود إلی حلب ویتسلم مقالید الأمور فیها.

2. شبل‌الدولة أبوکامل نصر بن صالح بن مرداس (حکم: 420-429/1029-1038)

تولّی الحکم في البدایة بمدینة حلب بعد قتل أبیه؛ إلّا أن قلعتها بقیت في ید أخیه معزّ‌الدولة ثمال الذي کان یعارضه. وبعد توسّط شیوخ القبائل العربیة تقرّر أن یتولّی نصر الحکم في حلبف معزالدولة في بالس والرحبة. ثم مالبث نصر أن احتل قلعة حلب في 421/1030.

وقد حدثت في عهد شبل‌الدولة اشتباکات مع‌الدولة البیزنطیة، وأخیراً عقد الصلح بین الطرفین علی أن یدفع شبل‌الدولة إلی الرومان 000/500 دینار أي مایعادل 8000 مثقال من الذهب سنویاً علی مرحلتین. وفي 423/1032 تغلب علی الدرز في جبل السُّماق وقضی علی تمرّدهم، و دام حکم شبل‌الدولة حتی عام 429/1038. ففي شعبان/ أیار من هذه السنة أرسل المستنصر بالله الفاطمي (427-487/1036-1094) جیشاً بقیادة أنوشتکین الدِزبَري لقتاله. واندحر نصر في الحرب التي دارت رحاها في منطقة حماة وقتل. وسیطر أنوشتکین الدزیري علی حلب وحکمها وبقیة مناطق الشام باسم الفاطمیین منذ رمضان 429 إلی وفاته في ربیع الأول 433/ حزیران 1038 الی تشرین الثاني 1041. ولم تکن حلب خلال هذه الفترة خاضعة لحکم آل مرداس.

3. معزالدولة ثمال بن صالح بن مرداس (حکم: 434-454/1043-1062)

کان حاکماً في البدایة علی الرحبة، وعندما سمع نبأموت الدزبري، توجّه إلی حلب واستطاع السیطرة علیها بمساعدة الأهالي ماعدا قلعة حلب التي بقیت بأیدي أنصار الدِزبَري حتی انتزعها ثمال أیضاً وحکم ثمال حلب في الفترة بین 434-440/1043-1048، دون حادثة تذکر. وفي السنة الأخیرة أرسلتالدولة الفاطمیة في مصر جیشاً لقتاله، ذلک أن تأییدالدولة الفاطمیة في مصر لحکمه کان یتوقّف علی إرسال جمیع الأموال الموجودة في قلعة حلب إلی المستنصر الفاطمي، ولکن ثمال کان قد ماطل في القیام بهذا العمل واقتصر علی إرسال بعض هذه الأموال. وأخیراً، وبعد عدة معارک، أرسل ثمال هدایا إلی الخلیقة الفاطمي في 447/1055، طالباً الصلح وأصدر المستنصر مرسوماً یعلن فیه ولایة ثمال علی حلب وأطرافها، وبذلک سنحت الفرصة لمعزالدولة بإعمار حلب واستمالة قلوب الأهالي إلیه مطمئن البال. وفي 449/1057 نشب خلاف بینه و بین بنی کلاب، فقام بتسلیم حلب إلی مبعوثي‌الدولة الفاطمیة – الذین کان علی رأسهم الحسن بن علي الملقب بمکین‌الدولة – ونال إزاءها ولایة مناطق عکّا و بیروت وجُبَیل. وذهب معزالدولة بعد تسلیمه حلب إلی مصر واستقبل بحفاوة.

و هکذا عادت حلب ثانیة إلی سیطرة الفاطمیین، وبقیت في الفترة 449-452/1057-1060 في أیدی ولاتهم. واستطاع رشیدالدولة محمود بن شبل‌الدولة في السنة الأخیرة أن ینتزع حلب من الفاطمیین بمساعدة أهالیها. فاستنجدت‌الدولة الفاطمیة بمعزالدولة، فتوجّه إلی حلب عام 453/1061 بجیش أمدتّه به حکومة مصر، وسیطر علیها للمرّة الثانیة. واضطر رشیدالدولة محمود إلی مغادرة حلب والّذهاب إلی حران. وبعد فتح حلب، توجّه معزّالدولة إلی جهاد الروم وحصل علی بعض الفنائم؛ وتوفيّ بعد عودته في 454/1062، وکان قد أوصی أن یخلفه أخوه عطیة. وکان ثمال رجلاً کریماً صبوراً عاش أهالي حلب في ظلّ حکمه حیاةً هادئة نسبیاً.

4. أبوذؤابة عطیة بن صالح بن مرداس (حکم: 454/1062)

کان حاکماً علی الرحبة أیام أخیه، ثم قدم إلی حلب بعد وفاته. غیر أن ابن أخیه رشید‌الدولة محمود بن نصر لم یعترف بحکمه، فاتّفق شیوخ القبائل العربیة مع محمود الذي بدأ هجماته علی ضواحي حلب. في هذه الأثناء حدث صدام في داخل مدینة حلب بین أهالیها وبین الأتراک المقیمین فیها، فتوجّه زعماء الأتراک إلی محمود في حرّان وساعدوه في الهجوم علی حلب. وبعد عدة معارک شعر عطیّة أن قواته عاجزة عن حمایة المدینة، فتصالح مع محمود، وبذلک استولی علیها في أواخر 454/1062. وبعد هذه الحادثة توجّه عطیّة إلی الرقّة وحکم فیها حتی عام 463/1071، حیث هاجمه في تلک السنة شرف‌الدولة مسلم بن قریش من قبیلة بني عقیل، واضطر عطیة التوجه إلی الروم و توفيّ في 465/1073 بالقسطنطینیة.

5. رشیدالدولة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس (حکم: 454/467/1062-1075)

سیطر علی حلب بعد إلحاقه الهزیمة ثانیة بعطیّة (المرة الألی کانت في 452/1060، حیث انتزع حلب فیها من أیدی الفاطمیین، غیر أنه هزم بسرعة أمام معزالدولة ثمال). وانتزع رشیدالدولة في 460/1068 مدینة ارتاح من‌الدولة البیزنطیة، ولکنه تعرّض بعد مدة إلی هجمات القوات السلجوقیة. وفي هذه الفترة ازدادت قوة الخلفاء العباسیین في ظل السلاجقة، فتشاور محمود مع کبار رجال حلب وأقنعهم بضرورة الاتفاق مع العباسیین حفاظاً علی أرواح الناس، ولذلک قرأ الخطبة باسم الخلیفة العباسي والملک السلجوقي (463/1071). وحکم محمود حتی وفاته في ذي‌الحجة 467/ تموز 1075. کان في بدایة حکمه رجلاً هادئاً لیّن الطبع وشریفاً نزیها، غیر أنه تغیّر فیما بعد واهتم بجمع الأموال.

6. جلال‌الدولة نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس (حکم: 467-468/1075-1076)

کان ینتسب من جهة الأم الی عضدالدولة الدیلمي. انتخبه رجال البلاط حاکماً بعد وفاة والده. وانتزع مدینة مَنبَج من‌الدولة البیزنطیة، ولکنه راح ضحیة فتنة القوات الترکیة وقتل في 468/1076. وکان نصر بن محمود رجلاً حسن السیرة کریماً محبا للأدب، وورد اسم ابن حیّوس في زمرة شعراء بلاطه المعروفین.

7. أبوالفضائل سابق بن محمودبن نصر بن صالح بن مرداس (حکم: 468-472/1076-1079)

تولّی الحکم بعد أخیه، وکان رجلاً ضعیفاً في السیاسة، فمالت قوة آل مرداس في عهده إلی الضعف تدریجیاً، لما کان یحدث من صراع بین الجنود الأتراک المرتزقة و بین العرب من بني کلاب؛ ولهذا بدأ السلاجقة یفکّرون في السیطرة الکاملة علی حلب. وقد استمر ححکم سابق حتی عام 472/1079. ففي هذه الفترة سیطر شرف‌الدولة مسلم بن قریش العقیلي، أمیر الموصل، علی حلب وحاصر سابق في قلعتها. وفي أوائل عام 473/1080 سقطت قلعة حلب، وانقرضت معها حکومة آل مرداس. وتولّی أعقاب هذه العائلة الحکم علی بعض المدن الصغیرة.

المصادر

ابن الأثیر، عزّالدین، الکامل، بیروت، 1402هـ، 9/210، 211، 227-234، 549، 10/11، 12، 63، 64، 100، 101؛ ابن الجوزي، عبدالرحمن، المنتظم، حیدرآباد، 1359هـ، 8/40، 300؛ ابن خلدون، العبر، بیروت، 1968م، 4/580-588؛ ابن خلّکان، وفیات الأعیان، تقـ إحسان عباس، بیروت، 1398هـ، 2/487، 488؛ ابن العدیم، عمربن أحمد، زبدة الحلب، تقـ سامي الدّهان، دمشق، 1970م، 1/201-234، 237-252، 255-288، 291-297، 2/373-406، 409-413، 417-434؛ أبوالفداء، إسماعیل بن محمد، المختصر في أخبار البشر، بیروت، 2/140-143؛ باسورث، کلیفورد ادموند، سلسله‌هاي اسلامي، تجـ فریدون بدره‌اي، تهران، 1349ش، ص 98؛ زامباور، نسب‌نامۀ خلفا و شهریاران، تجـ محمدجواد مشکور، تهران، 1356ش، ص 51، 52، 204، 205؛ الزرکلي، خیرالدین، الأعلام، بیروت، 1984م، 2/85، 3/111، 282، 5/33، 8/66، 342، 350؛ سلیمان، أحمد سعید، تاریخ الدول الاسلامیة، مصر، 1969، 1/246، 247؛ لین پول، استانلي، طبقات سلاطین اسلام، تجـ عباس إقبال، تهران، 1363ش، ص 103-105.

صمد موحد