وأحد الأسباب المهمة لمعارضة الإخوان للتحدیث الغربي هو اعتقادهم أن هذا الأمر لاینطوي إلا علی الاستعمار و القضاء علی الإسلام و إقصاء روح الثقافة الدینیة للمسلمین (بیومي، 155-156). ویبدو أن تعلم اللغات الأجنبیة هو أیضاً بحسب رأیهم سبیل إلی معاداة الإسلام و تقویة المسیحیة (م.ن، 301-302). وبطبیعة الحال رغم الاراء التفصیلیة التي قدمها مفکرو الإخوان بشأن الغرب و الحضارة الغربیة الحدیثة، فإن رؤاهم في هذا المجال لیست دقیقة وواضحة بالقدر الکافي (الحسیني، 185-188). ویمکن القول إنهم لم‌یحارضوا العلوم والفنون والعلم الحدیث للغرب کاملاً، کما لم‌یکن البنا یعارض انتفاع الناس بنمط الحیاة الحدیثة، لکن ضمن إطار المعارف و العقائد الإسلامیة (ن.م، 365؛ بیومي، 300-301). ومع کل هذا، فقد عدد أهم أسس و مستلزمات الحضارة الأوروبیة وأظهر إفسادها و تعارضها الدین الإسلامي (ن.م، 244-245). وفي الحقیقة، فإن الإخوان لم‌یکونوا یعارضون العلوم الحدیثة في الغرب، بل یعارضون فصل الدین عن السیاسة والحکم، وکذلک الإباحیة و المادیة السائدة في الغرب (بیومي، 154-156).

تنظیم الإخوان و أسالیبهم في العمل

کانت هذه الجمعیة تستخدم أسالیب مختلفة لتحقیق أهدافها و مبادئها العقائدیة، و رغم أن هذه الأسالیب کانت في الغالب متغیرة و متباینة، بل و متعارضة، إلا أننا نورد أهم عوامل استمرار مقاومة الإخوان و أشد أسالیب مقاومتهم رسوخاً فیما یلي:

تنظیم الإخوان المسلمین

کانت تنظیمات الإخوان القویة و المنسجمة من أکثر عوامل انتشار أفکارهم و نجاحهم في بعض المیادین. ومما لاشک فیه أن هذا التنظیم مدین لذکاء حسن البنا و رؤیته التنظیمیة و کذلک لما یتمتع به من نفوذ بین أتباعه (الحسیني، 16؛ بیومي، 76—77). وقد أورد البنا نفسه في «رسالة التعلیم» قسماً من الأسس التي یقوم علیها تنظیم الإخوان (ظ: مجموعة، 11-37). وإن ما قیل من أن الإخوان کان لهم في 1367هـ/ 1948م حوالي 2,500 فرع و مایقارب النصف ملیون عضو في مصر، إنما کان نتیجة هذا التنظیم القوي (السعید، 80-81). ویقف علی رأس الجمعیة المرشد العام الذي یمارس قیادة الإخوان من الناحیتین السیاسیة و النظریة عن طریق مکتب الإرشاد. و ینتخب أعضاء هذا المکتب من بین أعضاء المجلس التأسیسي بواسطة المرشد العام (الحسیني، 164). وبعد مکتب الإرشاد، یأتي المرکز العام الذي یتألف من أعضاء الهیئة التأسیسیة ومکتب الإرشاد (ن.ص؛ السعید، 50-51). ویحتفظ المرشد العام بمنصبه مدی الحیاة ویحق عزله للهیئة التأسیسیة فقط (الحسیني، 39).

دوّن أول نظام داخلی لإدارة شؤون جمعیة الإخوان في السنوات 1348-1349هـ. وفي 1367هـ/ 1948م صودق علی هذا النظام في مجلس الشوری العام للجمعیة تحت عنوان «دستور الإخوان المسلمین» بعد إعادة النظر فیه. و علی عهد رئاسة الضیبي أیضاً صودق علی القوانی السابقة و أدخلت تعدیلات علی قوانی أخری (آقائي، 201، 206-253).

ویبدو أن أول مؤسسة مرتبطة بتنظیمات الإخوان کانت «مدرسة أمهات المؤمنین» التي أسست في محرم 1352 بالإسماعیلیة. ویعد 10 سنوات ظهر أیضاً تنظیم«القیادة المرکزیة للنساء المسلمات» في المرکز العام للإخوان، والذي کانیمارس نشاطات اجتماعیة، بحیث کانت هؤلاء النسوة بزعامة زینب الغزالي یأخذن علی عواتقهن دوراً مهماً في إعالة أسر السجناء من أعضاء جمعیة الإخوان خلال سنوات النشاط السري لهم و قمعهم (الحسیني، 102-103؛ السعید، 72-73؛ بیومي، 294-296). کما کانت مؤسسة التعاون الأسري من بین المؤسسات المرتبطة بالإخوان التي ظهرت إلی الوجود سنة 1362هـ وکان الهدف منها – کما أعلن البنا – خلق روح التعاون الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بین الأسر المسلمة (مجموعة، 33-37). وکان تنظیم الجوّالة شبه العسکري یعدّ هو الآخر الجناح العسکري للإخوان وقد اختیر أعضاؤه من بین صفوف أکثر الإخوان إخلاصاً ووفاءً (الحسیني، 164؛ السعید، 70، 127؛ ماردیني، 55). کما کان فریق «کتائب أنصار الله» بدوره فریقاً آخر إلی جانب الجوالة، وکان هدفه تعلیم أعضاء الجمعیة عقائدیاً و أخلاقیاً، کما کانت علی عاتقه مهمة إیجاد العلاقات بین الأعضاء (السعید، 70-71).

ویبدو أن أهم قسم تنظیمي في جمعیة الإخوان کان «الجهاز السري» الذي ذکر تاریخ تأسیسه باختلاف من بدایة تأسیس الجمعیة إلی 1942م (الحسیني، 247، 248؛ البشري، 369). وکان أعضاء هذا الجهاز السري یِختارون من بین أفضل الأشخاص والمجرَّبین والأوفیاء في جمعیة الإخوان ویقسمون علی طاعة المرشد العام و الجهاد في سبیل الإسلام (الحسیني، 165-166، 251-252). وکانوا علی الدوام علی أهبة الاستعداد لاستخدام السلاح ولم‌یکن یعرف بمهماتهم، سوی المرشد العام (السعید، 272؛ البشري، ن.ص). و رغم عدم توفر معلومات دقیقة عن سبب تأسیس هذا الجهاز، لکن یمکن تلخیص أهدافه في معارضة الحکومة آنذاک و مقارعة الأعداء في الداخل و الخارج والتنظیمات الشیوعیة و طرد المحتلین الإنجلیز و تحریر البلاد الإسلامیة (الحسیني، 249). کما قیل إن هذا الجهاز کان أداة بید المرشد العام لتطهیر جمعیة الإخوان من معارضیه (البشري، 62). و کانت عملیات الاغتیال التي یخطط لها الإخوان تتم علی أیدي أعضاء هذا الجهاز. و قد تمکن الضیبي فیما بعد – بطبیعة الحال – من السیطرة – إلی حدما – علی النشاط العنیف للجمعیة (الحسیني، 253). ولاتتوفر معلومات عن عدد أعضاء هذا الجهاز و کذلک أحواله في السنوات الأخیرة، بل کان عمر التلمساني المرشد العام السابق ینکر أصلاة وجود تنظیمات مسلحة داخل الجمعیة (ظ: آقائي، 240).

لم‌تکن أنشطة جمعیة الإخوان منذ تأسیسها تنظیمیة و دینیة و سیاسیة فحسب، بل کان أعضاؤها یقومون بجهود واسعة لتحسین أوضاع الناس الاجتماعیة و الاقتصادیة و الثقافیة عن طریق إیجاد مؤسسات مستقلة. وإن الاهتمام بهذا النوع من الأنشطة ناجم عن نظرة الإخوان إلی الاقتصاد الذي کانوا ینظرون إلیه بمنظار دیني، ویولون اهتماماً کبیراً لمشکلاته بوصفها معضلات اجتماعیة و معاشیة، لهذا کانوا یسعون إلی تقدیم نظام اقتصادِ إسلامي واضح (ظ: مجموعة، 417-443). و ربما کان أشمل صورة لهم عن الاقتصاد الإسلامي قد عرضت في المبادئ التي ذکرها البنا في مقالة «مشکلاتنا الداخلیة في ضوء النظام الإسلامي»، و یمکن أن نشیر إلی بعض هذه المبادئ فیمایلي: توفیر فرص عمل للجمیع؛ الانتفاع بمصادر الثروة الطبیعیة؛ السعي لتوفیر الهدوء والاستقرار للجمیع؛ الاعتراف بالملکیة الخاصة واحترامها إلی الحد الذي لاتتعارض معه و المصلحة العامة؛ تنظیم نظام المعاملات النقدیة و المالیة (ن.م، 422-424).

ولأجل تطبیق المبادئ المذکورة قام الإخوان بإجراءات في المدارس و الجامعات، أو في أوساط الفلاحین و العمال. وفقد کان المعلمون المؤیدون لجمعیة الإخوان، أو الأعضاء المنتمون إلیها یسعون في تعلیم الناس وخاصة الأطفال و الشباب في المدارس، أو في أي مکان یتمکنون من الوصول إلیه، إلا أن الجمعیة لم‌تکتفِ بهذا، بل أنشأت هي مدارس قوبلت بترحیب الناس. وکانت جهود الإخوان في التربیة والتعلیم واسعة النطاق (الحسیني، 95-98؛ السعید، 75-76). ومع الدخذ بنظر الاعتبار موقف جمعیة الإخوان المعارض للجماعات لم‌یبدِ الطلبة و خاصة البنات منذ البدء ترحیباً کبیراً بالجمعیة، إلا أن الجمعیة أظهرت اهتماماً أکبر بشؤون الدراسة الجامعیة و طالبة الجامعات. لذا فقد خُصص للجامعیین مکان في المرکز العام و قسم خاص في نشرة الإخوان. ولما بادرت الجمعیة إلی تعیین ممثلین لها في الجامعات المصریة أخذت أعداد الجامعیین المؤیدین لها بالازدیاد (بیومي، 309-310؛ السعید، 73).

کانت أنشطة الإخوان واسعة وفاعلة في أوساط الفلاحین المصریین، فقد بادرت الجمعیة منذ بدء تأسیسها إلی دعم الفلاحین وطالبت بتعلیمهم و الضمان الصحي لهم و استخدام الأسالیب الزراعیة الحدیثة و التخلي عن الاقتصادر علی منتوج واحد في الزراعة. ولأجل تحقیق أهدافها و نشر دعوتها بین الفلاحین، قامت الجمعیة بإجراءات عدیدة منها: تنظیم المحاضرات، تشکیل مجامیع لإحداث تغییرات في الزراعة و إصلاح الزراعة السیحیة، إطعام الفقراء، توزیع زکاة الفطرة علی المحتاجین، الحکم في اخلافات الناشبة بینهم و حلّ النزاعات، ککفالة الأیتام وإنساء المساجد و المستشفیات و المستوصفات. و في سبیل متابعة هذه الإجراءات، کان قادة الإخوان و بشکل خاص حسن البنا، یسافرون أسبوعیاً إلی المناطق الریفیة، کما کان إنشاء المدارس المسائیة للفلاحین و العمال من بین إنجازات الإخوان. و کان لهم أیضاً دور مهم و فعال في مکافحة الأمراض الساریة مثل الملاریا. و کان هذا النوع من النشاطات یزید من شعبیة الإخوان بین الفلاحین من جهة، و من جهة أخری یؤدي إلی سخط الإقطاعیین الشدید فیجعلهم یحرضون الحکومة علی الوقوف بوجه الإخوان. ورغم کل ذلک،کان الإخوان یؤکدون دائماً علی الحریة السیاسیة و الإصلاح الاقتصادي عن طریق الإصلاح الزراعي و تحسین أوضاع الفلاحین (بیومي، 307-309؛ السعید، 76).

کما کانت جمعیة الإخوان تمارس نشاطها علی نطاق واسع في أوساط العمال، و لما کان مؤسسوها أنفهسم من العمال، فقد کانوا یولون اهتماماً أکبر لقضایا العمل و العمال، و من جهة أخری کان العمال بدورهم و یقبلون بشکل واسع علی الجمعیة. وفي نفس الوقت، لم‌یکن لدی الجمعیة خلال السنوات الأولی لتأسیسها مشروع خاص بالعمال، وکانت تکتفي بالدعوة الدینیة و تقدیم الدعم المعنوي للعاطلین و مساعدتهم في العثور علی أعمال، کما کانت الأوضاع الاجتماعیة في فترة الحرب العالمیة ذات أثر في میل العملا للإخوان. و بعد نهایة الحرب العالمیة، نشط القسم العمالي في جمعیة الإخوان بشکل واسع وخصصت مجلة هذه الجمعیة في 1366هـ/ 1947م للعمال باباً قائماً بذاته وطالبت الدولةَ بزیادة أجور العمال و تشجیع الصناعات الوطنیة و الحد من الرأسمالیة. وکانت الحرکة العمالیة مفي صفوف الإخوان تستخدم الإضرابات سلاحاً لإحقاق حقوقهم و مقارعة الرأسمالیة (بیومي، 304-305).

وفي نفس الوقت، کانت الجمعیة تولی اهتماماً کبیراً لاستثمار رؤوس الأموال و الإنتاج الوطني، و خلال الثلاثینات أسست الجمعیة 7 شرکات صناعیة و تجاریة کان أعضاؤوها من الإخوان (الحسیني، 104-105؛ بیومي، 187). وکان الهدف من تأسیس هذه الشرکات إلغاء التبعیة للأجنبي و تدعیم الرأسمالیة الوطنیة في الاقتصاد و الصناعة و توفیر الرفاهیة للعمال و منافسة الشرکات الأجنبیة و مقاومة الاستعمار (الحسیني، 105-107). وبطبیعة الحال، فإن الهدف الإعلامي و توسیع نطاق دعوة الإخوان کان مأخوذاً بنظر الاعتبار. و لهذا کان یتم إلی جانب إنشاء ورشات صناعیة و إنتاجیة، تأسیس مساجد و مراکز للتعلیم الدیني (م.ن،29). وفي الشرکات الاقتصادیة التابعة للإخوان شارک العمال لأول مرة في تاریخ مصر برؤوس أموالهم (م.ن، 105)، إلا أن الحکومة لم‌تکتفِ بعدم دعم هذه الإجراءات، بل هبّت لمعارضتها أیضاً (م.ن، 105-106).

وفضلاً عن ذلک، کان لتنظیم الإخوان «قسم الإحسان و الخدمات الاجتماعیة » أیضاً،و الذي یتولی الأعمال الخدمیة و الإسعافیة و مساعدة المحرومین و المسنّین (م.ن، 98؛ التوبة، 217-218). وفي 1367هـ/ 1948م کان لهذا القسم من جمعیة الإخوان 500 مرکز (السعیدفن.ص). وبدمرٍ من البنا أیضاً أسس في 1363هـ القسم الطبي فأنشئت مستوصفات و مستشفیات عدیدة (ن.ص؛ التوبة، 212).

ورغم أن تنظیمات الإخوان کانت قد نشأت في أوساط الطبقات المحرومة و الوسطی مثل صغار الموظفین وطلبة الجامعات و الفالحین والحرفیین و العمال، فقد طرح هذا السؤال وهو: ماهو مصدر ثروة الجمعیة و رؤوس أموالها؟ لذا کانت تُتهم دائماً بتلقیها مساعدات مالیة من أمیرکا و بریطانیا و الحکومة المصریة. کما قیل إن بعض الإقطاعیین والرأسمالیین کانوا یدعمون الإخوان مادیاً لتشجیعهم علی مجابهة الشیوعیة (السعید، 76-78)

الإعلام الواسع و العالمي لجمعیة الإخوان

منذ بدء تأسیس جمعیة الإخوان کان البنا یولي اهتماماً کبیراً للإعلام و نشر أفکار الجمعیة داخل مصر و خارجها، وکان یسعی إلی إقامة علاقات فکریة و تنظیمیة جادة بین الإخوان و بقیة المسلمین (الحسیني، 154-155)، ولأجل هذا بادر إلی العمل علی 3 محاورک الإعلام الداخلي في مصر، الرسائل إلی حکام البلدان الإسلامیة، تأسیس فروع للجمعیة في العالم الإسلامي. فعلی صعید الإعلام الداخلي، کانت الخطوة المهمة الأولی تأسیس مجلة الإخوان المسلمون التي صدرت عام 1352هـ/ 1933م باعتبارها النشرة الرسمیة الناطقة باسم الإخوان، و تواصل صدورها مدة 14 سنة (السعید، 73-74). ثم صدرت أیضاً أسبوعیات و شهریات و فصلیات علی مختلف المستویات ولشتی القطعات و کذلک مئات الکتب لنشر أفکار هذه الجمعیة، وأشهر الأسبوعیات هي النذیر و الدعوة و المسلمون (الحسیني، 34-35، 47، 94).

وبعد اتساع نطاق الجمعیة في مصر، بدأ البنا ببذل جهود حثیثة لنشر دعوة الإخوان علی صعید العالم الإسلامي، خاصة في البلدان الإسلامیة و الحکام المسلمین. فمنذ سنة 1935م و ماتلاها، أرسل رسائل کثیرة إلی بعض الملوک و رؤساء الوزراء العرب و المسلمین، وکان أهم مطالبه فیها أیضاً هو تطبیق أحکام الشریعة و إصلاح المجتمع الإسلامي علی أساس الدین، و الدعوة إلی عدم الانبهار بالغرب (الحسیني، 32، 89-92، 135). وکانت هذه الرسائل رصینة من حیث البیان، و عظیة وإلی حدّما تنطلق من موقع قوة من حیث المضمون (کنموذج، ظ: مجموعة، 183 ومابعدها). و من بعد البنا واصل خلیفته الضیبي نفس الأسلوب (الحسیني، 208).

وتزامناً مع اتساع نطاق حرکة جمعیة الإخوان داخل مصر، قرر البنا أن یؤسس فروعاً لها في بقیة البلدان العربیة و الإسلامیة أیضاً. لذا، أسست في السنوات 1365-1368هـ/ 1946-1949م فروع للجمعیة في لبنان و فلسطین و السودان و مکة و الأردن و شمال و شرق أفریقیا و في المغرب بأسره (م.ن، 135-136، 144-153)، کان أهمها وأکثرها قوة الفرع المرکزي بدمشق. وکان لتنظیمات الإخوان في سوریا من الأهمیة ماجعل الأنظار تتجه إلیه و بشکل خاص إلی شخصیة مصطفی السباعي المرموقة و ذلک بعد اغتیال البنا (م.ن، 140-141، 270). وفي نفس الوقت، ینبغي الانتباه إلی أن جمعیة الإخوان في سوریا وکذلک بقیة فروعها في البلدان الإسلامیة کانت لها مواقف تختلف عن مواقف الجمعیة في مصر.

التعاون مع البلاط المصري

من القضایا المثیرة للجدل بشأن جمعیة الإخوان علاقتها بالبلاط المصري خلال السنوات العشرین الأولی من تأسیسها، فواضح أن العلاقات کانت حسنة بینهما منذ البدء و حتی السنوات 1365-1366هـ/ 1946-1947م، و لما توفي الملک فؤاد، تحدثت عنه مجلة الإخوان خیراً وبادرت إلی تأیید خلیفته فاروق وسعت إلی تقدیمه بوصفه حاکماً مسلماً و مؤدیاً للفرائض و حامیاً للإسلام (بیومي، 206-208). وربما کان دعم الإخوان للملک فاروق لأنهم کانوا یرونه شخصاً مناسباً لمساعدتهم علی تحقیق أهدافهم الدینیة والسیاسیة، و قد عقدوا علیه الآمال. فحاول فاروق في بدء حکمه الظهور بمظهر خلیفة العلام الإسلامي، کما أخذ علی عاتقه إمامة الجمعة و أیّد مؤتمر فلسطین و أرسل إلی لندن ممثلین للمشارکة في هذا المؤتمر، و کان هذا النوع من الأعمال مدعاة لسرور الإخوان. وقد أدت مبایعة الإخوان للملک بوصفها عملاً شرعیاً وتلقیبهم إیاه بأمیر المؤمنین و کذلک مطالبتهم بحل الأحزاب إلی خلق حالة من الاضطراب في صفوف بقیة الأحزاب، خاصة حزب الوفد، رغم مابعثه ذلک من سرور لدی الملک ورجال البلاط، ذلک أن الأحزاب کانت تعتبر أفکار جمعیة الإخوان ومطالبها خطراً یهدد الدیمقراطیة والحریة و النظام البرلماني، و تسعی إلی تحویل أنظار الملک بعیداً عن هذه الجمعیة. وفي نفس الوقت، کان الملک و رجال البلاط ینتفعون علی مدی سنوات من دعم الإخوان في مواجهة الوقد و بقیة الأحزاب (م.ن، 208-211).

وبعد انتهاء الحرب العالمیة الثانیة، ساد التوتر العلاقات بین البلاط والجمعیة حول قضیة فلسطین و قضایا أخری، و انتهی الأمر إلی حل الجمعیة و مقتل البنا، إلا أن الملک حاول بعد قتل البنا التقرب إلی الإخوان، لاعتقاده أنه یستطیع الاستفادة من نفوذهم الکبیر في مواجهة الضباط الذین کانوا یهددون حکومته آنذاک (الحسیني، 219-220). کما کان فاروق ینوي الانتفاع من قوة الإخوان فيمواجهة حزب الوقد الذي کان قد تسلم السلطة حدیثاً (البسري، 370). ولذا، فقد تحسنت إلی حدّما علاقات الإخوان بالبلاط و التقي الضیبي مرشد الإخوان الجدید – الذي کان قد انتخب بإشارة من الملک _ مراراً بالملک في 1370-1371هـ/ 1951-1952م و حاول الاثنان نسیان الماضي، رغم أن الکثیرین من أعضاء الجمعیة کانوا یدینون هذه اللقاءات و تقرّب الإخوان من البلاط (الحسیني، 216-219)، بل إن أشخاصاً ذوي مواقف أخری أیضاً کانوا ینتقدون علاقات الإخوان بالبلاط بشکل عام (ظ: السعید، 97، 104).

علاقات الإخوان بالحکومات و الأحزاب

رغم أن البنا کان قد أکد مراراً أن جمعیة الإخوان لیست حزباً سیاسیاً، و مع أنه کان یری أن النظام المتعدد الأحزاب یتعارض والإسلام و مصالح الأمة (مجموعة، 349، 407)، فإن جمعیة الإخوان فينفس الوقت و بعد خوضها الصراع السیاسي والاجتماعي، أصبحت عملیاً بشکل حزب سیاسي واضطرت إلی أن تراعي إلی حدّ کبیر قواعد اللعبة السیاسیة و تعمل بأسالیب السیاسیین.

ولماکانت الجمعیة تری نفسها علی الدوام أکثر شمولیة من الأحزاب السیاسیة، فربما کان متوقعاً إما أن تنحلّ الأحزاب الأخری، أو أن تدمج فیها (ظ: ن.م، 278-279). وکان هذا الأمر یؤدي إلی بروز صراعات وعداوات مستعمرة بین الإخوان و بقیة الأحزاب. و مع کل ذلک، فقد کانت علاقة الإخوان بالأحزاب و المنظمات و الجمعیات الإسلامیة علی عهد البنا جمیمة وودیة إلی حدّما، کما کانت هذه الأحزاب تأتلف أحیاناً حول محور جمعیة الإخوان، أو حول خطط معینة (بیومي، 257-258؛ البشري،171)، رغم أن الخلافات الفکریة و برامج العمل السیاسي بینهما لم‌تکن قلیلة. وقد أشار البنا مراراً إلی هذه الخلافات الفکریة و برامج العمل السیاسي بینهما لم‌تکن قلیلة. وقد أشار البنا مراراً إلی هذه الخلافات (مجموعة، 313-314، 318-320؛ بیومي، 1350، 212-213، 231-234).