کاظم موسوي بجنوردي: مدلونغ بمثابة متکلم

1444/8/14 ۱۲:۲۷

أقامت جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة حفل تکریم للعالم الألماني الشهیر المتخصص في الدراسات الإیرانیة و الشیعیة/ "ولفرید فردیناند مدلونغ"، و قد أقیم الحفل في المجال الافتراضي یوم الأحد الموافق 2022/5/26 م .

 تحدث في هذا الحفل کل من: رئیس جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة/ حسن بلخاري، و رئیس مجلس إدارة الجمعیة/ مهدي محقق، و رئیس دائرة المعارف الإسلامیة الکبری/ سید محمدکاظم موسوي بجنوردي، و مدیر مجموعة تأریخ أهل البیت بجامعة المصطفی العالمیة/ حسین عبدالمحمدي، و الأستاذ بجامعة طهران/ سیدأحمدرضا خضري، و الأستاذ بجامعة العلامة الطباطبائي/ سعید طاوسي، و الأستاذ بجامعة شهیدبهشتی/ عباس أحمدوَند، و عضو هیئة التدریس بجامعة باقرالعلوم/ محمد جواد باوري.

استهل الحف بکلمة رئیس جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة/ حسن بلخاري الذي قال: بموجب البند "ب" للمادة الثانیة من النظام الأساسي لجمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة المصادق علیه من قبل المجلس الأعلی للثورة الثقافیة، فإن إقامة المؤتمرات البحوثیة ـ التحقیقیة هي من الواجبات الهامة المناطة بالجمعیة، و ذلک لغرض العمل علی عقد مؤتمرات بحوثیة لتکریم الملمّین بموضوع إیران و الإسلام، إلی جانب تکریم المفاخر.

و علی هذا الأساس، خصّصنا هذا الاجتماع بإلقاء الضوء علی آراء "مدلونغ" و نقدها، إحیاءً لذکری رجل کرّس حیاته للعمل في مجال الدراسات الشیعیة و الإسلامیة و ألّف کتاب "خلافة محمد" صلی الله علیه و آله (نال هذا الکتاب جائزة کتاب السنة في إیران و هو من المؤلفات التي تتمیز عن کل مؤلفات المستشرقین. حیث عکف المؤلف في هذا الکتاب علی دراسة علمیة لموضوع خلافة رسول الله صلی الله علیه و آله، و أکد خلاله أن الحق مع الشیعة)، کما من شأن هذا الحفل أن یعبر عما نکنّه نحن الإیرانیین من احترام و تقدیر و تکریم  للعلماء الذین بذلوا جهودا في سبیل خدمة ثقافتنا، و عملوا في سبیل التعریف بإیران و الإسلام و الشیعة. في نفس الوقت یتم نقد و دراسة أفکار و آراء هؤلاء الأشخاص من خلال اجتماع بحثي علمي.

و استطرد المتحدث قائلا: إن الاستشراق و المستشرقین و الدراسات الشرقیة و کذلک الدراسات الإسلامیة و الشیعیة کلها مواضیع تتسم بقدر کبیر من الأهمیة و التعقید و الحساسیة. و علی کل حال، علینا أن نذعن ـ و علیهم أیضا أن یذعنوا ـ بأنهم من خارج نطاق و ساحة هذه القضایا البحثیة یقومون بالبحث و الدراسة فیها. ففي مجال فلسفة العلم، من الملاحَظ جدا أن الکشف عن خبایا أي نصّ، و إلقاء الضوء علی خفایا أسراره و الوقوف علی حقیقته لایتیسر إلا لمن یکون من أبناء الساحة التي وُجد فیها ذلک النص. فأولئک الذین یتحدثون حول ذلک النص من خارج ساحته و بیئته، لایتیسر لهم الإحاطة بکل المصادر و کل الأجواء السیکولوجیة اللازمة لتحلیل و نقد الحقائق و الوقائع.

وصرح المتحدث قائلا: الواقع أنه مع احترامنا و تقدیرنا للجهود المخلصة التي یبذلها العاملون في هذا المضمار، لکنه من الضروري أن ندخل في هذا المجال و في هذا الموضوع الخاص بمزید من الدقة. لاشک أن هناک مستشرقین و متخصصین في مجال الدراسات الإسلامیة و الشرقیة ینظرون إلی هذه القضایا و یبحثون و یؤلفون فیها باخلاص و صدق و من منطلق علمي. و عندما یواجهون النقد العلمي الخالص، یقبلونه بکل إخلاص. فنحن علی یقین من أن حقیقة العلم تنطوی علی منطق واضح یجعل العالم الصادق المخلص الذي یعمل في هذا المجال یحترم النقد الصائب و یستفید منه، و إذا علم بأنه قد أتی بموضوع بشکل ناقص فإنه یقوم بإصلاحه. لکن أولئک الذین قد انطلقوا من موقف مغرض متحیّز في النظر إلی القضیة، فهؤلاء وضعهم یختلف، حیث إنهم بعیدون من رحاب العلم و الفضل و العقلانیة المقدس. و لهذا السبب، کلامنا لیس موجّها إلی أمثال هؤلاء.

و استمر بلخاري في الحدیث قائلا: إننا من خلال عملیة نقد و دراسة تمت بأسلوب علمي لدراسات و مؤلفات المستشرقین في مجال الإسلام و إیران و الشیعة، استخلصنا نقطة أساسیة و هي أنه رغم ما بذله هؤلاء الباحثون من جهود و مساع  بعضها صادقة مخلصة، إلا أن الدراسات الشرقیة و الإسلامیة التي تمت في الساحة الغربیة هي بذاتها تنطوي علی إشکالیتین رئیسیتین: الأولی تتمثل في النظرة السیاسیة التي تحکم هذا المضمار. و قد تطرق إلی ذلک السید/ إدوار سعید في کتابه المهم ـ الاستشراق ـ بشکل مفصل و شامل. فهو یری بأن الشرق الذي صوّره و قدّمه الغرب هو شرق الغرب و لیس بشرق الشرق. و لإدوار سعید حدیث مهم للغایة في هذا المجال یمکن لمن یرید أن یراجع کتابه المذکور. فمن تلافیف هذه الدراسات الاستشراقیة تخرج "الکومیدیا الإلهیة" لدانتي الذي جاء بکلام غیرلائق حول نبي الإسلام و سیدنا أمیرالمؤمنین. و الحقیقة أننا من بعد الحروب الصلیبیة قد واجهنا حملة تشویه للإسلام و القرآن و نبي الإسلام و کبار رجال الإسلام مما یمثل اغتیالا لشخصیة هؤلاء. کما یقدم إدوار سعید نماذج موثقة معبّرة جدا في هذا المجال. إذن، من المؤسف جدا أن تسمح حضارة لنفسها کي تقدم الحضارة المنافسة لها إلی العالم بناء علی ما ترویها هي بنفسها، و ذلک بطریقة مشوهة و ملوثة.

و استمر في الحدیث قائلا: الجانب الآخر الذي یحکم دراسات المستشرقین، هو واقع جهلهم أو عدم اطلاعهم علی جمیع المصادر الخاصة بالموضوع الذي یقع في دائرة دراسة هؤلاء المستشرقین أو المتخصصین في الدراسات الإسلامیة أو عدم اضطلاعهم الکامل بذلک الموضوع. و أنا أود أن أوضح المسألة من خلال مثال أذکره: "ریتشار أتینغهاوزن" و "ألغ غرابار" هما من الباحثین المتمیزین في حقل تأریخ الفن و العمارة الإسلامیین. و لهما کتاب باسم الفن و العمارة في الإسلام ، ترجمه الدکتور/ آجند إلی الفارسیة. و مقدمة هذا الکتاب، تتضمن مقارنة تطبیقیة بین کل من نبي الإسلام (ص) و سیدنا المسیح (ع) و بوذا. و حصیلة کلام المؤلفین ـ الذي سبق لي أن قمت بنقده و دراسته خلال مقالة تفصیلیة ـ هي أنه إذا أردت مقارنة عیسی و بوذا بنبي الإسلام، تری أن حیاة بوذا کلها عناء و مشقة. فکیفیة ولادته و حیاته و خروجه من القصر و جلوسه تحت الشجرة لمدة تسع سنوات إلخ .... کلها عناء و مشقة و أسرار و ألغاز، مما یری المؤلفان أن من شأن ذلک أن یکون مصدرا للإلهامات و الإلقاءات التي تولّد الأیقونات، و من ثم تؤدي إلی نشر و تنمیة و رفع مستوی الفنون التشکیلیة في "البوذیة". و لهما نفس الرأي في عیسی علیه السلام. فکیفیة ولادة سیدنا المسیح هي بنفس النمط. و نظرا لکیفیة حیاة هاتین الشخصیتین و نوع رسالتهما، کان من شأنهما أن یکونا مصدرین للإلهامات الخاصة برسم الأیقونات أو الفنون التشکیلیة ذاتها. بینما أن شخصیة نبي الإسلام تختلف عنهما حیث أنها في غایة الشفافیة و البساطة و الوضوح. و علی هذا الأساس، خلص المؤلفان إلی أن الغیاب الملحوظ للفنون التشکلیة و رسم الأیقونات في الحضارة الإسلامیة ناتج عن حیاة نبي الإسلام التي تختلف عن حیاة کل من عیسی علیه السلام و بوذا عند المقارنة بین الحالتین.

و أکّد بلخاري قائلا بأن کلامهما هذا قد یبدو صحیحا في ظاهره. لکننا إذا تعمقنا في الموضوع نری أنه لایتفق مع الواقع کثیرا. فلماذا لم ینتبه المؤلفان إلی معراج نبي الإسلام؟! إنني قد ذکرت بتفصیل خلال مقالتي المشار إلیها بأن حیاة نبي الإسلام حیاة ذات وجهین: وجه یمثل مقام اللیل و الرؤیة و مقام الباطن و مقام الخفي و الخفاء، و مقام المعراج و مقام المفاهیم العرفانیة. و وجه آخر یمثل الجانب السیاسي. و الطریف أن الکمال یتحقق في الجمع بین اللیل و النهار. أي الکمال یتحقق في الجمع بین التشبیه و التنزیه، و في الجمع بین الرسالة الروحیة في الباطن و تجلي الحقیقة في باطن النبي، و بین ظهور هذه العوامل في الحیاة السیاسیة و الاجتماعیة. و ملخص الکلام أن عدم الاطلاع الوافي علی حیاة النبي الأکرم صلی الله علیه و آله یؤدي ببعض المستشرقین إلی إصدار أحکام و آراء معینة، و هي عندما تقاس بمیزان الحقائق ـ سیما من قبل من هم أبناء هذه الساحة البحثیة ـ عندئذ تتضح ما تعاني منه تلک الأحکام و الآراء من نقائص. و هذه نقطة یجب الانتباه إلیها بشکل جدّي في عملیة نقد الاستشراق.

و استمر رئیس جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة في الحدیث قائلا: في هذا الخضمّ، حاول "مدلونغ" أن ینظر ألی القضایا بعین العالم الباحث. و لاشک أن نظرة مدلونغ ـ و کما سبقت الإشارة إلیها الیوم من قبل اثنین من علماء حوزة قم العلمیة ـ هي نظرة تُلقی إلی المذهب من خارجه. و لایمکننا أن نتوقع منه أن ینظر إلی أحداث أوائل العهد الإسلامي کمؤمن وفيّ للإمام علي علیه السلام. و لذلک نراه یختلف رأیه في بعض الحالات عند المقارنة بما نعتقده في سیدنا علي علیه السلام.

و أضاف المتحدث قائلا: علی سبیل المثال، نحن في تحلیلنا لسیدنا علي علیه السلام، ننظر إلیه في نطاق "العصمة" مقتنعین بذلک و ملتزمین باتّباعه. نحن عندنا [القناعة بـ] "الیوم أکملت لکم دینکم و أتممت علیکم نعمتي" أو "من کنت مولاه فهذا علي مولاه". و هاتان النقطتان تتمیزان بأهمیة بالغة عندنا. لذلک فإن نظرتنا تأتي من هذه الزاویة. و موقفنا یختلف عن موقف من ینظر إلی الأمر من خارج هذا النطاق اعتمادا علی الاستدلالات العلمیة و لیس لدیه مثل هذه النظرة المنطویة علی العشق و العرفان. فمن الطبیعي أن تکون العبارات و التعابیر في بعض الحالات بشکل مختلف. إننا لانتوقع بطبیعة الحال من هذه الدراسات و المؤلفات أن تنطوي علی هذه النظرة المفعمة بالعشق و العرفان الموجودة عندنا. لکنه عندما یکون العمل في الساحة العلمیة من المتوقع أن یکون الاهتمام بالقضایا اهتماما صادقا علمیا شمولیا.

و استمر أستاذ جامعة طهران قائلا: من الإنصاف أن نقول بأن مدلونغ حاول أن ینظر إلی هذه الساحة بنظرة مخلصة و شمولیة. لکنه یواجه مشاکل في نفس الوقت. شأنه شأن ابن خلدون الذي یقول في سیدنا الحسین ـ سید الشهداء ـ علیه السلام بأنني لاأفهم منطق الحسین. لماذا وضع 72 شخصا مقابل 124 ألف ؟! و السبب أن ابن خلدون ینظر ألی ما حدث وفق المنهج التأریخي ـ العقلي. بینما الشیعة یرون حقیقة ما حدث بشکل آخر. مثل هذه المواقف توجد في دراسات المستشرقین. کما لمدلونغ أیضا مثل هذه المواقف في بعض الحالات. علما بأن کتابه ـ خلافة محمد ـ هو الآخر یمکن أن یتعرض لمثل هذا النقد. حیث أننا حینما نراجع قسم المصادر في الکتاب، نلاحظ أن معظم المصادر التي استفاد منها هي من أهل السنة. و لم یعتمد المصادر الشیعیة إلا في حالات معدودة.

و اختتم رئیس جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة کلمته بقوله: لقد کانت المعاییر العلمیة للبحث تتطلب أن یری مدلونغ آراء الشیعة في هذا الموضوع أکثر. علما بأننا یجب أن نوجه مثل هذا النقد إلی أنفسنا أیضا، حیث لم یکن للشیعة ذلک الجهد الواسع النطاق الذي بذلته سائر الطوائف الإسلامیة في مجال کتابة التأریخ و بوجه خاص فیما یتعلق بالقرون الإسلامیة الأولی! و من ثم، فإنه من الطبیعي أن من لیس له اطلاع علی ما تنطوي علیه نصوصنا، یتصور أنه لاتوجد مصادر شاملة إلا ما یجده لدی الطوائف الأخری غیر الشیعیة. إذن، فإن جزءً مما وقع في هذا الأمر یعود إلی قلة الجهد الشیعي في مجال کتابة تواریخ متمیزة و قویة یکون من شأنها أن تُطرح علی صعید العالم الإسلامي کمصدر ذي قیمة علمیة. و لابد هنا من التذکیر بأن ذلک لم یکن مسموحا للشیعة في بعض الحالات! کما أنه في الحالات الأخری کان السبب هو تهاوننا و قلة نشاطنا في هذا الاتجاه.

أهمیة مؤلفات مدلونغ حول الشیعة

ثم ألقی رئیس مجلس إدارة الجمعیة/ مهدي محقق/ کلمة قصیرة قال خلالها: إن معرفتي للبروفیسور مدلونغ تعود إلی السنین التي کنا إلی جانب بعضنا ندرّس في معهد الدراسات الاسماعیلیة بلندن. و هناک تسنی لي أن أتعرف علی أفکاره أکثر و أستفیذ من مؤلفاته العلمیة. علما بأنني کنت ألتقي بهذا الأستاذ الکریم في مناسبات مختلفة خلال المؤتمرات الدولیة بین فترة و أخری. و کان بیننا تواصل علمي .

و أکد مهدي محقق بأنه یمر عشرون عاما علی فترة التعارف بینه و بین البروفیسور مدلونغ و مازالت کتاباته و مقالاته تحظی باهتمامه. و علی وجه الخصوص ما یتعلق منها بالإسلام و الشیعة الإمامیة و الشیعة الاسماعیلیة.

مدلونغ بمثابة متکلم

المتحدث الآخر في هذا الحفل، کان رئیس مرکز دائرة المعارف الآسلامیة الکبری/ سیدمحمدکاظم موسوي بجنوردي الذي قال: السید/ مدلونغ هو کبیر منقحي الترجمة الانکلیزیة لدائرة معارف "إسلامیکا". کما أنه ظلّ یتعاون مع دائرة المعارف الإسلامیة الکبری منذ عام 2003م حتی الیوم و ذلک إلی جانب کبیر منقحي هذا المؤلَّف الجبار/ سعادة الأستاذ دفتري.

و أضاف قائلا: السید/ مدلونغ حریص علی التزام الدقة إلی حد کبیر في أعماله العلمیة. و إن کتبه و مقالاته خیر دلیل علی ذلک. کما أن المصادر التي یذکرها هي مصادر یُنتَبَه لها لأول مرة. و لذلک نری أن النطاق الواسع لبحوثه و دراساته في مجال التعریف بالمذاهب الإسلامیة سیما الدراسات الشیعیة و الدراسات الاسماعیلیة، قد ساهم في تطویر و توسیع نطاق هذا المجال المعرفي. بل إن نشاطه و عمله في هذا المضمار شجّع الآخرین علی کتابة مؤلفات مستقلة متأثرة بأفکاره علی مستوی العالم، فضلا عن المؤلفات و البحوث التي هو أوجدها بنفسه .

و أکد بجنوردي أن مدلونغ في مجال الدراسات الشیعیة یکون بمثابة متکلم حصیف الرأي و مواقفه جدیرة بالتأمل و یمکن الاستفادة منها. و لهذا السبب نحن في دائرة المعارف الإسلامیة الکبری نستفید من مقالاته و کتاباته إلی أقصی حد.

و اختتم رئیس مرکز دائرة المعارف الإسلامیة الکبری کلمته بالقول بأن البحوث و النشاطات العلمیة التي یقوم بها مدلونغ في أرجاء العالم، إن دلت علی شيء فإنها تدل علی اهتمامه الخاص بالعلم و العالم و البحث و التحقیق.

نقد کتاب "خلافة سیدنا محمد )صلی الله علیه و آله("

أیضا تحدث مدیر مجموعة تأریخ أهل البیت بجامعة المصطفی العالمیة/ حسین عبدالمحمدي فقال: إن البروفیسور ولفرید مدلونغ یُعتبر من الوجوه المتمیزة بین المستشرقین المهتمین بالدراسات التأریخیة للعالم الإسلامي، حیث إنه مشهور بالتزامه جانب الإنصاف و عدم التحیّز. فله کتابات و مؤلفات عدیدة في حقل التأریخ الإسلامي و المعارف الإسلامیة . و من أهمها کتاب تحت عنوان "خلافة سیدنا محمد (ص)" . إن هذا الکتاب ـ الذي اُعتُمِد فیه المنهج التأریخي لدراسة موضوع خلافة النبي الأکرم صلی الله علیه و آله و ما حدث خلال عهد الخلفاء لغایة عهد معاویة ـ قدم  تحالیل قیمة  في بعض المحطات، و روعي فیه الإنصاف و الرؤیة العلمیة أکثر مما نراه في غیرها من مؤلفات المستشرقین. لکن رغم ذلک یلاحَظ فیه فراغات و نقائص کثیرة أیضا.

و أضاف قائلا: إن مدلونغ من خلال مقدمته لکتاب "خلافة محمد" یبدي رأیه في موضوع خلافة سیدنا محمد صلی الله علیه و آله فیقول: "... إن القرآن ـ و کما یعلم الجمیع ـ لایتضمن أي تنبؤ أو حتی إشارة لخلافة محمد صلی الله علیه و آله. و لهذا السبب نری المؤرخین من غیر المسلمین تغاضوا عن هذا الأمر تقریبا".

فیما یخص مناقشة هذا الادعاء، یجب القول بأن إبداء مثل هذا الرأي ناتج عن حمل مفترضات ذهنیة مسبقة علی القرآن. إذ أن القرآن الکریم من خلال آیات عدیدة قدّم خلیفة نبي الإسلام بصفاته و ممیزاته. رغم أنه لأسباب معینة لم یسمّ شخصا بعینه کخلیفة للرسول. و من خلال تحلیل محتوی هذه المجموعة من الآیات، و الروایات الکثیرة المنقولة عن النبي الأکرم صلی الله علیه و آله و التي توضح تلک الآیات، لایبقی مجالا لأي شک في الأمر. و من تلک الأیات: آیة الولایة، و آیة أولي الأمر، و آیة التبلیغ، و آیة إکمال الدین. و بما أن المجال هنا لایسع للخوض في بحث و دراسة هذه الآیات و الروایات المرتبطة بها، فنضطر إلی الإحالة إلی المؤلفات المستقلة التي کتبها علماء الشیعة في هذا الشأن، و التي قدّمت الکثیر من الشواهد و حتی الأدلة المستخلصة من الآیات القرآنیة فیما یخص خلافة الرسول صلی الله علیه و آله.

و أکد قائلا: بما أن الافتراض المسبق الذي تبناه مدلونغ قد تشکل علی أساس عدم وجود آیة قرآنیة في موضوع خلافة النبي أو عدم تعیین خلیفة من قبل النبي الأکرم صلی الله علیه و آله؛ فإنه یحاول حمل افتراضاته هذه علی التأریخ و القضایا و الشواهد التأریخیة. و علی هذا الأساس یزعم بأنه کما لم ترد في القرآن إشارة إلی خلافة النبي الأکرم، فإن النبي أیضا لم تکن لدیه خطة بهذا الشأن. و تقییما لهذا الزعم، یمکن القول بأن مدلونغ أسس افتراضه علی عدم وجود خطة من قبل النبي بشأن خلافته، فحاول إیجاد إدلة لهذا الزعم. بینما أن افتراضه و تبریرات و استدلالاته في هذا الصدد مرفوضة و تتعارض مع الأدلة العقلیة و النقلیة.

تحلیل التأریخ علی أساس القرآن الکریم

ثم ألقی أستاذ جامعة طهران/ سیدأحمدرض خضري کلمة قال فیها: بین متخصصي الدراسات الإسلامیة الذین برزوا في العالم خلال القرون الأخیرة و عکفوا علی النشاطات العلمیة و البحوثیة، یمکن دراسة مدلونغ بشکل خاص و بنظرة متمیزة. و السبب أنه أولا کمخصص للدراسات الإسلامیة قد تعلّم جیدا، ثم إن منطلقه في هذا الحقل یتمثل في نفس دراساته و بحوثه التي قدمها في هذا المضمار. أي إن منطلقه في الدراسات الإسلامیة لیس توجهات سیاسیة أو مراکز سیاسیة خاصة.

و استمر المتحدث قائلا: أضف إلی ذلک أن دراساته العلیا مرتبطة بالضبط بحقل الدراسات الإسلامیة و التأریخ الإسلامي و مختلف المجالات المرتبطة بشؤون الثقافة و الحضارة الإسلامیتین. فقد درس في جامعة القاهرة و في الجامعات الآلمانیة علی حد سواء. و کل دراساتها العلیا کانت علی صلة بمجال عمله و نشاطه.

و قال أستاذ جامعة طهران في جزء آخر من کلمته: إن مدلونغ قد أبدی شجاعة خاصة من خلال عکوفه علی بحث خلافة النبي الأکرم صلی الله علیه و آله. فبسبب ما اکتنف موضوع خلافة النبي من حساسیة منذ البدایة، و ما کان له من دور و تأثیر في تحدید مسار التأریخ الإسلامي لاحقا، فإن هذا الموضوع یُعدّ من أهم الأحداث التي تلت بعثة النبي، بل قُل أهمها. فهو یُعتبر أهم القضایا و أکثرها تأثیرا علی التأریخ الإسلامي بعد بعثة النبي و هجرته.

و أضاف قائلا: إن موضوع خلافة النبي صلی الله علیه و آله ترک تأثیره علی کل القضایا و المواضیع المرتبطة بالخلافات و النزاعات الطائفیة التي شهدناها و نشهدها علی مرّ التأریخ الإسلامي منذ البدایة و حتی الیوم ، حیث تعود کل ذلک إلی هذا الموضوع. لذلک فإن خوض هذا المضمار و التطرق إلیه بحاجة إلی شجاعة خاصة بما یمکّن الشخص من طرح الموضوع بشکل صحیح و یستطیع في الوقت نفسه الخروج منه في النهایة ناجحا بأسلوب فکري محدد و تقدیم نموذج متمیز. و إنني لأری بأن مدلونغ کان ناجحا في هذا المسعی إلی حد کبیر.

و من خلال إشارته إلی بعض ممیزات کتاب خلافة محمد لمدلونغ، قال: من الممیزات البارزة لهذا الکتاب أنه ینطوي علی توجه تحلیلي نقدي تجاه کل القضایا المتعلقة بهذا الموضوع، و أساسا قد دخل مدلونغ هذا البحث کمحلل ینظر بنظرة الناقد. إذن، یمکننا القول بأن مدلونغ منذ البدایة ینطلق من نظرة هجومیة لتحدي جمیع الأفکار و الآراء و المواقف التي کانت موجودة في الماضي حول هذا الموضوع، لیستطیع إظهار مدی جدیته في هذه القضایا.

و أکد خضري قائلا: من أهم ممیزات کتاب خلافة محمد صلی الله علیه و آله، هو أن مدلونغ قد حاول تقدیم مباحثه من خلال الاستعانة بالقرآن الکریم تحلیلیا. و هذا هو ما ینبغي توقعه من أي باحث، بأن یستفید من القرآن الکریم في تحلیل الأحداث التأریخیة.

النظرة المتعمقة في القرآن

أستاذ جامعة العلامة طباطبائي/ سعید طاوسي کان المشارک السادس الذي ألقی کلمة في هذا الحفل. فقال: أهم مؤلَّف وضعه مدلونغ في مجال التشیع، هو کتاب خلافة سیدنا محمد صلی الله علیه و آله (کامبریدج 1997م). لأنه ، قدّم بحثا جدیدا حول قضیة خلافة النبي من خلال مراجعة و نقد مؤلفات المستشرقین و بالاستناد إلی النصوص التقلیدیة للمؤلفین و المؤرخین المسلمین.

و استطرد قائلا: إن مدلونغ من خلال نظرته المتعمقة في القرآن، یری خلال مقدمة الکتاب بأنه حتی علی افتراض أن النبي صلی الله علیه و آله لم یکن قد سمّی خلیفة له، فإنه لم یکن راضیا بخلافة أبي بکر من بعده. یری مدلونغ أن حرمان أهل بین النبوة من حقهم المشروع، مهّد الأرضیة لمجيء الحکم الأموي التعسفي اللامشروع. و تجدر الإشارة إلی أن هذا الکتاب قد نال عام 1377هـ ش (1998م) الجائزة العالمیة لأفضل کتاب السنة في الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

و في جزء آخر من کلمته التي خصصه لدراسة و بحث کتابات المدلونغ الخاصة بالبحوث الشیعیة، أشار أستاذ جامعة العلامة طباطبائي إلی مقالة مدلونغ المفصلة نسبیا و المدرَجة في دائرة المعارف الدینیة تحت عنوان "التشیع"، معتبرا تلک المقالة و غیرها من کتابات مدلونغ شاهدا لإلمامه بمختلف الجوانب المنوّعة للتشیع من قبیل النزاع الإخباري ـ الأصولي و کذلک مختلف الفرق الشیعیة کالزیدیة.

و في ختام حدیثه، أکد أن استناد مدلونغ إلی القرآن کنص منسجم و کوثیقة تأریخیة من جهة و استناده إلی الأحادیث المرویة من جهة أخری، یعدّان ممیزین مهمین لمؤلفاته الخاصة بالدراسات الشیعیة. بینما أن کثیرا من المستشرقین من قبله، لم یکونوا یقیمون وزنا یُذکر للآیات و الأحادیث. لکن مدلونغ أثبت أن الأحادیث أیضا من شأنها أن تخضع لتقییم المصداقیة. و بعد تقییم مصداقیتها یمکن الاستناد إلیها في المجال التأریخي.

المستشرق الألماني البارز

استمر الحفل مع کلمة أستاذ جامعة شهید بهشتي/ عباس أحمدوَند الذي قال خلالها: لابد من اعتبارالمستشرق الألماني الشهیر و الطاعن في السن "ولفرید مدلونغ" من العلماء الذین سنحت لهم الفرصة للقیام بأنواع الدراسات في مختلف الحقول المختلفة. فالقیام بالتألیف و الترجمة و التنقیح لمایزید علی 200 کتاب و مقالة في مختلف الموضوعات من قبیل الفلسفة السیاسیة في الإسلام، و الحرکات و التیارات الفکریة و المذهبیة، و الزیدیة، و الاسماعیلیة، و الأخلاق، و الحنفیة و تحدیاتها مع الشوافع، و تأریخ الفجر الإسلامي، و حیاة رسول الله صلی الله علیه و آله، و تأریخ الإسلام في إیران، و الیمن، و ... و .... کل ذلک من ضمن المجالات التي ألف و کتب فیها أثرا أو أکثر. و یمکن مشاهدة  أثر قدمه بشکل أو بآخر في ما تم تألیفه بعده.

و أضاف قائلا: مع کل ذلک، هناک نقطة یجب أخذه في الحسبان في معرفة و دراسة مؤلفات و آراء مدلونغ، و هي أنه رغم التنوع الموضوعي و المضموني الذي تتمیز به مؤلفاته العلمیة، و ما یبدو في ظاهر الأمر من عدم تناسق منطقي بینها، و ذلک بسبب تعلق هذه المؤلفات بأنواع مجالات المختلفة من الاستشراق بالمعنی العام، أو الدراسات الإیرانیة أو الدراسات الشیعیة بالمعنی الأخص، أقول رغم کل ذلک تتمتع مؤلفاته بنسق منطقي ذي مغزی، سواء من حیث المقاربة و الرؤیة أو من حیث المنهج.

و أکّد أستاذ جامعة شهیدبهشتي قائلا: یُعدّ مدلونغ من أولئک المستششرقین الذین ترعرعوا في الغرب بعد الحرب العالمیة الثانیة (1939 ـ 1945م). فقد کانت مرحلة مابعد الحرب، مرحلة تنطوي علی الحرکات الفکریة و التحرریة و ظهور أنواع الدول في العالم الإسلامي من جهة، و مرحلة تشهد الجهد و السعي للتعرف علی التراث الدیني ـ العلمي ـ الثقافي الموجود لدی المسلمین من العرب و الفرس و الترک و الهنود إلخ ... من جهة أخری. و بطبیعة الحال، فإن المثقفین المسلمین الذین عانوا تلک الفترة، و الذین عکفوا علی تنقیح و تألیف و نشر الآثار العلمیة ، واجهوا کمّا هائلا من مؤلفات و کتابات المستشرقین الأوروبیین المنتمین إلی العهود السابقة، والتي کانت ـ علی سبیل المثال ـ تطعن في أصالة القرآن الکریم کسند و تعتبرالحدیث برمته من مختلقات العهود اللاحقة، و الشعر الجاهلي من مختلقات العهد الأموي . کما أن تلک الدراسات في سیاق تقریر مختلف أحداث التأریخ الإسلامي  لم تکن تعیر اهتماما للمصادر غیرالسنّیة من قبیل المصادر الشیعیة إلا قلیلا. و في هذا الخضمّ، ظهر بین المستشرقین علماء من ذوي الفکر التعدیلي ممن قاموا بالتحدّي لکثیر من الصیغ النموذجیة السابقة و عرّضوها لإعادة النظر و إعادة القراءة.

و في ختام کلمته قال: لابد من الإشادة بمدلونغ و تکریمه و ذلک تقدیرا لشجاعته العلمیة و تحدّیه للتقالید و کذلک لجهوده المضنیة منذ شبابه حتی مرحلة تقدمه في السنّ. فتکریمه في الحقیقة یمثل تکریما للجهود العلمیة المبذولة من أجل إعادة النظر في الصیغ النموذجیة التي کانت أحیانا غیرصائبة و قاصرة في ساحة الدراسات الاستشراقیة.

نقد رأي مدلونغ في الإمامة و الولایة

في ختام هذا الحفل، ألقی عضو هیئة التدریس بجامعة باقرالعلوم/ محمدجواد یاوري کلمة قال فیها: لقد درس المستشرق الألماني/ ولفرید مدلونغ موضوع خلافة النبي الأکرم صلی الله علیه و آله في کتابه "خلافة محمد". و مع أن رأیه یتمیز بالإنصاف و الطابع العلمي، بالمقارنة مع سائر المستشرقین. لکنه درس أبعاد شخصیة أمیر المؤمنین علی علیه السلام و سلوکه السیاسي ـ الاجتماعي علی الأرضیة التأریخیة من خلال نظرة من خارج الدین و بالاستناد إلی مصادر و مناهج أهل السنة و المستشرقین، فقدّم آراءً لاتنسجم مع المبادئ العقائدیة و القضایا التأریخیة المتعلقة بالشیعة و أهل البیت علیهم السلام.

و أضاف قائلا: إن دراسة الأداء السیاسي ـ الإداري لسیدنا علي علیه السلام في مواجهته للأحداث التأریخیة، کانت من المحاور التي اهتم بها مدلونغ. و انطلاقا من اعتماده الکلّي للمصادر التأریخیة المتعلقة بالعامة [أهل السنة]، حصلت عنده قناعة بأن سیدنا علي کان یعاني من ضعف في فهم القضایا السیاسیة و إدارة الأزمات السیاسیة ـ الاجتماعیة في المجتمع الإسلامي. إذ یری بأنه لایمکن تبریر إضفاء القدسیة علی [الأئمة] المعصومین .

و اختتم عضو هیئة التدریس بجامعة باقرالعلوم کلمته قائلا: إن مدلونغ، بعد تقدیم تحلیل تأریخي حول موضوع إمامة و ولایة علي بن أبیطالب علیه السلام و تأریخ الخلفاء الثلاثة، یتطرق في الفصل الثالث لکتابه إلی حکومة سیدنا علي و مبایعته و التطورات السیاسیة التي شهدها عهده. إلا أنه یقع بعض الأحیان في الخطأ بسبب اعتماده النظرة إلی الدین من خارجه و اعتماد زاویة رؤیته الناتجة عن اعتبار الخلافة الإلهیة أمرا سیاسا، و استناده و اختیاره للمصادر و المناهج التأریخیة المتعلقة بأهل السنة. فلم ینجح في تقدیم تحلیل واضح و صحیح مبني علی المصادر التأریخیة و الحدیثیة للفریقین [الشیعة و السنة] في هذا المجال. و أکد المتحدث بأن ما طرحه مدلونغ من ضعف الأداء السیاسي ـ الإداري لأمیر المؤمنین علیه السلام خلال عهد حکمه، و ضعف إدارته العملیة، و إشادته بالخلفاء، و تقدیم صورة ضعیفة عن اقتداره و شخصیته، کل ذلک تحالیل و انطباعات شخصیة و هي مواضیع طرحها مدلونغ في کتابه " خلافة محمد". و مع أن هذه الآراء تعتبر آراء علمیة لمدلونغ، إلا أنه لکون هذه الأمور تخلق الشک في معتقدات الشیعة حول القضیة المبدأیة المتمثلة في "الإمامة و الولایة"، فمن الضروري أن یتم الردّ علیها بالاستناد إلی المصادرالتأریخیة و الحدیثیة المتعلقة بالفریقین.

المصدر: جمعیة الآثار و المفاخر الثقافیة