الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / آداب المناظرة /

فهرس الموضوعات

آداب المناظرة

آداب المناظرة

المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/3 ۱۰:۲۳:۴۲ تاریخ تألیف المقالة

آداب المناظرة، وهي مجموعة من القواعد التي ینبغي مراعاتها عند البحث و المناظرة الفلسفیة و العلمیة و الدینیة و العقائدیة. و البحث في اصطلاح علماء المسلمین یعني «اثبات الحکم إیجابیاً أو سلبیاً». و المقصود بالمناظرة إیراد الخصمین وجهتي نظر هما في حکم أو مسألة کي یتصح الصواب. (مشکوة، 27). و قد استعمل أحیاناً اصطلاح آداب البحث بدلاً من اصطلاح آداب المناظرة، و قیل في تعریف هذا الاصطلاح إنه «صناعة نظریة یستفید منها الانسان کیفیة المناظرة و شرائطها صیانة له عن الخبط في البحث و إلزاماً للخصم و إفحامه» (الجرجاني، 10). و الهدف الأصلی من المناظرة هو حلّ المشکلة و الکشف عن الحقیقة عن طریق الحوار بین المُناظِرَین و مساعدة الواحد للآخر. أو کما یقول الخواجه نصیرالدین الطوسي: «فالمناظرة تتم بین طرفین یحملان رأیین متعارضین یلتزم کل منهما الافصاح عن رأیه شریطة أن یدعن الاثنان للحق بعد اتضاح الأمر، و المباحثة هي اکتشاف الشيء الغامض عن طریق التعاون بین المتباحثین» (أساس الاقتباس، 448). و قد اعتمد الخواجة في ما أورده علی ابن‌سینا الذي یقول «ان المناظرة اشتُقَّت من النظر، فالغرض فیها المباحثة عن الرأیین المتقابلین المتکفلین؛ أعني یتکفل کلّ واحد منهما أحد المتخالطبین لیبین لکلیهما المحق منهما، فیساعده الثاني علیه. فهذان أیضاً غرضهما لیس إلّا حصول العلم، فلا ینتفعان بالذات إلّا بما یوقع العلم و یفیده» (ص 15 16).

و کما یبدو من کلام ابن‌سینا، إن هدف المناظرة لیس المشاجرة أو المجادلة أو التحقیر أو خداع الشخص المناظر، لأن في المناظرة یتخاطب اثنان یعتقدان برأیین متعارضین دون أن یقصد أحدهما خداع الآخر، بل الهدف الأصلي لهما هو اکتشاف الحقیقة و الوصول الیها، وعند ماتظهر أحقّیة مقولة أحد المتناظرین یقبلها الطرف الاخر (م.ن، 16 17). و یوضح الخواجه نصیرالدین هذه النقطة بقوله إن المناظرة و المباحثة لیس المغالطة و العناد ولایمکن اعتبارهما متساویین ذلک لان «المعاند یقصد إظهار نقائص المخاطب و تفخیمها و یقصد المُقالِط التمویة و اللَّبس علی المخاطب» (أساس الاقتباس، 448).

لقد ظهر فن المناظرة بین المسلمین بعد تطور عِلمَي الکلام و الفقه و توسُعهما و کان لابد للفقهاء و المتکلمین من الاستدلال لاثبات آرائهم و عقائدهم. و لهذا فانهم دونوا شیئاً فشیئاً آداب البحث و المناظرة و ذلک بالاستفادة من منطق أرسطو. و یتحدّث ابن‌خلدون عن السبب في ایجاد هذا الفن قائلاً: «و أما الجدال و هو معرفة آداب المناظرة التي تجري بین أهل المذاهب الفقهیة وغیرهم فانه لما کان باب المناظرة في الرّد و القبول متَّسعاً و کلّ واحدٍ من المتناظرین في الاستدلال و الجواب یُرسِلُ عنانه في الاحتجاج و منه ما یکون صواباً ومنه مایکون خطأ، فاحتاج الأئمة الی أن یضعوا آداباً و أحکاماً یقف المتناظران عند حدودها في الرد و القبول و کیف یکون حال المُستدِل و المجیب و حیث یَسوغ له أن یکون مُستدلّا و کیف یکون مخصوصاً منقطعاً و مَحَلُّ اعتراضه أو مُعارضته و أین یجب علیه السکوت و لخصمه الکلام والاستدلال» (المقدمة، 2/931). و کما أشرنا فان کلام ابن خلدون ینصبّ علی أسباب ظهور هذا الفن بین المسلمین. أما في تاریخ الفلسفة فالمناظرة – في معناها الصحیح و الدقیق – تعني نفس الطریقة الجدلیة السقراطیة المعروفة التي وصلت إلی ذروتها في کتابات أفلاطون. و قام أرسطو بعد ذلک بتدوین هذا الفن و بالتالي ظهرت رسالة توپیکا أو طوبیقا و تعني «المواضع» الی الوجود، و یقول الخواجه نصیرالدین: إن المعلم الأول أطلق علی الکتاب الذي یشتمل علی هذا الفن، عنوان کتاب المّواضِع و هذا هو معنی کلمة طوبیقا حیث إن معظم الکتاب یتناول ذکر المواضع» (أساس الاقتباس، 451). و هذا البحث هو نفسه الذي یُسمّیٰ بفن الجدل في أکثر الکتب المنطقیة، تقلیداً لما الصطلح علیه ابن‌سینا.

و النقطة الأخریٰ هي أن المؤلِّفین و الکُتّاب المسلمین کانوا یتحدثون عادة عن الجدل و المناظرة کموضوعین مرتبطین بعضهما ببعض، و نجدهم في بعض الأحیان یشیرون الی آداب المناظرة في ختام کتب الجدل. و قد نهج‌الخواجه نصیرالدین الطوسي نفس هذا الأسلوب في کتابیه الجوهر النّضید و أساس الاقتباس، و مع کل ذلک هناک اختلاف دقیق بین الجدل و المناظرة أشار الیه الخواجه نصیر‌الدین بقوله: «لمّا کان القصد من الجدال إلزام الغیر فانه یشتمل علی النزاع لامحالة و یحتاج الجدل في معظم الأحیان الی استعمال نوع من العناد و الاحتیال» (الأساس، 447). و إذا لم یقم الجدل و المناظرة علیٰ أساس منطقي لایفي بالغرض المنشود و علی هذا الأساس اعتبر العلماء فن المناظرة من فروع علم المنطق و کتبوا الرسائل حول قواعده «ولأن المتعلم قد یهفو في طریق الجدل و المناظرة فلابدَّله من الوقوف علی آداب البحث أي الأمور التي تمنعه من الوقوع في الخطأ أثناء البحث» (مشکوة، 28). و تتناول الرسائل المؤلفة في هذا المجال في البدایة شرح الاصطلاحات الخاصي بهذا الفن، منها: الوضع و یعني الفکرة أو العقیدة التي تُطرح في بدایة البحث و التي یُرَکِّز طرفا المناظرة علی إثباتها أو إبطالها، و ان السائل للوضع (للفکرة) أو التناقض له هو الشخص الذي یهدف الی نقض الوضع (الفکرة) و یهدف أیضاً جَرَّ صاحب الوضع (الفکرة) الی التناقض في الأقوال، و المجیب أو الحافظ للوضع، وهو الشخص الذي یدافع عن الوضع (الفکرة أو العقیدة) ویسعی کي لایتورط بالتنقض. أما المنع و هو رفض المقدمة عن طریق إیراد الألة علی ذلک و الموضع و هو رفض المقدمة عن طریق إیراد الأدلة علی ذلک و الموضع و هو الحکم الکلّي الذین تتشعب منه الأحکام الجزئیة و تصلح کلّ منها أن تکون مقدمة في القیاس الجدلي. کما تتناول مثل هذه الرسائل النقض الاجمالي والنقض التفصیلی وغیرهما و تتناول بعد ذلک قواعد المناظرة. وعلی المناظرین أن یمتلکوا القدرات الآتیة قبل کل شيء:

1. الالمام الکامل و المعرفة التامة بأنواع القضایا المشهورة و المتناسبة مع کل موضوع؛ 2. القدرة علی استعمال المشهورات والمُسَلَّمات عند الحاجة؛ 3. المعرفة التامة بالألفاظ المشترکة و المنقولة و المشکّکَة و المتشابِهة و المتباینة و المترادفة و القدرة علی تحدیدها و شرحها و تفصیلها؛ 4. القدرة علی تحدید المتشابهات و تفصیلها و عزل بعضها عن البعض الاخر بالخواص و الفصول؛ 5. القدرة علی بیان التشابه الذاتي وغیر الذاتي في المختلفات و المتباینات.

اما عن کیفیة العمل اثناء المناظرة فتتم علی الشکل الآتي:

1. إنّ السائل یطرح اسئلته معتمدا علی مُسَلَّمات المجیب و مستفیداً من أقواله و یجب علی حافظ الوضع (صاحب الفکرة) أن یجیب عنها وبهذا الترتیب و عن طریق طرح الأسئلة یستطیع تدریجیاً الاقتراب من هدفه و هو جَرّ الطرف المخالف الی التناقض في حدیثه؛ 2. یؤلَّف السائل قیاساً جَدَلِیّاً من المقدّمات التي یقبل بها المجیب لیتسنّی له بهذه لطریقة أن ینقض و یردّ وضع (فکرة) المجیب و یتوصل بواسطة مُسَلَّمات المجیب الی نتائج ظاهرة البطلان؛ 3. یسعی المجیب الی الحفاظ علی وضعه تجاه الاشکالات التي یوردها السائل ویکون هذا العمل میسوراً عن طریق تألیف أَقیِسَة من المشهورات المقبولة لدی السائل.

و ینبعي علی طرفي المناظرة (السائل و المجیب) في جمیع هذه المراحل مراعاة النقاط و القواعد الآتیة و التي جاءت في کتب المنطق تحت عنوان «الوصایا»:

 

الف. واجبات السائل

1. تصور الموضع الذي تعتمد المقدمة علیه. أي علی السائل قبل القاء السؤال أن یعرف الموضع الذي یمکن الحصول فیه علی مقدمة الاستدلال؛ 2. کیفیة الاستفادة من التسلیم بالمقدمة و التشنیع علی المنکر، و بعبارة أخریٰ معرفة الاسلوب الذي یمکن به الزام المجیب علی الاستسلام؛ 3. ایراد مایکّنه في ضمیره للمخاطب أي ان علی السائل أن یوضّح بصراحة مقصوده الذي یتوقف علیه نقض وضع (فکرة) المجیب. و بالجملة فان السائل الماهر هو الذي یمتلک قدرة البیان لافهام قصده و هدفه و انه یهیئ أسئلته من المقدمات المسلّمة التي یقبل بها المجیب.

 

ب. واجبات المجیب

1. السعي للأخذ بزمام المبادرة في الکلام بحیث یتأثر السائل به و یتخذ موضع الدفع؛ 2. السعي لاشغال السائل بأسئلة لایستطیع أن یجد لها الرَدّ المناسب؛ 3. عدم انکار المقدمات المشهورة التي یقبل بها السائل إذا کانت عقیدة المجیب من المشهورات. و الخلاصة ان المجیب الماهر هو الذي لاینکر المشهورات و یتجنَّب المغالطات.

 

ج. الواجبات المشترکة بین السائل و المجیب

1. اکتساب المهارة في علم المنطق ولاسیّما القیاس و أقسامه و القدرة علی استنباط أقیسة متعدّدة من قیاس واحد؛ 2. الالمام الکامل بقواعد المناظرة و کیفیة الاستفادة من البحوث کبحث عکس النقیض وعکس المستویٰ و غیرهما؛ 3. استعمال الألفاظ الحسنة و المناسبة و تجنّب التّسَرُّع في الحدیث و عدم الخطأ في استعمال الالفاظ؛ 4. تجنب الکلام البذيء الساخر و الکلمات التي تثیر العداء و الحقد؛ 5. طرح الموضوع بقوة و متنانة و هدوء بعیداً عن التردُّد و الشَّک؛ 6. التواضع تجاه المدَّعي و الابتعاد عن التکبُّر و الغرور و حبّ الذات؛ 7. تَجنُّب المناظرة مع المرائین، و طلاب الشّهرة و الحاقدین و هواة السلطة و المنصب؛ 8. الالمام الکامل بالأصول و القواعد الخاصة بالموضوع الذي یناظر فیه و معرفة المواضع التي یَتّفق أو یختلف علیها أهل الفن؛ 9. علی السائل أن ینقض و ینکر الحکم کلّیاً و عاماً و علی المجیب أن یثبَّت الحکم بشکل خاص حتی إذا ما نُقِضَ هذا الحکم و أنکر فانه یستطیع التمسک بحکم خاص آخر؛ 10. ینبغی أن یکون هدف المناظرین الوصول الی الحقیقة والانصاف و علی الاثنین تجنب الاصرار عل الخطأ.

وقد کتب العلماء المسلمون منذ مدة طویلة رسائل في آداب المناظرة باللغتین العربیة و الفارسیة و لمعرفة بعضها: ظ: آداب البحث.

 

المصادر

آقابزرگ، الذریعة، 1/30 31؛ ابن‌خلدون، عبدالرحمن، المقدمة، بیروت، داراحیاء التراث العربي، ص 457؛ م.ن، المقدمة، تجـ : پروین گنابادي، تهران، بنگاه ترجمه و نشر کتاب، 1353 ش؛ أبوعلي سینا، حسین بن عبدالله، الشفاء (المنطق)، تقـ : أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، وزارة التربیة و التعلیم، 1358 هـ (مخـ)؛ اهدایی مشکوة، فهرست خطي، 3/3 8؛ الشریف الجرجاني، علي بن محمد، التعریفات، القاهرة، مصطفی البابي الحلبي، 1357 هـ، ص 10؛ مشار، خانبابا، فهرست چاپي عربي، ص 3؛ مشکوة، محمد، «آداب البحث»، سالنامة پارس، طهران، 1323 ش، ص 29 31؛ نصیرالدین الطوسي، محمدبن محمد، أساس الاقتباس، تقـ : محمدتقي مدرس رضوي، دانشگاه تهران، 1355 ش، ص 444 528؛ م.ن، الجوهر النّضید، قم، بیدار، 1363 ش، ص 234 267.

 

صمد موحّد

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: