الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الآکل و المأکول /

فهرس الموضوعات

الآکل و المأکول

الآکل و المأکول

تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/22 ۱۹:۱۵:۵۷ تاریخ تألیف المقالة

الآکل والمأکول، شبهة معروفة و قدیمة في باب المعاد الجسماني تحدّث عنها کثیر من المتکلمین. و المعاد و الحیاة بعد الموت إحدی الاصول الاعتقادیة عندالمسلمین لایقل البحث حولها عن البحث حول التوحید، و کما أن منکري المبدأ أنکروا المعاد، فإن بعض المعتقدین بالمبدأ أبدوا شکوکهم أیضاً بالبعث والنشور (لاسیما المعاد الجسماني)، فمالوا إلی المغالة و التشکیک. وإذا کان التعقید والصعوبة عاملین في بحث مسألة المعاد و دراستها فإن هناک عوامل أخری یج بألایغض النظر عنها. وأشیر إلی أحدها في القرآن الکریم حیث نری: أن الاعتقاد بیوم القیامة و نیل الثواب و العقاب هو أساس ظهور الالتزام بالمسئولیة و قبولها، وهذا یتطلب من الانسان الکف عن اتباع الشهوات وارتکاب الآثام، ولذلک فإن الشهوانیین الذین یمیلون إلی اتباع الشهوات یرون في إنکار المعاد عاملاً أساسیاً لتبریر آثامهم، والانغماس في شهواتهم وهوالمعنی الذي نستوحیه من الآیات التالیة: «أیحسب الانسان ألّن نجمع عظامه. بلی قادرین علی أن نسوي بنانه. بل یرید الانسان لیفجر أمامه، یسأل أیّان یوم القیامة» (القیامة/ 75/3-6). وبناء علی هذا یمکن القول: إن الدافع إلی إنکار المعاد لیس شبهة علمیة فحسب بل إن الفرار من قبول المسئولیة، واتباع الشهوات النفسیة عامل أساسي في هذا الخصوص أیضاً. وأشهر شبهات باب المعاد شبهة «الآکل والمأکول» ولایعرف تاریخ بدء هذه الشبهة علی وجه التحدید ولااسم أول من أوردها، ولکن لاشک بقدمها فقد وردت هذه الشبهة منذ أوائل ظهور الجدل الکلامي والفلسفي بین المفکرین المسلمین، فذکرت أولاً باختصار في آثار أبي اسحق ابراهیم بن اسحق بن أبي سهل النوبختي (القرن 4ھ/10م)، وأبي علي الحسین بن عبدالله بن سینا (تـ 428ھ/1037م) ثم في کتب علماء آخرین کمحمدبن الحسن الطوسي (تـ 460ھ/1068م) ومحمدبن محمد الغزالي (تـ 505ھ/1111م) وفخرالدین الرازي (تـ 606ھ/1209م) ونصیرالدین الطوسي (تـ 672ھ/1274م) والحسن بن یوسف الحلي (تـ 726ھ/1326م) والقاضي عضدالدین الایجي (تـ 756ھ/1355م) وسعدالدین التفتازاني (تـ 798ھ/1396م). ثم تشعبت طریقة العرض وطرق الحل المقترحة والحجج المطروحة حتی ظهرت أخیراً بحوث وافیة حولها في آثار المتأخرین أمثال المقداد بن عبدالله الحلي (تـ 826ھ/1423م و صدرالدین الشیرازي (1050ھ/1640م) وإسماعیل الطبري النوري و غیرهم.

وخلاصة الشبهة أنه: إذا صار إنسان معین غذاء لانسان آخر فالاجزاء المأکولة إما أن تعاد یوم القیامة في بدن الآکل أو في بدن المأکول، وأیاً ماکان فلن یعاد بدن أحدهما بتمامه. وإذا کان الآکل کافراً والمأکول مؤمناً فإنَ الشبهة تصبح أقوی وتزداد المشکلة، ذلک أن هذا الافتراض یلزم إما أن یکون المؤمن المطیع معذباً أو الکافر العاصي منعّماً. وقداعتبر الحاج الملاهادي السبزواري شبهة الآکل والمأکول معقدة حینما تحدث عن المعاد الجسماني قائلاً: «لوأکل إنسان إنساناً فالاجزاء المأکولة تعاد في بدن الآکل أو في بدن المأکول. و أیّاً ما کان لایکون أحدهما بعینه مُعاداً بتمامه. وأیضاً إذا کان الآکل کافراً والمأکول مؤمناً یلزم إما تعذیب المطیع أو تنعیم العاصي (ص 354). وبتقریر أکثر تفصیلاً عن الشبهة وردت هکذا: القول بالمعاد الجسماني یستلزم أمراً محالاً. والشيء الذي یستلزم أمراً محالاً هو نفسه محال أیضاً. وبیان ملارمة هذا أنه إذا أصبحت جمیع أجزاء بدن إنسان غذاء لانسان آخر، فاننا نواجه في مسألة معاده أحد خمسة فروض: 1. تعود أجزاء کل من الأکل والمأکول یوم القیامة بشکل مستقل و منفرد؛ 2. إن الذي سیعد أجزاء بدن الآکل وحده لاالمأکول؛ 3. تعود أجزاء بدن المأکول لاالآکل؛ 4. ستحشر أجزاء الآکل والمأ:ول في بدن واحد؛ 5. لاتحشر أجزاء بدن الآکل ولاأجزاء بدن المأکول. والفروض الأربعة الأولی محالة عقلیاً. والفرض الخامس یستلزم نفي المعاد الجسماني. وبناء علی ذلک فإن المعاد الجسماني محال أومنفي، و شرحه کمایلي: الفرض الأول یستلزم أن یکون جزء واحد مشخص و معین جزءاً لشخصین مختلفین في وقت واحد. وهذا لاشک في بطلانه وفي الفرض الثاني والثالث علاوة علی أننا نواجه محذور الترجیح بلامرجح فانهما یبطلان عودة جمیع أفراد البشر في یوم القیامة. والفرض الرابع یلزم اجتماع نفسین في بدن واحد و هذا باطل بالضرورة أیضاً. والفرض الخامس یستلزم نفي المعاد. والمنکرون للمعاد الجسماني یجدون مرادهم في هذا الفرض. والآن إذا افترض أن الآکل کافرر والمأکول مؤمن، فعلاوة علی المحادیر المذکورة في الفرض الرابع، نواجه هنا إشکالاً آخر و هو أن بدناً واحداً یکون معذباً و منعّماً في آنٍ واحد.

و هنا یجب الانتباه إلی أن هذه الشبهة لاتختص بأن یأکل إنسان إنساناً آخر مباشرة ولکن یمک توجیه هذا الفرض بشکل أوسع بکثیر. فمعا لاشک فیه أن الانسان یبدّل بتراب بعد الموت. و من المسلّم به أن البدن الذي صار تراباً ستمتصه جذور النباتات عندئذ ویتناولها الانسان والحیوانات الأخری علی شکل ثمار أو منتوجات زراعیة. وبما أن الانسان یتغذی بالمنتجات الزراعیة أو تتناولها الحیوانات ثم تصبح لحومها جزءاً من بدن الانسان عن طریق التغذیة فإن شبهة الآکل والمأکول تطرح ثانیة.

وقد أجاب المتکلمون المسلمون عن هذه الشبهة بطرق مختلفة، أشهرها ذلک الذي، بنی فیه المتکلمون حدیثهم علی أصل مسلّم به، و هو أن الانسار من حیث الأجزاء یتکون من نوعین هما: 1. الأجزاء الأصلیة؛ 2. الأجزاء الفرعیة والفاضلة. والأجزاء الأصلیة عبارة عما یتعلق به واقع الانسان وحقیقته. ونظراً لاصالة هذه الأجزاء فإنها إذا صارت أحیاناً غذاء لانسان آخر لایمکن أن تصیر جزءاً من بدنه أر بصورة أجزاء أصلیة منه. فالأجزاء الفاضلة أو غیر الأصلیة، هي أجزاء لاتتعلق بها حقیقة الانسان  تقبل التغییر والتحول دائماً. وعلی هذا إذا أصبح انسان غذاء لانسان آخر، فالذي یصیر من أجزاء المأکول بالتدریج جزءاً من بدن الآکل هو الأجزاء الفاضلة أو غیر الأصلیة فقط، لأنه کما قیل، الأجزاء الأصلیة لاتقبل التغییر والتحول. والذي یحشر في یوم القیامة هو الانسان الذي یتکون من أجزاء أصلیة. وبالرغم من أن کثیراً من المتکلمین قبلوا هذا الرد وورد في آثارهم إلا أن اعتماده علی دصل مفروض فإن أي شک في ذلک الدصل یمکن أن یجعل هذا الرد ضعیفاً معرّضاً للشک. والشیخ أحمد الأحسائي الذي أورد شبهة الآکل والمأکول أجاب عن هذا السؤال واستفاد ببیانه الخاص من نفس فرض ثنائیة أجزاء بدن الانسان هذه (الأجزاء الأصلیة والفاضلة). فهم یعتقد بأن جسدالانسان الأنسان الأصلي خلق من عناصر هَوَرقِلیا (الذي یسمّونه عالم البرزخ أیضاً)، ثم هبطت الی العالم المادي. ولما أنزل إلی هذا العالم لحقته سلسلة أعراض، فصار ثقیلاً و محجوباً. ولذلک حینما یتغذی إنسان بانسان آخر فإن الذي یصبح جزءاً من بدن الآکل عن طریق التغذیة هو العوارض اللاحقة التي عرضت لجسد الانسان في هذا العالم. والأجزاء الأصلیة في بدن الانسان والمتعلقة بعالم الهَوَرقِلیا لایمکن أن تؤثربها معدة أحد أوجهازه الهضمي. کما لایمکن أن تصیر جزءاً من بدن الآکل و هذا الجسد الأصلي بشکل لاتحترق ذرة من ذراته لو ألقي في النار الحارقة لهذا العالم ألف مرة. والذي یلاحظ أن رد الاحسائي علی شبهة الآکل والمأکول لاتتفق مع عقیدة المعاد الجسماني کما وردت في القرآن الکریم و الروایات المتواترة، ذلک أن الذي جاء في هذا الرد یرتبط بنوع من الجسد یطلق علیه اسم الجسد الهور قلیائي بینما عنوان جسم و جسماني ینطبق علی البدن العنصري فقط (النوري، 32/228). وقد استعرض و بحث مؤسس الفلسفة المتعالیة صدر المتألهین الشیرازي أیضاً شبهة الآکل والمأکول وأجاب عنها علی أساس أصوله و مبانیه. فهو یعتقد بأن الله تعالی یسّر له الفهم الصحیح والادراک القویم لمسألة المعاد. ولایری أن أحداً من أتباع المدرسة المشائیة والمتأخرین – في حدود علمه – استطاع أن یدرک حقیقتها، کما یری أیضاً أنه لم یستطع أحد إثبات المعاد الجسماني بطریقة البحث والبرهان. فصدر المتألهین یعتقد بـ «أن المُعاد في المعاد هو بعینه بدن الانسان المشخص الذي مات بأجزائها بعینها لامثله بحیث لورآه أحد یقول إنه بعینه فلان الذي کان في الدنیا» (المبدأ والمعاد، 376). والحجة علی هذا الادعاء أن ملاک حقیقة و تشخص الانسان هو نفسه الناطقة والبدن الذي هو بدن منهذه الناحیة، لایمکن تشخّصه إلابالنفس. وبعبارة أخری، علاوط علی تعلق النفس بالبدن، فلیس للبدن ذات و حقیقة، ولیس له تعین خاص، فحینما یؤکل الانسان تصیر أجزاء بدنه جزءاً من بدن وحش أو إنسان آخر عن طریق التغذیة لاتتغیر شخصیته الانسانیة و یحشر في المعاد بالبدن المشخص والمعین بنفسه الناطقة بالرغم من أن أجزاءه تغیرت و تحولت. وقد لجأصدر المتألهین لاثبات هذا اَلادعاء إلی سلسلة من الأصول، لکل منها أهمیة کبیرة في فلسفته حیث وصل عدد هذه الأصول التي استعملت بعنوان مقدمات لاثبات المعاد الجسماني إلی أحد عشر أصلاً في بعض آثاره. ولکن مقدمات المعاد الجسماني قَلَّت في المبدأ والمعاد الذي ألفه بعد الأسفار وأورد فیه خلاصة مواضیعة إلی سبعة أصول. و بحثت شبهة الأکل والمأکول علی أساس هذه الأصول السبعة التي لخصها وأوردها صدر المتدلهین نفسه ببیانه و هي:

1. «إن تحصل کل ماهیة ترکیبیة نوعیة إنما یکون بفصله الأخیر، وباقي فصوله البعیدة و أجناسه، إنما هي شرائط و أسباب خارجة لوجود ذلک النوع، و إنما دخولها في الحد بما هو حد دون المحدود، لأن الحد هو مجموع مفهومات عقلیة صادقة علی نفس ذات الشيء، و المحدود هو نحو وجوده و حقیقته … و کثیراً مایکون في الحد ترکیب و زیادة لایکون هو في المحدود … [و یمثل له] بالقوس فإنها یدخل في حدها الدائرة لا في ذاتها و إن کان الحدعین المحدود بحسب الذات» (المبدأ والمعاد، 383). و هذا هو نفس الذي یقال عنه في اصطلاح الحکماه زیادة الحد علی المحدود، و بناء علی ذلک یمکن القول: «کل مرکب طبیعي یکون له صورة طبیعیة إنما یکون تحصله و وجوده بنفس صورته المنوعة، و المادة إنما یحتاج إلیها لأجل قصور الوجود عن الاستقلال و التفرد عن العوارض اللاحقة التي زوالها یوجب عدم الشيء الطبیعي» (م. ن). و علی هذا، إذا کان بالامکان أن یتحقق وجود شکل شيء مجرد من المادة في هذا العالم فإنه لایصیب هویته أي تغیر. ذلک أن المادة بما هي مادة مستهلکة و نسبتها إلی ذلک کنسبة النقص إلی التمام والضعف إلی القوة.

2. المعتبر في تشخص الانسان هو وحدة نفسه الباقیة عند تبدل أعضائه من الطفولة إلی الشباب والشیب. فما دامت النفس باقیة یکون الانسان باقیاً، وإن تبدلت الأعضاء جمعیاً (م. ن، 384) و علی ذلک ما دامت النفس باقیة فالانسان باق أیضاً حتی ولو تغیرت و تحولت أعصاؤه و جوارحه. إذن یمکن القول: «کما أن تشخص الانسان بنفسه التي هي صورة ذاته، فکذلک تشخص بدنه أیضاً و تشخصات أعضائه بالنفس الساریة قواها فیها. فالید والرجل و سائر الأعضاء مادامت یسري فیها قوة نفس متعینة یکون یداً و رجلاً و أعضاءاً لها، وإن تبدلت علیها الخصوصیات من المواد، فلافرق حینئذٍ بین الأعضاء التي یتصرف فیها في الیقظة و بین الأعضاء التي یتصرف فیها في النوم. و کذا لافرق بین الأعضاء التي یکون لها في الدنیا و التي لها في الآخرة في کونها واحدة شخصیته بوحدة النفس و شخصیتها … أَوَ لاتری أن النبي (ص) شخص واحد بلاتعدد و مع هذا کل من یراه في المنام فقد یری شخصه و ذاته لأن الشیطان لایتمثل به، و ربما وقع أن یراه في لیلة واحدة في بلد واحد ألف رجل و امرأة مع أن جسده العنصري مدفون في روضة المدینة لم یتحرک من موضعه، و ذلک لأن حقیقته المقدسة لیست إلا نفسه الشریفة مع بدن کان. فکل من رأی نفسه المقدسة مع أي تمثّل کان، فقد رآه…. و قوله تعالی في حق الکفار المعذبین بالنار «کلما نَصِجت جلودهم بدلناهم جلوداً غیرها (النساء، 4/56) یؤید ماذکرنا: والبدن بمنزلة الآلة المطلقة للانسان، و الآلة من حیث هي آلة إنما یتعین بذي الآلة. و کذا المادة وجودها بحسب نفسها یکون في غایة الابهام» (م.ن، 384-385).

3. «إن تشخیص کل شيء عبارة عن نحو وجوده الخاص به مجرداً کان أو مادیاً. ویستفاد من مؤلفات الحکماء، و صرح به المعلم الثاني وغیره من العظماء و ما اشتهرم کون العوارض المادیة مشخصات إنما هو بمعنی آخر، و هو أن کل شخص مادي یلزمه مادام وجوده في مادته کمیة ما و کیفیة ما و وضع ما و أین‌ما، کل منها من حد خاص إلی حد خاص، لو تجاوز شيء من تلک الأعراض و خرج عن الحدین المخصوص له انعدم ذلک الشخص و ذلک لاحتیاجه في نحو وجوده المادي إلی تلک الأعراض علی الوجه المذکور، فتلک الأعراض التي من لوازم وجوده و علامات شخصیته یقال لها الأعراض المشخصة بهذا المعنی، ولیس لأحد أن یتصور بقاء الشخص بدون تلک الأعراض، بل یمکن تصور ذلک بوجه ما إذا فرض أن یتقوی وجوده بحیث یستعني بعلته الفیاضة عن المقارنات الحسیة و الأعراض الجسمیة، کما في النفوس الانسانیة عند تحردها و استقلالها» (م. ن، 386).

4. «إن الوحدة الشخصیة في کل شيء لیست علی و تیرة واحدة ودرجة واحدة، فإن الوحدة الشخصیة في الجواهر المجردة حکمها غیر الوحدة الشخصیة في الجواهر المادیة، فإن في الجسم الواحد الشخصي یستحیل أن یجتمع أوصاف متضادة و أعراض متقابلة من السواد والبیاض و السعادة و الشقاوة و اللذة و الألم و العلو و السفل و الدنیا والآخرة، و ذلک لضیق حوصلة ذاته و قصر ردائه الوجودي عن الجمع بین الأمور المتخالفة، بخلاف وجود الجوهر النطقي من الانسان فإنها مع وحدتها الشخصیة جامعة للتجسم والتجرد، و حاصرة للسعادة والشقاوة فإنها قد یکون في وقت واحد في أعلی علیین و ذلک عند تصور أمر قدسي وقد یکون في أسفل سافلین و ذلک عند تصور أمر شهوي، وقد یکون ملکاً مقرباً باعتبار، و شیطاناً مریداً باعتبار، وذلک لأن إدراک کل شيء هو بأن ینال حقیقة ذلک الشيء المُدرَک بما هو مُدرَک بل بالاتحاد معه.» (م. ن، 386-387).

5. «إن الصور والمقادیر والأشکال والهیئات کما یحصل من القابل بالجهات القابلیة علی سبیل الاستعداد والحرکات و الانفعالات، کذلک قد یحصل من الجهات الفاعلیة والحیثیات الادراکیة من غیر مشارکة مادة عنصریة. ووجود الأفلاک و الکواکب من المبادئ الفعالة من هذا القبیل حیث وحدت منها علی سبیل الابداع من محض تصورات المبادئ کیفیة وجودها بلامشارکة المواد، إذ لامادة قبل وجودها. [فخلقها حاصل من إبداع الشکل و تصورات المبادئ العالیة] و من هذا القبیل الصور الخیالیة الصادرظ عن النفس بقوتها الخیالیة من الأشکال العظام و الأجسام التي هي أعظم من الأفلاک الکلیة بکثیر… فإنها لیست قائمة بالجرم الدماغي و لا موجودة في القوة الخیالیة کما برهن علیه، بل في عالم النفس و صقع منها خارج عن أجسام هذا العالم الهیولاني.» (م. ن، 388).

6. «إن الله تعالی قد خلق النفس الانسانیة بحیث یکون لها اقتدار علی إبداع الصور الباطنیة الغایبة عن الحواس. وکل صورة صادرة عن الفاعل فلها حصول له، بل حصولها في نفسه هو عین حصولها لفاعلها، و لیس من شرط حصو لشيء لشيء أن یکون حالاً فیه وصفاً له، بل ربّما یکون الشيء حاصلاً لشيء من دون قیامه به بنحو الحلول و الانصاف، کما أن صور جمیع الموجودات حاصلة للباري تعالی حصولاً أشد من حصولها لنفسها و لقابلها – کما علمت في مباحث العلم. إن قیام الصورة بالباري لیس قیاما حلولیا ناعتیاً، وکل صورة حاصلة لموجود مجرد عن المادة بأي نحو کان، فهي مناط عالمیة ذلک المجرد بها فللنفس الانسانیة في ذاتها عالم خاص بها من الجواهر و الأعراض المفارقة و المادیة والأفلاک المتحرکة و الساکنة و العناصر والمرکبات، و سایر الخلایق یشاهدها بنفس حصولاتها لها لابحصولات أخری، و إلا یتسلسل، فعلمه بها بعینه قدرتها علیه، و ذلک لأن الباري تعالی خلّاق الموجودات المبدعة و الکاینة، و خلق النفس الانسانیة مثالاً لذاته و صفاته و أفعاله، فإنه منزه عن المثل و الشبه لاعن المثال، فخلق النفس مثلاً له ذاتاً و صفاتاً و أفعالاً لیکون معرفتها مرقاة لمعرفته» (م. ن، 390-391).

7. «إن المادة التي لابد منها في وجود الحوادث و حدوثها و لابد للحرکات و التغیرات و الانتقالات الخیالیّة عن تحققها و ثبوتها لیست حقیقتها إلاقوة الشيء وإمکانه الاستعدادي و منبعها الامکان الذاتي، ولهذا حصلت من المبادئ العقلیة من جهة إمکاناتها، و منشأ الامکان ذاتباً کان أو استعدادیاً هو نقص الوجود و قصور التجوهر بحسب مرتبة الماهیة أو بحسب الواقع. فما دام الشيء له قصور في ذاته و نقص في جوهره، فله نسبة إلی القوة و یحدث منه المتجددات و یباشر الحرکات والتحریکات ویزاولها، فکما أن العقول تنقسم في مذهب الاشراقیین إلی قسمین؛ القسم الأول و هو ما لایصدر منها الأجسام و هي العقول الواقعة في سلسلة الطول و یسمی عندهم بالأعلون و ذلک لعلوهم و غایة شرفهم حیث لایقع من جهاتهم الفعالة إلا عقول أخری. والقسم الثاني (العقول الواقعة في سلسلة العرض …) و هي أدون منزلة من القواهر الطولیة و یسمی بأرباب الأنواع و لقلة شرفها و ظهور إمکاناتها یصدر عنها الأجسام. وبالنظر إلی ماورد عن العقول، فکذلک النفوس علی ضربین: منها ما یتعلق بالأبدان المستحیلة الکاینة و ینفعل عن هیئاتها و عوارضها المادیة لکونها بالقوة لایمکن أن یستکفی بذاتها ومنها ما لایتعلق بالأبدان المستحیلة المادیة بل الأبدان تنشأ منها … فهذا القسم من النفوس تجردت عن الحس دون الخیال، ولو تجردت عن الخیال أیضاً لکانت عقولاً صرفة. فالنفس عند تفردها عن البدن العنصري (سواء بالنوم أو بالموت) یصحبها القوة الخیالیة و یلزمها البدن الناشئ عن النفس القاهرة» (م. ن، 393-394).

 

المصادر

ابن سینا، الحسین بن عبدالله، رسالة أضحویة، تقـ : سلیمان دنیا، القاهرة، دارالفکر العربي، 1368ھ/1949م، ص 55، 56؛ الأحسائي، أحمد، شرح العرشیة، 1287هـ، ص 208؛ الایجي، عضوالدین، المواقف، بیروت، عالم الکتب، ص 372-374؛ التفتازاني، سعدالدین، شرح المقاصد، استانبول، 1305هـ، ص 213-218؛ السبزواري، الحاج ملاهادي، أسرار الحکم، تهران، 1286هـ، ص 354؛ السیوري، مقداد بن عبدالله، ارشاد الطالبین، تقـ : محمود المرعشي، قم، مکتبة آیة الله المرعشي، 1405هـ، ص 406-410؛ صدرالدین الشیرازي، محمد بن ابراهیم، المبدأ و المعاد، تقـ : جلال‌الدین آشتیاني، تهران، أنجمن فلسفۀ ایران، 1354ش، ص 376، 382-396؛ الطوسي، محمد بن الحسن، تمهید الأصول، تجـ : عبدالمحسن مشکوة‌الدیني، تهران، أنجمن حکمت و فلسفۀ ایران، 1358ش، ص 396-397؛ العلامة الحلي، الحسن بن یوسف، سرح تجرید الاعتقاد، تقـ : ابراهیم الموسوي الزنجاني، بیروت، مؤسسة الأعلمي، 1399 هـ، ص 432؛ الغزالي، محمد، تهافت الفلاسفة، تقـ : موریس بویج، بیروت، المطبعة الکاثولیکیة، 1927م، ص 356-362؛ الفخر الرازي، محمد بن عمر، البراهین، تقـ : محمدباقر السبزواري، دانشگاه تهران، 1341ش، ص 309-315؛ نصیرالدین الطوسي، محمد بن محمد، تلخیص المحصل، بیروت، دارالأضواء، 1405هـ، ص 394-395؛ النوبختي، ابراهیم، الیاقوت، شرح الحسن بن یوسف الحلي، تقـ : محمد نجمي زنجاني، دانشگاه تهران، 1338ش، ص 191-192؛ النوري، اسماعیل بن أحمد، کفایة الموحدین، 3/226-228.

غلام‌حسین ابراهیمي‌دیناني

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: