المرجعیة الثقافیة و ثقافة المرجعیة / کاظم موسوي بجنوردي

1443/9/29 ۱۱:۵۵

یتمیز آیة الله العظمی السید علي السیستاني بشخصیة شمولیة الطابع متعددة الأبعاد. فهو لایمثل وجها محوریا في الشؤون السیاسیة و الدینیة فحسب، و إنما یعدّ خبیرا صاحب رأي في القضایا الثقافیة أیضا. حیث یمتلک دائرة واسعة من المعلومات الناتجة عن إلمامه بالقراءة و المطالعة. و هذا ما انکشف لي أثناء زیارتي الأخیرة للعراق خلال شهر فبرایر 2022م.

زیارة سیدمحمدکاظم موسوي بجنوردي إلی العراق و لقائه بآیة الله العظمی السیستاني

یتمیز آیة الله العظمی السید علي السیستاني بشخصیة شمولیة الطابع و متعددة الأبعاد. فهو لایمثل وجها محوریا في الشؤون السیاسیة و الدینیة فحسب، و إنما یعدّ خبیرا صاحب رأي في القضایا الثقافیة أیضا. حیث یمتلک دائرة واسعة من المعلومات نتیجة إلمامه بالقراءة و المطالعة.   هذا ما انکشف لي أثناء زیارتي الأخیرة للعراق خلال شهر فبرایر 2022م.

و لابد من مقدمة لقصة هذه الزیارة: إنني ولدت في النجف الأشرف حیث کان والدي/ آیة الله العظمی سیدحسن موسوي بجنوردي یقیم فیها، متمیزا بمکانته الرفیعة و شخصیته المنیعة في حوزتها العلمیة. و ترعرعت في تلک المدینة حتی بلغت من العمر 17 سنة. جئت إلی إیران عام 1339 هـ ش (1960 م)، و بعد ذلک بسنتین، قمت بتأسیس حزب "ملل إسلامي" [أي الشعوب الإسلامیة] بتأثیر من الأفکار الثوریة التي استحوذتني وقتذاک و التي لم أعد أؤیدها حالیا. فقمت ثانیة بزیارة العراق لغرض الحصول علی السلاح. حیث ذهبت إلی بائع أسلحة کنت أعرفه في تلک المدینة. کما التقیت هناک بالوالد أیضا بطبیة الحال. و قد حذّرني في ذلک اللقاء من العمل السیاسي. إلا أنني کنت ملیئا بحماس الشباب متأثرا بالأجواء النضالیة السائدة خلال تلک السنوات، فلم أعر أذنا صاغیا لمثل هذه التحذیرات. والواقع أن الوالد الذي کان من أنصار الدکتور محمد مصدق، و من المتحمسین لتأمیم النفط، هو الذي قد ربّانا علی روح مناهضة الاستبداد. فإنني کنت مدینا له في هذا الجانب و لاأزال.

و کان ذلک اللقاء بوالدي، آخر لقاء تشرفت برؤیاه. إذ بعد سنة ـ خلال شهر مارس ـ ألقي القبض علي و حکم عليّ بالإعدام. ولکن انطلقت حملة تحرک خلالها علماء النجف و بعض العلماء داخل إیران و اتحاد الطلاب الإیرانیین في الخارج و حتی المفکر الفرنسي جان بول سارتیر فبذلوا جهودهم للحیلولة دون ذلک. کما أن أیة الله العظمی السید محسن الحکیم (رحمه الله) الذي کان قد أصبح المرجع الشیعي بعد رحیل آیة الله العظمی البروجردي، بعث ـ بناء علی طلب والدي ـ برسالة إلی أحمد کفائي بن آخوند الخراساني یحثه علی التوسط لدی الشاه. و نتیجة لذلک تم تخفیف العقوبة من الإعدام إلی السجن المؤبد.

و کان للمحکوم علیه بعقوبة الإعدام في المحاکم العسکریة آنذاک، أن یتقدم بطلب النقض في غضون 10 أیام. و لم یکن ینفَّذ الحکم قبل ذلک. فبینما کنت في انتظار تنفیذ الحکم في اللیلة العاشرة، جاءني عقیدان عسکریان فقالا نحن نحمل لک خبرا جیدا. عفي عنک. [أي نجوت من عقوبة الإعدام]. لکن خلال تلک السنوات التي قضیتها في السجن تلقیت خبر رحیل الوالد و کان ذلک بتأریخ 1/7/1975م. ولاشک أن فقدان الوالد الذي یشکل عمادا و سندا للشخص لیس بأمر هیّن. فکیف إذا أصبت بفقدانه و أنت في السجن، حیث یضاعف لک الألم و الحزن قطعا. فهذا یشکل لي ذکری مؤلمة لاتُنسی أبدا.

و أخیرا، أفرج عني بعد 13 عاما عندما قام رئیس الوزراء وقته/ شابور بختیار بالإفراج عن السجناء السیاسیین قبل مجيء الإمام الخمیني إلی إیران. و بعد انتصار الثورة، تم تعییني محافظا لاصفهان ثم تم انتخابي نائبا في الولایة الأولی لمجلس الشوری الإسلامي. لکنني علمت من خلال تجربتي مع مجلس الشوری أنه یجب أن أترک العمل السیاسي و أنصرف إلی العمل العلمي الذي کنت قد فکرت به أیام السجن. فإنني کنت أعتبر ذلک ضروریا أکثر من أي عمل آخر، انطلاقا من قناعتي بضرورة رفع مستوی العقلیة العامة في المجتمع. فعندما یزداد الناس تعقلا یمکن إصلاح الأمور. و کنت أری تألیف دائرة المعارف طریقا إلی الصلاح و الفلاح.

لم تسنح لي فرصة لزیارة العراق منذ 57 عاما. و ربما کان هناک قصور من جانبي أنا أیضا. فمنذ عام 1362هـ ش (1983م) اشتغلت بالأعمال العلمیة و الإداریة و الإجراءات الجاریة لمرکز دائرة المعارف الإسلامیة الکبری. کان العمل عظیما و الید فاضیة. حتی عندما تشرفت بعد أعوام بلقاء سماحة القائد المعظم، قلت لسماحته أتمنی أن تنتقل العاصمة الثقافیة للعالم الإسلامي من القاهرة إلی طهران ـ لتکون في إیران بطبیعة الحال. و تفضل سماحته بأن هذا هدف مهمّ . لکن أمامک طریق طویل.

علی کل حال، خلال زیارتي للعراق، قابلت السید سیستاني. و خلال هذه المقابلة التي استغرقت نصف ساعة  شملني سماحته بعطفه و تحدث بتفصیل حول دائرة المعارل الإسلامیة الکبری، تطرق خلال حدیثه إلی أهمیة هذا المجهود و تأثیره في المجتمع الإسلامي و نطاقه الواسع. کان واضحا أن سماحته قد قرأ مجلداتها و مقالاتها. فدعا إلی الله ـ و تمنی ـ أن تتوفر أسباب لتطویر هذا المجهود. بدا سماحته في ذلک اللقاء مشجعا لي و شملني بلطفه. کنت أعلم أنه سبق لسماحته مطالعة و دراسة دائرة المعارف الإسلامي الکبری. حیث کان قد طرح نقاطا حول مدخل کل من " ابن سینا" و "ابن تیمیة" و "اعتباریات" خلال لقاء نائب رئیس المرکز/ أحمد مسجدجامعي بسماحته قبل 9 أعوام. ما یدل علی حصافته و دقة نظره. فیسعدني و یسرني أن هذا العمل البحثي قد نال تأیید هذه المرجعیة أیضا.

أثناء الحدیث، ذکر سماحته والدي. لأنه عندما جاء من مشهد إلی النجف، لم یکن یعرفه أحد بسبب أن لقب عائلته کان "سیستاني". و والدي هو الذي عرّفه لأول مرة.

خلال هذه الزیارة، تسنی لي التشرف بزیارة سیدنا/ أمیر المؤمنین علي (علیه السلام)، کما زرت مثوی کل من : جدي لأمي/آیة الله العظمی سید أبوالحسن الاصفهاني، و والدي، و جدّاتي و خالي الشهید، الذین تقع قبورهم بجوار مزار آخوند الخراساني في إحدی الحجرات الجمیلة مقابل الأیوان الذهبي.

1.            زیارتي للعراق هذه، کانت بالنسبة لي مفعما بشعور رائع یعوم بین الذکریات و الحنین إلی الماضي. و عندما بقیت لوحدي مع الوالد، کنت أقول له [و أنا أناجیه عند مثواه] : أنا سعید لأنني قد عملت علی إحیاء تراث أهل البیت، و أن هذا العمل الجماعي الجبار قد مضی قدما بشکل جعل هذا التراث الإیراني ـ الإسلامي ـ الشیعي یُترجَم باللغة الانجلیزیة بواسطة الأوروبیین أنفسهم. و قلت لوالدي أنا خجلان منک لمجیئي متأخرا. لکنني علی ثقة من أن هذه الأعمال و المجهودات هي موضع رضاک.

أنا أعتبر نفسي رهین فضل والدي. ذلک الفقیه الأصولي الذي ظل کتابه " القواعد الفقهیة" المؤلف من سبعة مجلدات مصدرا هاما لمن یدرسون في الحوزة العلمیة. وقد فوجئت أسواق الکتاب بطبعة جیدة منه بعد أن نفدت الطبعة السابقة لفترة في السوق. و عندما بحثنا عن أسباب الأمر، تبین أن سماحة القائد المعظم خلال تفقده لمعرض الکتاب الدولي کان قد أشاد بهذا الکتاب، و بناء علی ذلک عمل السید مسجد جامعي علی توفیر الظروف الملائمة لإعادة طبعه حیث أصبح في عداد الکتب التعلیمیة المعتمدة في جامع الأزهر بمصر.

إضافة إلی ذلک، تجدر الإشارة إلی أن جانبا آخر من شخصیة والدي بقي مجهولا ألا و هو وهو إلمامه بالفلسفة. فقد کان ضلیعا فیها بحیث أن وزیر خارجیة الملک فیصل الثاني ملک العراق وقته/ المدعو فاضل الجمالي/ کان یرتاد إلی والدي لیطرح علیه أسئلته الفلسفیة. کما أن الوالد هو الذي قد عرّفني بالأفکار التقدمیة و التحرریة منذ نعومة أظفاري إلی أن أصبحت شابا یافعا. و ما أتحلی به الیوم کمثقف متدین، أعتبره مواصلة للدرب الذي سلکه والدي.

تنعّمت روحه في جنة الخلد، و حشره الله مع سیدنا أمیر المؤمنین علي علیه السلام.

المصدر: صحیفة اطلاعات