اَلْأَسْوَدُ بْ‍نُ يَزيدَ النَّخَعيّ، أبو عمرو، أو أبوعبدالرحمان (تـ 75ه‍/694)، من تابعي الكوفة المعروفين و أحد الزهاد الثمانية.

روي أنه أدرك عصر ماقبل الأسلام، دون أن يحدد تاريخ ولادته (العجلي، 67؛ الذهبي، سير..، 4/50) فهو يعتبر اصطلاحاً من المخضرمين. و قد اعتبرت بعض المصادر القديمة الأسود من الطبقة الأولى للتابعين لأنه لم‌يكن قد رأى النبي (ص) (ابن سعد، 6/66، 70؛ ابن عبدالبر، 1/92)، و لكن الآخرين عدوه من الصحابة لأنه آمن في عهد نبي الإسلام (ص) (ن.ص؛ ابن حجر، 1/343). ذكرت غالبية المصادر أن سنة وفاته 75ه‍، و ذكر البعض الآخر 74 أو 76ه‍ (ابن سعد، 756؛ خليفة، 1/352-353؛ البخاري، التاريخ الصغير، 1/182؛ ابن قتيبة، 434؛ ابن حبان، 4/31؛ الذهبي، ن.م، 4/53).

ينحدر نسبه إلى رهط «نخع» من قبيلة مَذْحِج اليمنية الكبيرة. و قد نشاء في أسرة عرفت بالعلم، فعمه علقمة بن قيس، وابن‌أخته إبراهيم النخعي، و عبدالرحمان بن الأسود ابنه، كانوا من مشاهير عصره (المزي، 3/233؛ الذهبي، ن.م، 4/50). و قد عمدت الكثير من المصادر إلى مقارنته بعلقمة في درجاته الروحية، و اعتبرته في الغالب أفضل من علقمة في العبادة و الزهد (ابن‌سعد، 6/ 89؛ البخاري، التاريخ الكبير، 1(1)/404؛ أبونعيم، 2/104). و قد أشيد كثيراً بعلمه و اجتهاده في أمر الحديث، حتى إن أحمد بن حنبل روى أنه توجه من العراق إلى المدينة لسماع رواية كانت قد نقلت عن عمر، و لم‌يقتنع حتى سمعها بنفسه من عمر (الخطيب، 197).

و يمكننا أن نذكر من الصحابة الذين روى عنهم علياً (ع) وأبابكر و ابن مسعود و معاذ بن جبل و أباموسى الأشعري وعائشة و بلال الحبشي و حذيفة بن اليمان و أم سلمة، كما نرى في عداد مشايخ روايته أسماء تابعين مثل عبيد بن عمير (ظ: ابن‌سعد، 6/70؛ الدارمي، 2/562؛ الطبري، 2/390؛ الطوسي، 35؛ المزي، 3/233-234، الذهبي، ن.م، 2/221). و هناك اختلاف بين المصادر حول روايته عن عثمان: فيرى ابن سعد (ن.ص) وابن‌حجر العسقلاني (ن.ص) أنه لم‌يرو عنه و لكن الذهبي يصرح بأنه روى عنه (معرفة...، 1/50). و قد روى عنه أخوه عبدالرحمان بن يزيد، و ابنه عبدالرحمان، وكذلك عامر بن شراحيل الشعبي و إبراهيم‌‌بن ‌يزيد النخعي و أبو إسحاق السبيعي و عمارة بن عمير و آخرون كثيرون (ظ: ابن سعد، 6/247؛ مسلم، 1/565، 572؛ أبونعيم، 2/104، 105؛ ابن القيسراني، 1/37؛ المزي، 3/234؛ الذهبي، سير، ن.ص).

و فضلاً عن الحديث، فقد كان له باع في علم القراءة، حيث كان قد تعلم القرآن من ابن مسعود (م.ن، معرفة، ن.ص؛ ابن‌الجزري، 1/171). و يعتبر يحيى بن وثّاب و إبراهيم النخعي وأبو إسحاق السبيعي من تلامذته في القراءة (ن.صص، للروايات الخاصة بتعلمه القراءة، ظ: أحمد بن حنبل، العلل...، 1/ 289؛ مسلم، 1/565). و تصل قراءة الأعمش الذي يعد من كبار علم القراءة في القرن 2ه‍، إلى الأسود عن طريق إبراهيم النخعي و يحيى بن وثاب (ابن الجزري، 1/315). و قد نسبت المصادر إليه أحياناً قراءات شاذة؛ منها قراءة «و غير الضالين» في الآية الأخيرة من فاتحة الكتاب (ابن أبي داود، 100).

اعتبر الأسود من ملازمي عمر بن الخطاب (ابن سعد، 6/73) وكذلك من جملة مفتي «أصحاب» (تلامذة) ابن مسعود (العجلي، 68). كما صاحب عائشة كثيراً، و قد نقلت روايات كثيرة عن مصاحبته لها. و قد قيل إن عائشة قالت «مابالعراق رجل أكرم عليّ من الأسود» (ابن سعد، ن.ص؛ أحمد بن حنبل، ن.م، 1/293، مسند، 6/172). نقل الأسود عن عائشة روايات كثيرة حول سلوك النبي (ص) و أفعاله (ن.م، 6/33، 134، 216؛ البخاري، صحيح، 1/164؛ مسلم، 2/ 1578، 1724؛ الترمذي، 4/654).

صلى الأسود مع ابن مسعود و آخرين، على جنازة أبي‌ذر الغفاري في الربذة، و دفنوه (الطبري، 4/ 309؛ ابن الأعثم، 1/377). و على حد قول سيف بن عمر، فقد شارك الأسود إلى جانب بعض أصحاب ابن مسعود في الحركات المعارضة لعثمان (الطبري، 4/ 348، 352؛ أيضاً ظ: ابن أبي الحديد، 2/129، 130)، كما قيل إنه استأذن الإمام علياً (ع) في عدم المشاركة في معركة صفين، فإنه قصد ثغور الديلم، ثم ذهب مع مصعب ابن الزبير إلى باجميرا في الأنبار، و أحرم منها بقصد أداء الحج (أبوبشر، 2/45؛ ظ: البلاذري، 5/354؛ قا: الثقفي، 2/562-565). ذكر في المصادر الرجالية لأهل السنة باعتباره ثقة (العجلي، 67؛ النووي، 1(1)/122؛ المزي، ن.ص). يقول شعبة حوله «هذا رأس مال أهل الكوفة» (ظ: ابن سعد، 6/75).

وصف الأسود بالزهد و التدين، و اعتبر من «الزهاد الثمانية». كما نقلت المصادر أخباراً كثيرة عن زهده و عبادته (م.ن، 6/71؛ ابن عبدربه، 3/171؛ أبونعيم، 2/103). حتى ضرب به المثل بين الناس في العبادة على قول الذهبي (سير، 4/50). و قيل إنه كان يصوم الدهر، حتى إنه لم‌يكن يفطر حتى عند السفر، و الحر الشديد، إلى درجة أن أصحابه كانوا يلومونه في ذلك. كما روى حنش بن الحارث أنه فقد إحدى عينيه بسبب صومه المتواصل (ابن سعد، 6/70، 71؛ البسوي، 2/ 559).

و مما يلفت النظر أنه كان يضع رداء على جسمه عند العباده كالرهبان المسيحيين كما نقلت المصادر (الذهبي، 4/51) و اعتبره عمارة بن عمير «راهباً من الرهبان» (ظ: أبو نعيم، 2/104). و قد وصلتنا روايات كثيرة عن اهتمامه بالصلاة لاتخلو من المبالغة أحياناً و منها ماذكر من أنه كان يصلي 700 ركعة في اليوم والليلة (الذهبي، تذكرة، 1/51؛ قا: النووي، ن.ص، حيث أورد مثل هذه الروايات في شأن ابن الأسود؛ المزي، 3/234، 235). كما أشارت روايات أخرى إلى حرصه على المشاركة في صلاة الجماعة و إلزام نفسه بالصلاة في أول الوقت مهما كانت الظروف (ابن سعد، 6/71؛ البخاري، صحيح، 1/ 158؛ البسوي، 2/ 559، 560). و قيل فيما يتعلق برغبته الشديدة في قراءة القرآن إنه كان يختم القرآن في شهر رمضان في ليلتين، و في الشهور الأخرى في 6 ليال.

كـان الأسود يولي أهمية كبيرة لأداء الحج. و لذلك، فقد لقب ب‍ـ «الحجّاج» (ابن سعد، 6/73؛ الذهبي، ن.ص). و تتحدث المصادر عن أنه أدى الحج و العمرة 40 مرة (أو 75، أو 80 مرة) خلال حياته (ابن سعد، 6/71، 72؛ ابن قتيبة، 432؛ ابن حبّان، 4/31؛ أبونعيـم، ن.ص؛ السمعاني، 13/65). كما روي أن ابنه اقتدى به في كثرة الحج (النووي، ن.ص؛ المزي، 3/234؛ الذهبي، ن.ص). وقد أدى الأسود الحج في إحدى المرات مع أبي بكر على ما قال ابن‌سعد (6/70). يقول ابن حجر العسقلاني، إنه كان يرافق في بعض أسفار الحج عمر و عثمان، فضلاً عن أبي بكر (1/343). وقد قيل إنه كان يحرم من بيته في الكوفة، أو في موضع بالقرب منها للمشاركة في مراسم الحج، و كان يقصد الحج من هناك وهو يؤدي التلبية (ابن سعد، 6/71، 72؛ الذهبي، سير، 4/51). و قد بلغ من اهتمامه بالحج أنه لم‌يكن يصلي على جنازة الشخص المستطيع الذي لم‌يؤد الحج (ابن سعد، 6/73).

توفي الأسود في الكوفة (الذهبي، دول...، 1/36) و قيل إنه بكى عند موته معللاً ذلك بحيائه أمام الخالق بسبب ذنوبه (م.ن، سير، 4/52؛ ابن كثير، 9/14).

المصادر

ابن أبي الحديد، عبدالحميد، شرح نهج البلاغة، تق‍ : محمد أبوالفضل إبراهيم، القاهرة، 1378ه‍/1959م؛ ابن أبي داود، عبدالله، المصاحف، بيروت، 1405ه‍/1985م؛ ابن الأعثم، أحمد، الفتوح، تق‍ : علي الشيري، بيروت، 1411ه‍/1991م؛ ابن الجزري، محمد، غاية النهاية، تق‍‍ : برغشترسر، القاهرة، 1351ه‍/1932م؛ ابن حبان، محمد، الثقات، حيدرآباد الدكن، 1398ه‍/ 1978م؛ ابن‌حجر العسقلاني، أحمد، تهذيب التهذيب، حيدرآباد الدكن، 1325ه‍؛ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، بيروت، دار صادر؛ ابن عبدالبر، يوسف، الاستيعاب، تق‍ : علي محمد البجاوي، القاهرة، 1380ه‍/1960م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفريد، تق‍ : أحمد الأمين و آخرون، بيروت، 1402ه‍/1982م؛ ابن قتيبة، عبدالله، المعارف، تق‍ : ثروت عكاشه، القاهرة، 1405ه‍/1985م؛ ابن القيسراني، محمد، الجمع بين رجال الصحيحين، بيروت، 1405ه‍/1985م؛ ابن كثير، البداية و النهاية، تق‍ : أحمد أبوملحم وآخرون، بيروت، 1407ه‍/1987م؛ أبو بشر الدولابي، محمد، الكنى و الأسماء، حيدرآباد الدكن، 1322ه‍؛ أبونعيم، أحمد، حلية الأولياء، القاهرة، 1351ه‍/1932م؛ أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال، تق‍ : طلعت قوتش پيغيت و إسماعيل جراح أوغلي، أنقـرة، 1963م؛ م.ن، مسنـد، القاهرة، 1313ه‍؛ البخـاري، محمد، التاريخ الصغيـر، تق‍ : محمد إبراهيم زايد، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ م.ن، التاريخ الكبير، حيدرآباد الدكن، 1402ه‍/1982م؛ م.ن، صحيح، تق‍ : محمد ذهني أفندي، إستانبول، 1401ه‍/1981م؛ البسوي، يعقوب، المعرفة و التاريخ، تق‍ : أكرم ضياء العمري، بغداد، 1975م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تق‍ : غويتين، بيت المقدس، 1936م؛ الترمذي، محمد، سنن، تق‍ : إبراهيم عطوه عوض، إستانبول، 1401ه‍/1981م: الثقفي، إبراهيم، الغارات، تق‍ : جلال‌الدين محمد الأرموي، طهران، 1355ش؛ الخطيب البغدادي، أحمد، الرحلة في طلب الحديث، تق‍ : نورالدين العتر، بيروت، 1395ه‍/1975م؛ خليفة بن الخياط، تاريخ، تق‍ : سهيل زكار، دمشق، 1967م؛ الدارمي، عبدالله، سنن، إستانبول، 1401ه‍/1981م؛ الذهبي، محمد، تذكرة الحفاظ، حيدرآباد الدكن، 1388ه‍/ 1968م؛ م.ن، دول الإسلام، حيدرآباد الدكن، 1364ه‍؛ م.ن، سير أعلام النبلاء، تق‍ : شعيب الأرنؤوط و آخرون، بيروت، 1405ه‍/1985م؛ م.ن، معرفـة القراءالكبار، تق‍ : شعيب الأرنؤوط و آخرون، بيـروت، 1408ه‍/ 1988م؛ السمعاني، عبدالكريم، الأنساب، حيدرآباد الدكن، 1402ه‍/1982م؛ الطبري، تاريخ؛ الطوسـي، محمد، رجـال، النجـف، 1380ه‍/1961م؛ العجلـي، أحمد، تاريخ الثقـات، تق‍ : عبد المعطي قلعجي، بيروت، 1405ه‍/1984م؛ المزي، يوسف، تهذيب الكمال، تق‍ : بشارعـواد معـروف، بيـروت، 1405ه‍/1985م؛ مسلـم بـن الحجـاج، صحيـح، تق‍ : محمد فؤاد عبدالباقي، إستانبول، 1401ه‍/1981م؛ النووي، يحيى، تهذيب الأسماء و اللغات، القاهرة، 1346ه‍/1927م.    

حسين فرهنگ أنصاري/خ.