الاقبالیة

اَلْإقْباليَّة، اسم لمدرستين معروفتين هما الإقبالية الشافعية والإقبالية الحنفية في دمشق، خاصتين بتدريس أتباع المذهبين الشافعي والحنفي في تلك الديار، أنشأهما أوائل القرن 7ه‍ / 13م جمال الدين إقبال (تـ 604ه‍ / 1207م في القدس)، من خدام الدولة الأيوبية ونُسبتا إليه (أبو شامة، 59؛ النعيمي، 1 / 158-159). 
ولاتعرف على وجه الدقة حياة وسيرة جمال الدين، أو جمال الدولة إقبال، باني هاتين المدرستين وواقفهما. ويستفاد من التلميحات التاريخية القليلة أنه كان من أمراء جيش الخليفة العباسي المسترشد، غادر بعد مقتله (529ه‍( بغداد إلى تكريت وانضم إلى حاكم تلك المنطقة، الأمير مجاهد الدين بهروز؛ لكنه عـاد إلى بغداد على عهـد الخليفة العباسي الراشد (تـ 530ه‍(، غير أنـه سجن بأمر منه. وبعد فترة قصيـرة أطلق عماد الدين زنكي (تـ 541ه‍( سراحه وجعله في عداد غلمانه (ابن الأثير، 10 / 678، 11 / 25، 28، 36). ومنذ ذلك الحين وما تلاه ظل إقبال فترة طويلة حتى وفاته غلاماً في بلاط نور الدين زنكي (حك‍ 511-569ه‍( وصلاح الدين الأيوبي (حك‍ 569-589ه‍( والخاتون الجليلة ست الشام (تـ 616ه‍(، شقيقة صلاح الدين. 
ويبدو أن هاتين المدرستين أسستا في بداية القرن 7ه‍‍ ، ذلك أن تاريخ 603 أدرج على نقش الإقبالية الحنفية. لكن سنة 573ه‍ أيضاً ذكرت لتأسيس هاتين المدرستين مما يمكن التشكيك به (ابن شداد، الأعلاق... ، 210؛ العلبي، 101). وعلى هذا، لايمكن معرفة تاريخ تأسيسهما على وجه الدقة. لكن ينبغي الانتباه إلى أن هاتين المدرستين هما غير المدارس الشرابية المنسوبة إلى إقبال الشرابي في بغداد وواسط ومكة والتي سميت أحياناً بالإقبالية أيضاً (ظ: النعيمي، 1 / 159-160؛ معروف، 7، 441). وإلى جانب تأسيسه هاتين المدرستين، وقف إقبال اثنين من بيوته عليهما، فخصص البيت الأكبر للمدرسة الشافعية والأصغر للمدرسة الحنفية، كما وقف ثلثي أمواله الخاصة على المدرسة الشافعية والباقي على المدرسة الحنفية (أبو شامة، ن.ص؛ النعيمي، 1 / 159). 
كانت المدرسة الإقبالية الشافعية تقع داخل محلتي باب الفرج وباب الفراديس بدمشق، وبينها وبين المدرسة الإقبالية الحنفية كان يقع الجامع الأموي والمدرستان الجوانية والجاروخية (م.ن، 1 / 158-159؛ شميساني، 68-69). وفيما عدا تعليم فقه المذهبين الشافعي والحنفي اللذين خصصت لهما هاتان المدرستان، لاتتوفر معلومات عن تدريس بقية الفروع العلمية وكذلك الكتب الدراسية فيها. ويستشف فحسب من تراجم حياة الفقهاء والقضاة المعروفين الذين كانت لهم كراسي تدريس في الإقبالية ومكانتهم العلمية، أن أصول الفقه والحديث والعلوم القرآنية والرجال واللغة والنحو والأدب العربي ــ فضلاً عن الدروس الفقهية ــ كانت من بين الفروع العلمية في الإقبالية. 
وقد امتد النشاط التعليمي لهاتين المدرستين منذ بدء تأسيسهما أوائل القرن 7 حتى أواخر القرن 9ه‍ وهي فترة ازدهار التعليم والأنشطة الدراسية في الإقبالية. وفي هذه الفترة عمل عدد من الشخصيات العلمية بالتدريس في الإقبالية الشافعية وأشهرهم: شمس الدين أبو البركات يحيى الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سني الدولة (تـ 635ه‍( قاضي القضاة والمدرس في عدة مدارس بدمشـق؛ صدر الدين بن شمس الدين ابن سني الدولة (تـ 658ه‍( مـن تلامذة ابن عساكر الدمشقـي؛ ابن خلكان (تـ 681ه‍( المؤرخ والشاعـر والأديب ومؤلف وفيات الأعيان؛ محيي الدين النووي (تـ 676ه‍( الذي درّس في الإقبالية الشافعية لمدة نيابة عن ابن خلكـان؛ أبـو الحسن علاء الديـن القونـوي التبريـزي الشافعـي (تـ 729ه‍(؛ شهـاب الديـن محمـد بـن مجـد الإربلـي الدمشقـي (تـ 736ه‍( قاضـي قضاة دمشـق؛ تقـي الدين ابـن قاضي شهبـة (تـ 851ه‍( الذي كان يدرّس في الإقبالية بدلاً من أبيه منذ 838ه‍ (ابن شداد، ن.م، 234-235؛ الإسنوي، 1 / 548، 2 / 335؛ ابن كثير، 14 / 192؛ النعيمي، 1 / 160-166). 
ومن مشاهير مدرسي الإقبالية الحنفية ينبغي أن نذكر هؤلاء الأشخاص: ابن جنّان فخر الدين أبو الوليد محمد بن سعيد الكافي الأندلسي الحنفي؛ تاج الدين عبد العزيز بن سوار الحنفي؛ شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأصفهاني، المعروف بابن العجمي الحبطي؛ نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسـي الحنفي؛ أميـن الدين الحنفـي، الشهير بابن الآدمـي (تـ 795ه‍(، وابنـه أبوالحسن صـدر الديـن ابـن الآدمي (تـ 817ه‍( الذي كان يتولى ــ فضـلاً عن التدريس ــ نظارة ثلثـي أوقـاف المدرسة (ابن شداد، ن.ص، تاريخ ... ، 211؛ ابن قاضي شهبة، 3 / 184، 464؛ ابن العماد، 8 / 583). 
ومنذ القرن 10ه‍ وما تلاه وعصر هيمنة الأتراك العثمانيين على الشام، لاتتوفر لدينا معلومات عن استمرار نشاط هاتين المدرستين وما جرى لمدرّسيها وطلابها. وقد ورد في الآثار الخاصة بالمؤسسات العلمية والتعليمية في دمشق مما ألف في الفترات المتأخرة أن المدرستين الإقباليتين كلتيهما تداعت بمرور الأيام وتحولت خرائبها إلى مساكن لحراسهما إلى أن استخدمت الإقبالية الشافعية مدرسة للبنات، والإقبالية الحنفية مدرسة للبنين وذلك في أواخر الحكم العثماني في 1324ه‍ وأصبحت من ممتلكات إدارة المعارف بدمشق (الحصني، 3 / 942؛ العلبي، 102). ويرى أكرم حسن العلبي الذي تابع تاريخ هاتين المؤسستين العريقتين بدمشق حتى 1400ه‍ أنه عقب تأسيس مدرستي البنات والبنين في الإقباليتين الشافعية والحنفية، افتتحت في الفترة الأخيرة مدرسة أخرى، باسم الدكتور عبد الرحمان الشهبندر في ذلك الموضع ويحتمل أنه كان موضع الإقبالية (ن.ص). ويقع موقع الإقبالية الحنفية اليوم في الجبل المعروف بالسبع طوالع وقبالة الحمام القديم، المنسوب للملك الظاهر بيبرس المملوكي. والأثر الباقي الوحيد من هذه المدرسة هو النقش الذي مايزال يشاهد فيه اسم الباني وتاريخ بناء المدرسة ويحمل تاريخ ذي القعدة 603ه‍ (م.ن، 101، 172؛ كرد علي، 6 / 75، 88). 

المصادر

ابن الأثير، الكامل؛ ابن شداد، محمد، الأعلاق الخطيرة، تق‍ : سامي الدهان، دمشق، 1375ه‍ / 1956م؛ م.ن، تاريخ الملك الظاهر، تق‍ : أحمد حطيط، فيسبادن، 1403ه‍ / 1983م؛ ابن العماد، عبد الحي، شذرات الذهب، بيروت، 1413ه‍ / 1992م؛ ابن قاضي شهبة، أبو بكر، تاريخ، تق‍ : عدنان درويش، دمشق، 1977م؛ ابن كثير، البداية والنهاية، تق‍ : أحمد أبو ملحم وآخرون، بيروت، 1407ه‍ / 1987م؛ أبو شامـة، عبد الرحمان، تراجم رجال القرنين السادس و السابـع، تق‍ : محمد زاهد الكوثري، القاهرة، 1366ه‍ / 1947م؛ الإسنوي، عبد الرحيم، طبقات الشافعية، تق‍ : عبد الله الجبوري، بغداد، 1390ه‍ / 1970م؛ الحصني، محمد أديب، منتخبات التواريخ لدمشق، دمشق، 1353ه‍ ‍؛ شميساني، حسن، مدارس دمشق في العصر الأيوبي، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ العلبي، أكرم حسن، خطط دمشق، دمشق، 1410ه‍ ؛ كرد علي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1403ه‍ / 1983م؛ معروف، ناجي، المدارس الشرابية، القاهرة، 1367ه‍ ؛ النعيمي، عبد القادر، الدارس في تاريخ المدارس، تق‍ : جعفر الحسني، دمشق، 1367ه‍ / 1948م.

نورالله كسائي / ه‍