اِبْنُ عاشِر، أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد (تـ 765هـ/ 1364م)، صوفي وزاهد مغربي. عاش حیاته زاهداً حتی قیل إنه كان أحد اثنین مبرزین في زمانه (ظ: بابا التنبكتي، 70)، بل بولغ فیه حتی وُصف بأفضل أهل زمانه علماً وعملاً (المقري، 7/340)، كما قیل إنه كان أحد الأولیاء والأبدال (ابن الخطیب، 379؛ ابن قنفذ، الوفیات، 365؛ بابا التنبكتي، ن.ص). كان رث الهیئة، لكنه عظیم الوقار والهیبة (ابن الخطیب، بابا التنبكتي، ن.ص). أصله من شمینة بالأندلس وبها وُلد ونشأ، ثم انتقل منها إلی الجزیرة الخضراء وأقام بها زماناً مشتغلاً بتعلیم القرآن. ولما حاصر النصاری الجزیرة وأدرك أنها ستسقط، خرج منها قاصداً حج البیت. ثم رحل عنها إلی مكناسة، ومنها إلی سَلا، فنزل برباط الفتح بزاویة الشیخ أبي عبد الله الیأبوري (أو البالوري) (ابن القاضي، درة…، 1/148-149، جذوة،…، 153). ویقول السلاوي: لما قدم ابن عاشر من الأندلس وتنقل في بلاد المغرب مثل فاس ومكناسة، لم یطب له القرار إلا بسلام (4/21). وكان لایفكر في أمر الرزق (بابا التنبكتي، ن.ص)، ولم یكن قوته إلا من نسخ كتاب العمدة في الحدیث، وكان یبیعها ولایأخذ إلا قیمتها (ابن قنفذ، أنس…، 9-10، ابن القاضي، درة، 1/149). وكثیراً ما شوهد قاعداً بین القبور (ابن الخطیب، بابا التنبكتي، ن.ص؛ ابن قنفذ، الوفیات، 366، أنس، 9).

وقیل إن السلطان أبا عنان ملك المغرب (من بني مرین) قد ارتحل في 757هـ/1356م إلی سلا، فوقف ببابه طویلاً فلم یأذن له، وسلك عدة سبل للوصول إلیه، إلا أنه أخفق فیها جمیعاً (ابن قنفذ، ابن القاضي، بابا التنبكتي، ن.ص). وأفلح ابن الخطیب في زیارته، وكرّس جزءاً من كتابه نفاضة الجراب في إطرائه (ن.ص).

ورغم انقطاعه عن الناس، إلا أنهم كانوا یعظمون قدره ویكنّون له احتراماً كبیراً، ویعتقدون بإجابة دعوته (ابن الخطیب، بابا التنبكتي، ن.ص). وكان معروفاً بالكرامات، كما كان یعتقد نفسه بكرامات أولیاء الله وأنها لاتنقطع بموتهم (ظ: ابن قنفذ، أنس، 7، 9، 10). وكان لاینبسط إلی أحد من الناس وقلّما شوهد ضاحكاً (ن.م، 9)؛ ولهذا وصفه البعض بأنه مفرط الانقباض (ابن الخطیب، ن.ص)؛ وربما یكون ذلك سبباً في كثرة صمته (ن.ص) وإفراطه في العزلة. وكان علی أتمّ حال في التمسك بالسنة (ابن قنفذ، الوفیات، ن.ص). انتهج نهج أبي حامد الغزالي وجعل إحیاء العلوم بین عینیه واتّبع ما فیة بجد واجتهاد وصدق وانقیاد (م.ن، أنس، 9). ورغم عدم نزوعه نحو الإرشاد، وعدم انتمائه إلی طریقة خاصة إلا أنه خرج علی یده بعض التلامذة. وكان العارف الشهیر ابن عباد الرُّندي (ن.ع) من كبار أصحاب ابن عاشر ومن خیار تلامذته (ن.م، 79؛ بابا التنبكتي، 71؛ المقري، 7/338، 342).

توفي ابن عاشر في مدینة سلا (ابن قنفذ، الوفیات، 365). ویذكر المقري الذي زار سلا في 1009هـ/ 1600م أن قبره علی ساحل البحر المحیط بخارج المدینة (7/350). وبُني له ضریح فیما بعد عرف بضریح «سیدي أحمد بن عاشر» (ظ: لیفي بروفنسال، 223)، وصار مزاراً للناس (ابن القاضي، جذوة، 153؛ المقري، ن.ص).

هناك كتاب في مناقب ابن عاشر یدعی تحفة الزائر في بعض مناقب سیدي الحاج أحمد بن عاشر بقلم سمیّه ابن مدینته أبي العباس أحمد ابن عاشر بن عبد الرحمن الحافي (تـ1163هـ/1750م). ودُفن الأخیر في مدینة سلا أیضاً قرب ضریح سیدي أحمد بن عاشر (لیفي بروفنسال، ن.ص).

المصادر

ابن الخطیب، محمد، نفاضة الجراب في علالة الاغتراب، تقـ: أحمد مختار العبادي، القاهرة، دار الكاتب العربي؛ ابن القاضي المكناسي، أحمد، جذوة الاقتباس، الرباط، 1973م؛ م.ن، درة الحجال في أسماء الرجال، تقـ: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة/ تونس، 1390هـ/1970م؛ ابن قنفذ، أحمد، أنس الفقیر وعز الحقیر، تقـ: محمد الفاسي وأدولف فور، الرباط، 1965م؛ م.ن، الوفیات، تقـ: عادل نویهض، بیروت، 1390هـ/1971م؛ بابا التنبكتي، أحمد، «نیل الابتهاج»، حاشیة الدیباج المذهب لابن فرحون، القاهرة، 1351هـ/1932م؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء، تقـ: جعفر الناصري ومحمد الناصري، الدار البیضاء، 1956م؛ لیفي بروفنسال، مؤرخو الشرفاء، تجـ: عبد القادر الخلّادي، الرباط، 1397هـ/1977م؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: یوسف محمد البقاعي، بیروت، 1406هـ/1986م.

مسعود جلالي ‌مقدّم/ ت.