الصفحة الرئیسیة / المقالات / الانسان الکامل /

فهرس الموضوعات

الانسان الکامل


تاریخ آخر التحدیث : 1442/4/13 ۰۷:۴۷:۵۶ تاریخ تألیف المقالة

الإنسانُ الكامِل،   مصطلح عرفاني يحظى بأهمية خاصة لدى علماء الأنثروبولوجيا والكوسمولوجيا الصوفیة، وفي نظريات الإمامة والولاية عند الشيعة الإمامية والإسماعيلية. لقد أدت الأفكار والنظريات التي قُدّمت طوال التاريخ حول هذا المفهوم إلى عدم إمكانية تقديم تعريف شامل له. ومع ذلك، ونظراً لمجموعة الآراء والأفكار التي طرحها أهل التصوف حول هذا المعنى، يمكننا القول إنّ الإنسان الكامل إنسان يتحلى بالأخلاق الإلهية فهو السبب الغائي للخلق وسبب خلق العالم وبقائه، متحقق باسم الله الشامل وهو واسطة بين الحق والخلق وخليفة الله بلا منازع، ثبت علمه بالشريعة والطريقة والحقيقة، وبعبارة أخرى فقد بلغ بأقواله الحسنة وأفعاله الحسنة وأخلاقه الحسنة حد الكمال. والإنسان الكامل عالم بظاهر الخلق والبشر وباطنهم وأمراضهم وآفاتهم النفسية والروحية شاف لها ورغم أنه مخلوق إلا أنه يتمتع بالصفات الإلهية. إن ما يتحلى به الإنسان الكامل من صفات وأخلاق إلهية، يجعله خليفة للذات الربوبية إذ فارقته الثنائیة واتحد بالـذات الإلهية وبلـغ مرتبة الكمـال (ظ: ابن ‌عربي‌، الفتوحات ‌... ، ط القاهرة‌، 13 /  129-130، فصوص‌ ... ، 48 ومابعدها، الإنسان ... ، 8 - 11؛ الخوارزمي‌، 1 / 61، 67- 68، مخ‍ ؛ الآملي‌، جامع‌ ... ، 353؛ الجرجاني‌، 32؛ الحكيم‌ الترمذي‌، 315؛ التهانوي‌، 1 / 77؛ جامي‌، 92-93؛ النسفي‌، الإنسان ... ، 255؛ صدر الدين‌ الشيرازي‌، تفسير ... ، 4 / 185، مخ‍ ، 5 /  328؛ الفيض‌، 118- 119؛ أیضاً ظ: بورکهارت، 77)
ورغم أن مفهوم الإنسان الكامل يحظى بمنزلة إسلامية في   التصوف الإسلامي (ظ: ماسينيون‌، «الإنسان ... »، 107، 137)؛ إلا أنه لا يمكننا تجاهل ما بینه وبین الغنوصیة من تشابه، وما تم طرحه في الغنوصية والأديان القديمة باسم الإنسان الابتدائي لدى المزدکیة والإنسان القديم (ادم قدمون) لدى أهل القبالة والإنسان القديم (الإنسان الأزلي) لدى المانویة؛ يعتبر من أشکال هذا الفكر المختلفة (ن م، 113؛ كوربن، 418؛ أيضاً ظ:EI2). 
ذكر موضوع خلق الإنسان على صورة الله في العهد العتيق (ظ: سفر التکوین، 1: 26؛ 5: 1)، وکذلک قضية كمال الأنبياء كنوح في الكتاب ذاته (ظ: سفر التکوین، 9:6) کل ذلک یشیر إلى معرفة اليهود والمسيحيين للإنسان الإلهي، وقد طرحت هذه الفكرة حتی في الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى بشكل أو بآخر. ومن هذا المنطلق، فإن الإنسان الكامل هو الإنسان الذي بلغ درجة الكمال وأصبح يشبه الله خلافاً للإنسان الناقص الذي لا يشبه الله بسبب فقدانه للكمال (جيلسون، 233-235).
أما في التصوف الإيراني، فإن مفهوم «الإنسان الابتدائي» يشبه مفهوم الإنسان الكامل في التصوف الإسلامي. وكان يعتقد أن الإنســان الابتدائـي‌ ــ والـذي یمثّلـه فـي الغالـب کیومـرث (ظ: المقدسي، 2 / 76-77) ــ هو ابن الخالق وروحه جزء من روح الرّب (شیدر، 28-29). ويعتقد شیدر أن مفهوم الإنسان الكامل في الإسلام مرتبط بأوليات توجد في التصوف الإيراني. واستناداً إلى بحث الإنسان الابتدائي في أدب مزدیسنا، يجزم شیدر بالاتصال بين مفهومي الإنسان الكامل والإنسان الأول؛ لأنه واستناداً إلى بندهشن، يعتبر الإنسان الأول (كيومرث) نموذجاً للإنسانية ومسؤولاً عن تنفيذ المهام والشؤون العالمية؛ وتشير بعض الروايات إلى أن المعادن الثمانية قد ظهرت من الأجزاء الثمانية لجسد هذا الإنسان (ص23-25). كما أن قسماً من الخصائص والصفات التي تنسب إلى الإنسان الكامل في الفكر الصوفي الإسلامي، تنسب إلى زرادشت في الديانة الزرادشتية (ن.ص؛ أيضاً ظ: بهار، 119-120).
أما في المانوية، فقد أطلق على الإنسان الابتدائي «الكائن الأزلي»، وهو الإنسان الذي خلق من «صليب النور» ويجري تصوره كإنسان كامل (ظ: زبور ... ، 319، 322، 335). وتشير الأناشید المانویه التي عثر عليها في ترفان إلى أن ماني كان يعتبر كائناً إلهياً  كاملاً ومنقذاً حظي بتمجيد أتباعه (شیدر، 37).
وعلي أية حال، يظهر أن النظريات الغنوصية الإيرانية واليونانية كانت ذات تأثير في تكون مفهوم الإنسان الكامل في التصوف الإسلامي، إلا أن ما اختلف فیه الباحثون هو أن فکرة الإنسان الابتدائي لدی المانویة و«فرّ إیزدي» (خَوِرنه) لدی الزرادشتية ونظرية الكلمة والعقل اليونانية کیف وجدت طریقها إلی الفكر الصوفي الإسلامي. ويعتقد تورا أندریة بأن تطور نظرية الإنسان الكامل في الإسلام يرتبط بشكل أو بآخر بنظرية الإمامة لدى الشيعة. كما يرى بأن الفكر الغنوصي دخل إلى العالم الإسلامي عبر التشيع، وهو مرتبط بقضية الولاية والإمامة حيث حقق مفهوم الإنسان الكامل في التصوف الإسلامي (ظ: ن.م، 65-66). ويعتقد أنذریة أن الاعتقاد (بالنبي الصادق) في سالف الدهر أصبح رکیزة  لفكرة الإنسان الكامل في الإسلام؛ لأنه وبناءً على هذا المعتقد، فإن النبي الصادق كان شخصاً أزلياً تنتقل روحانیته في سلسلة الأنبیاء بالوراثة من شخص إلی آخر (ظ: م.ن، 66).
لكن بعض المستشرقين يرون أن النظرية الغنوصية «الأنتروبوس»، وجدت طريقها إلى العالم الإسلامي عبر ترجمة أثولوجیا (م.ن، 42-46). دار الحدیث في «أثولوجیا» عن نوعين من البشر: الإنسان العقلي والإنسان الحسي. ويعتبر الإنسان الحسي ککائن مثالي «للإنسان الحق الأول» وقد أودعت فيه سمات ضعيفة من وجوده. ويعبر عن الإنسان الحق الأول بالنور الساطع وهو يتمتع بجميع الصفات الإنسانية على النحو الأكمل والأشرف (ظ: ص 142 ومابعدها؛ أیضاً ظ: شیدر، 46). ومع ذلك، يعتقد بعض الباحثين المعاصرين المهتمين بتأثير النظريات اليونانية في الفكر الصوفي الإسلامي، أن فکرة الإنسان الكامل في التصوف الإسلامي قد نشأت في الرؤی السامیّة ويمكن العثور على دلائل مرتبطة به في القرآن الكريم كالمهدوية والإمامة والمضامين المذكورة في «خطبة البيان» المنسوبة إلى الإمام علي (ع)، (ماسينيون‌، «الإنسان»، 107 وما بعدها، 115 وما بعدها).
لم یرد تعبير الإنسان الكامل في القرآن کما لم يجر الحديث عن نظرية الإنسان الكامل في المستندات الموثوقة بها للقرن الإسلامي الأول؛ ولكن من الواجب أن نعلم أن جوهر هذه النظرية موجود في القرآن الكريم وفي التفاسير التي قدمت حول بعض الآيات وفي بعض من الأحاديث الشريفة. وصرح القرآن الكريم بأن الإنسان ذو مظهر إلهي (الحجر / 15 / 29؛ السجدة‌ / 32 / 9؛ ص‌ /  38 / 72) وأنه حمل أمانة الله سبحانه وتعالى وبلغ مرتبة خلافته (الأحزاب / 33 / 72) وحظي بتكريمه (الإسراء / 17 / 70)؛ كما أن الليل والنهار والمطر والنبات خلقت لأجله وسخرت له سائر المخلوقات (النبأ /  78 /  8 - 9).
أما في الحديث الشريف فتطالعنا الأحاديث القدسية والنبوية التي تشير من جهة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الأفلاك (العالم) لأجل الإنسان وبتعبير آخر لأجل النبي محمد (ص): لولاك لما خلقت الأفلاك؛ وتشیر من جهة أخرى إلى نشأة الرسول الكريم (ص) الأزلية: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين (ظ: ابن ‌شهر آشوب‌، 1 / 214؛ أيضاً ظ: الترمذي‌، 5 / 585). ويمكننا أن نلاحظ في تفاسیر الصحابة والتابعين من القرآن، سمات ترتبط بنظريـة الإنسان الكامل فـي مجال التصوف الإسلامـي ــ وبطبیعة     الحـال تقتصر علـی الشخصية المثالية لمحمد رسول الله (ص) ــ وإن موضوع «نور محمد (ص)» ـ الذي يشكل مرتكز الشخصية المثالية لرسول الله محمد (ص) بصفته إنساناً كاملاً ــ ینتهي إلی تفسيـر ابن عباس لکلمة «الجبل» في آية « ... ولكن انظر إلى الجبل ... » (الأعراف / 7 / 143) حیث عبر عن الآية الكريمة بصورة «انظر إلى نور محمد» (عين القضاة، 263-264). ونلاحظ كذلك طـرح نظرية «نور محمد (ص)» في ما أورد مقاتل بن سليمـان (تـ 150ه‍‌ / 767م‌) فـي تفسیر الآیة 35 من سورة النور (ظ: نويـا، 76-77). ويشير هذا الفهم للآيات القرآنية الكريمة إلى أن نظرية الإنسان الكامل في صدر الإسلام، كانت موضع اهتمام المفسرین في العالم الإسلامي بالنظر إلى الإشارات القرآنية والنظريات التي وضعت حول الشخصية المثالية للرسول الكريم (ص)، وارتبطت بنظرية النبوة في الإسلام ومن ثم بنظریة الإمامة عند الفرق الشیعیة وانتشرت ورغم أن عبارة الإنسان الكامل قد أوردها محيي الدين ابن عربي لأول مرة في أواخر القرن 6ه‍ / 12م (شیدر، 63-64؛ EI1) ؛ إلا أنها کمصطلح یحمل المعنی الأخلاقي وجد طریقه قبل ابن عربي بعدة قرون إلی النظريات الأخلاقية الكمالية لدی المفکرین في العالم الإسلامي حيث ذكر الراغب الإصفهاني عنوان الباب الخامس من كتاب تفصيل النشأتين (ص 18): في‌ تكوين ‌الإنسان  شيئاً فشيئاً حتى ‌يصير إنساناً كاملاً. وقد عرفت بعض المواضيع والبحوث المرتبطة بمفهوم الإنسان الكامل ــ ولیس بنفس التعبیر ــ عند المتصوفين في العالم الإسلامي منذ النصف الأول من القرن 3ه‍ / 9م، حيث عبر بايزيد البسطامي في النظرية الصوفية للولاية عن الولي الذي يتحقق بأحد الأسماء الحسنى مثل الأول والآخر والظاهر والباطن، بعنوان «الكامل التام» (القشيري، 262).
وفي نهاية القرن ذاته طرح حسين بن منصور الحلاج مفهوم الإنسان الكامل المتمثل في الشخصية المثالية لرسول الله (ص)، وفي نوع الإنسان والعالم. وقیل إنه كان يعتقد بـ «الإنسان» «الإلهي» أو «الإله الإنساني» وإن إدراكه لكلمة التكوين «كن» یتقارب مع الاستنتاج الذي قدمته الغنوصیة حول الكلمة الإلهية (ظ: برتلس‌، 38؛ ناس‌، 759). یقول الحلاج فی تفسیر «خلق عظيـم» (القلم، 68 / 4): إن أخلاق النبي محمد (ص) عظيمة لأنـه لم يرض بالأخلاق البشرية ولم يتوقف عند الصفات الإلهية وكان مدركاً لذات الحق فانياً فيها (ظ: السلمي، 1 / 286). كما يعتقد الحلاج في تفسير للآية 35 من سورة النور (24) بأزلية محمد (ص) قائلاً بأن لیس في الأنوار نور أنور من النور المحمدي، ذلك النـور الـذي سبق وجوده العـدم (ظ: الحـلاج، 11؛ أيضـاً ظ: عفيفي، «نظريات ... »، 67). ومن جهة أخرى كان الحلاج يعتقد بالاتحاد وعين الجمع ويعتبر أن الروح الإلهية تحل في الإنسان إثر الزهد الجسمي والروحي لتبلغ به مرحلة يسخر له فيها كل شيء ويصبح حكمه كحكم الله (ظ: ماسينيون‌، عرفان ... ، 57، 59؛ أيضاً ظ: عفيفي‌، المقدمة‌، 36).
أما النفري فقد قدّم صورة دقیقة للإنسان الذي یستحق أن یکون جلیس الله. ویری أن جليس الله هو روح الوجود ومعناه؛ لأن الله تعالى يمنح القدرة للإنسان الجليس الذي جعله متشبهاً بصفاته لیسلط بها على العالم بالنيابة عنه، بحيث يرتبط بالله تعالى بدون واسطة من جهة، ويمنح العالم معناه ويعمل فيه باتصافه بالصفات الإلهية من جهة أخرى (ص‌ 72، 166، 209؛ أیضاً ظ: نویا، 324). إن تصوير النفري لجليس الله، يشبه بدقة نظرية ابن عربي حول الإنسان الكامل، ویشير إلی ذلک تفسير عفيف الدين التلمساني لجليس الله عند النفري بالإنسان الكامل (ظ: م.ن، 323-324). 
إن هذا النوع من الفكر الصوفي حول النبوة والإنسان المثالي في مجال التصوف الإسلامي، كان قد طرح قبل ابن عربي، لكن كان لابن عربي الفضل في تثبيت بحث الإنسان الكامل في التصوف الإسلامي وفي مجال الأنثروبولوجيا والكوسمولوجيا في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجریین، وطرح تجسده في صورة النبي والولي ومنح قضیة الخليفة الإلهي موضوعية في شخصيته وجعلها أحد أهم أركان فكرة وحدة الوجود. يرى ابن عربي أن أهم مظاهر الخلق الإلهية وأسماها هو النموذج البشري الذي يتجسد في آدم والكلمة الإلهية، وإنما هو الإنسان الكامل ( فصوص، 48 وما بعدها، 75 وما بعدها). وبتعبير تمثيلي، يعتبر ابن عربي أن نموذج الخلق الأول هذا يشبه «التاج أو طغرا» بعد البسملة في الکتاب السلطاني ویری بهذا التمثيل أن الإنسان الكامل هو التعين الأول ( الفتوحات، ط القاهرة، 12 / 522). ويتمتع هذا الإنسان بمجموعة من الحقائق الإلهية والحقائق الكونية؛ وهو إنسان جامع يمكن أن یطلق عليه «الكون الجامع» أو «الكلمة الجامعة» (م.ن، «عقلة ... »، 45، 94، الإنسان، 13-14؛ الجامي، 93).
ولقد خلق الله سبحانه وتعالى العالم على صورته، ولكن كان هنالك عالم عديم الروح، يشبه المرآة غير المصقولة، ولا يمكن له أن يجسد ظهورات الأسماء الحسنى وتجلياتها. ومن هذا المنطلق، فقد خلق الله سبحانه وتعالى صورة أخرى له تتمتع بالروح (الإنسان الكامل) وجعلها كالروح في جسد العالم وهو عديم الروح لكي تكون مثل الله وعینه ويرى الله فيها تجلياته. ولذلك يطلق على الإنسان الكامل «انسان العين» أو «عين الله»، حيث ينظر الحق إلى العالم ومظاهره بعینه (ابن عربي، فصوص، 48 وما بعدها؛ أيضاً ظ: الآملي، جامع، 380-381؛ باباركنا، 1 / 77- 78؛ عفيفى‌، المقدمه‌، 37- 38).
ويتحلى الإنسان الكامل بخلقة تامة، حيث خلقه الله سبحانه وتعالـى بيده وبكلمـة التكوين «كن» (آملـي، نص ... ، 1 / 305) ولم يبلغ كائن درجة الكمال التي بلغها؛ فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم وإن الفص یمنح الخاتم معناه ویجعله مقبولاً، ولقد جعل الله تعالـى هذا الفـص (الإنسان الكامل) یحمل جميـع أسمائـه (ابن عربي، ن.م، 50؛ الجامي‌، 82 -83؛ شاه‌ نعمت ‌الله‌، 2 / 205، 300، 313). وبما أن ابن عربي وأتباعه يعتبرون مظاهر الخلق وظواهره کافة مظاهر لأسماء الله الحسنى، ويعتقدون أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يقتضي صورة معینة في عالم الخلق، ولذلك فإن كل ظاهرة في عالم الخلق، هي تجل لاسم من أسماء الحق وقـد وجـدت بمقتضـاه ( الفتوحات‌، ط بـولاق‌، 2 / 468؛ أيضـاً‍ ظ: الخوارزمي‌، 1 / 24؛ الجيلاني‌، 2 / 50؛ الفيض‌، 116)؛ أما الإنسان الكامل فهو مظهر كامل ونتيجة لتعلق أسماء الله كافة؛ لأنه ذو نشأة كاملة ومظهره ناجم عن اسم الله الأعظم، ولأن اسم الله الأعظم يشمل أسماء الحق وصفاته کافة، فالإنسان الكامل مَظهر ومُظهر لكافة أسماء الحق وصفاته (ابن ‌عربي‌، ن.ص؛ الشعراني‌، 2 / 20؛ الخوارزمي‌، ن.ص؛ الطبسي‌، 515؛ السبزواري‌، 862؛ کوربن، 317). وبتعبير آخر فالإنسان الكامل هو مظهر للآية الكريمة «هو الاول وَالآخر والظّاهر والباطن...» (الحديد / 57 / 3). فهو الأول من حيث قصد الخلق والآخر من حيث فعل الله وهو الظاهر باعتبار الكلام والباطن باعتبار المعنى. ومن هذا المنطلق، فالإنسان الكامل بلغ علم كافة الأسماء ووصف «بجوامع الكلم» (الحكيم الترمذي، 275-276؛ أيضاً ظ: الذهبي‌الزنجاني‌، 169-170؛ قس‌: جامي‌، 100-101).
بعبارة أخری يعتبر ابن عربي أن عالم الخلق كتاب تشكل الكائنات كلماته، وليست تلك الكلمات (أو الأعيان) سوى مظاهر لأسماء الحق أوجدت جميعها «أم الكتاب»: «...وعنده أم الكتاب» (الرعد / 13 / 39)؛ والإنسان الكامل الذي هو مظهر كلمة الله الجامعة، هو مفرد كلمة هذا الكتاب (الخوارزمي، 1 / 37- 38)، ولذلک شبه بعض المتصوفة الإنسان الكامل بالبسملة؛ لأنه وكما تجمع البسملة كل ما جاء في الكتب السماوية من حيث الصورة والمعنى، فإن الإنسان الكامل يجمع جميع أسماء الله الحسنى أو جميع الأشياء في عالم الوجوب والإمكان (ظ: الآملي، ن.م 1 / 151).
ومع ذلك كله، فإن الإنسان الكامل الذي خرج من الوجود ذاته، ويرتبط بالله تعالى كارتباط الموج بالبحر ويتمتع بتجلي أحدية ذات الحق، وهو يساويه بنسبة الحقائق الذاتية ونفسه نفس رحمانية وما الآية الكريمة «... وَ ما رميْت‌ اذ رميْت‌ ولكن‌ اللّه رمى‌...» (الأنفال‌ /  8 / 17)» إلا مصداقاً لذلك (لاهيجي، 21؛ شاه‌ نعمت‌ الله‌، 1 /  258، 2 /  189؛ الجيلاني‌، ن.م؛ صدر الدين‌ الشيرازي‌، التفسير، 1 / 191-193). إنه إلهي ولكنه ليس الله؛ لأنه ورغم حمله لكافة الأسرار الإلهية (ابن عربي، الإنسان، 15)، والأسماء والصفات الإلهية، وتحققه بخاصية الاسم الأعظم؛ لكنه لايعرف حرفاً واحداً من حروف الاسم الأعظم ولم يبلغ صفة القدم (أبرقوهي، 335؛ القاضي سعيد، 1 / 404)؛ ولذلك یعتبره ابن عربي إنساناً حادثاً أزلياً ذا نشأة دائمة أبدية ( فصوص، 50). لكن هذا الإنسان أشرف وأفضل مافي العالم بأجمعه، وإذا كانوا يسمونه بالعالم الصغير ويسمون العالم بالإنسان الكبير (الفرغاني، 485؛ رسائل ... ، 3 / 212 وما بعدها)، لكن ذلك لا يعني أن الإنسان الكامل صغير ومختصر قياساً بالعالم؛ لأن العالم ورغم كونه كتاباً يشمل صور الأسماء الحسنى، إلا أنه ولوحده لا يمثل سوى جسد عديم الروح اكتسب معناه وروحه بخلق الإنسان الكامل والذي يعتبر هو الآخر كتاباً يشتمل على معاني أسماء الحق الحسنى. ومن هذا المنطلق، يحتاج العالم إلى الإنسان الكامل، بينما لا يحتاج الإنسان الكامل إلى العالم. فصغر الإنسان إذن إلى جانب كبر العالم هو حسب الصورة، أما من حيث المعنى فالإنسان عالم كبير والعالم إنسان صغير (ابن‌ عربي، الفتوحات‌، ط بولاق‌، 2 / 67، 3 / 11؛ صدر الدين القونوي‌، الإعجاز... ، 3-4؛ البقاعي‌، 40؛ أيضاً ظ:  مولوي‌، دفتر 4، البیت 3766‌؛ ظ: بدوي‌، 147).
ورغم أن الملائكة مقربة من العرش، إلا أنها لم تبلغ قرب النوافل وبالتالي لم تصل إلى مرتبة الإنسان الكامل والذي يعتبر معلّماً لها (ابن‌ عربي‌، ن.م، ط القاهرة‌، 9 / 232؛ أيضاً ظ: الخوارزمي‌، 1 / 67؛ لاهيجي‌، 82). ويمثل الإنسان الكامل عمود الخلق، وكما يعجز المنزل أو الخيمة عن الثبات بدون عمود، كذلك العالم فهو لا يقوم دون الإنسان الكامل (ابن‌ عربي‌، الإنسان، ن.ص؛ الآملي نص، 1 / 304-305). وكما يعتبر الإنسان الكامل سبب إيجاد العالم، فهو سبب بقائه أيضاً؛ إنه برزخ وواسطة بين الحق والخلق وبين الوجوب والإمكان؛ ونظراً للنشأة الكاملة التي يتمتع بها، فهو في مرتبة الاعتدال؛ وبسبب وجهه الحق، فهو ينهل من فيض الحق ويوصله إلى الخلق بوجهه الخلقي، وبحفظه لهذا الاعتدال، یستطیع إیجاد الوحدة والعدالة في هذا العالم (الخوارزمي‌، 1 /  68 وما بعدها؛ لاهيجي‌، 588؛ صدر الدين‌ القونوي‌، الفكوك‌، 93-94؛ الفناري‌، 281- 282؛ جامي‌، 97؛ صدر الدين الشیرازي‌، ن.م، 4 / 130).

 

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: