الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الأزارقة /

فهرس الموضوعات

الأزارقة

الأزارقة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/11 ۱۸:۰۹:۱۲ تاریخ تألیف المقالة

و في مسائل‌ الإمامة لجعفر بن حرب (ص‌ 69)، خلال‌ البحث‌ عن‌ استمرار مدرسة الأزارقة، عُدّت‌ فرقة تدعى‌ الخازمية، واحدة من‌ فروع‌ هذه‌ المدرسة (أيضاً ظ: لفينشتاين‌، 263)؛ لكن‌ لايمكن‌ بسهولة القول‌ إن‌ الفرقة الخازمية في شرقي إيران‌ التي كانت‌ قد عُرفت‌ بوصفها ممثلة لاتجاهات‌ عجردية معتدلة (ظ: پاكتچي، «تحليلي...»، 113)، حلت‌ محل‌ المدرسة الأزرقية. إن‌ الفرقة البدعية الصغيرة التي عدّها علماء الفرق‌ في عداد فرق‌ الثعالبة المتفرعة من‌ العجاردة (مثلاً ظ: الشهرستاني، 1/120)، يرد ذكرها أحياناً في المصادر بشكل‌ خاص‌ بوصفها استمراراً للمدرسة الأزرقية. و قد عدَّهم‌ الأشعري في كتابه‌ المقالات‌ (1/190) «مثل‌ الأزارقة» وذكّر أنهم‌ اقتصروا صلاتهم‌ على‌ ركعتين‌ في السحر وركعتين‌ في العشاء.كما تحدث‌ جعفر بن حرب عن‌ هذه‌ الفرقة وذكر من‌ آرائهم‌ الغريبـة ــ فضلاً عن‌ اقتصارهم الصلاة على‌ ركعتي السحر وركعتي العشاء ــ تكفيرهم‌ الناس‌ بسبب‌ ارتكابهم‌ صغائر الذنوب‌، وتحريمهم‌ أكل‌ السمك، إلا بعد ذبحه‌ (ص69-70). وخلال‌ حديث‌ ابن‌ حزم‌ عن‌ فرق‌ الخوارج‌ ذكر شخصاً يدعى‌ أبا إسماعيل‌ البطيحي و ذكر من‌ الآراء الخاصة له‌ و لأتباعه‌ رأيهم‌ المذكور في الصلاة و ذبح‌ السمك وقولهم‌ بشرعية الحج‌ في جميع‌ أشهر السنة وتكفيرهم‌ من‌ يقرأ الخطبة في صلاة العيدين‌، وأضافوا إلى‌ ذلك عدم‌ أخذ الجزية من‌ المجوس‌. وقد عدَّ أبا إسماعيل‌ من‌ الأزارقة بصراحة و اعتبره واحداً من‌ غلاة الأزارقة (ظ: 5/51-52). و مهما يكن‌ فإنه‌ ينبغي أن‌ يؤخذ بنظر الاعتبار أن‌ المعلومات‌ الخاصة بهذه‌ الفرقة يحيط بها الغموض‌ بشكل‌ واسع‌، وقد أدى هذا الأمر إلى‌ أن‌ يشكك بعض‌ الباحثين‌ في كونها فرقة لها وجود في التاريخ‌ أصلاً (ظ: لفينشتاين‌، 261، لمزيد من‌ المعلومات‌ حول‌ البدعية، ظ: 261-263).

 

الأزارقة و الحياة الفكرية

 

من‌ المحكمة الأوائل‌ حتى‌ الافتراق‌ الكبير

كان‌ المحكمة الذين‌ انفصلوا عن‌ الإمام‌ علي (ع‌) خلال‌ عملية التحكيم و جابهوه في حرب النهروان‌، من‌ مركزين‌ مهمين‌ سكنيين في العراق: الكوفة والبصرة. و تظهر الشواهد التاريخية أنه‌ خلال‌ وقائع‌ معركة النهروان‌ و كذلك خلال‌ حركات المحكمة المعادية للحكم‌ الأموي على‌ عهد معاوية، كان‌ لخوارج‌ الكوفة دور أكثر تأثيراً و فاعلية، لكن‌ حدث‌ في سبعينيات‌ القرن‌ الأول‌ الهجري أن‌ فقدت‌ الكوفة أهميتها على‌ هذا الصعيد و أصبحت‌ البصرة مركزاً بلامنافس لأهل‌ التحكيم‌. ومن‌ بين‌ محكمة البصرة ــ و برغم‌ وجود اتجاهين‌: اتجاه‌ أهل‌ الخروج‌ و اتجاه‌ أهل‌ القعود ــ كان‌ تجمع‌ أهل‌ التحكيم‌ يتمتع‌ بشكل‌ من‌ أشكال‌ التماسك، وكان‌ هناك شكل‌ من‌ الولاية التي لاانفصام‌ لها بين‌ أهل‌ الخروج‌ و أهل‌ القعود (ظ: محبوب‌، 300؛ «سيرة...»، 207؛ عثمان‌، 3/ 218).

و أعظم‌ أئمة محكمة البصرة الذي كان‌ يربط تجمع‌ خوارج‌ النهروان‌ بالأزارقة و كذلك بقية فرق‌ أهل‌ التحكيم‌ عقب‌ الافتراق‌ الكبير، كان‌ أبو بلال‌ مرداس‌ بن‌ أديّة (مق‍ 61ه‍( الذي كان‌ يحمل‌ آراء معتدلة و يذم‌ النشاطات‌ المتطرفة للخوارج‌ (مثلاً ظ: المبرد، 3/1173).كان‌ التأثير التاريخي لشخصية أبي بلال‌ في مذاهب‌ أهل‌ التحكيم‌ المختلفة قد بلغ‌ حداً أن‌ عدّه‌ جميعهم‌ إماماً لهم‌ و أكدوا على‌ ولايته‌. ويمكن‌ مشاهدة هذا التبجيل‌ الذي حظيت‌ به‌ شخصية أبي‌بلال‌ في الآثار الباقية للأزارقة وكذلك في الآثار المتقدمة لبقية الفرق كالإباضية والصُّفْرية و العجاردة بحيث‌ عُبِّرَ مراراً عن‌ الدين‌ الحق‌ بـ «دين أبي بلال» (مثلاً ظ: عباس‌، 97: شعر للأزارقة؛ للاطلاع‌ على‌ عبارات‌ لبقية الفرق‌، ظ: م‌.ن‌، 141-144، 194، 209؛ عيسى‌ بن‌ فورك، 279؛ ابن‌ جعفر، 1/223؛ أيضاً ظ: المبرد، 3/1213).

و في مجال‌ التحليل‌ التاريخي ينبغي القول‌ إن‌ الفراغ‌ الذي‌ حدث جراء مقتل‌ أبي بلال‌ من‌ جهة، و الضغوط المتزايدة للحكم‌ الأموي على المحكمة ــ حتى على أهل‌ القعود ــ من جهة أخرى‌، مهَّد السبيل‌ لاقتدار الجناح‌ المتطرف‌ في صفوف محكمة البصرة. كما حدث‌ عقب‌ مقتل‌ أبي بلال أن ابتليت‌ قيادات‌ المحكمة بالتشرذم‌ فظهرت‌ بوادر الافتراق‌ الكبير الذي حدث في 65ه‍. ويرد في المصادر المتقدمة للمحكمة وكتب‌ الفرق‌ أن‌ المحكمة في بدء أمرهم‌ عُرفوا بوصفهم‌ فريقاً واحداً، و أن‌ أول‌ خلاف‌ وقع‌ في صفوفهم‌ كان‌ انفصال‌ نافع‌ ابن‌ الأزرق عنهم الذي تبرأ من‌ القاعدين‌ و أعلن‌ آراءه‌ المتطرفة (مثلاً ظ: الأشعري، 1/157- 158؛ «سيرة»، 208). ويجدر تفسير هذه‌ الوقائع‌ بأن‌ اتجاهي الخروج‌ والقعود ــ و بعبـارة أخـرى‌ فـإن اتجاهـي الهجـرة و الإقـامــة ــ اللذيــن‌ كانا قد جعلا المحكمة جناحين‌ قبل‌ ذلك، لم‌‌يؤديا حتى‌ الآن إلى‌ تمزيق وحدتهم ولم‌تكن‌ «البراءة» قد حلّت‌ بعدُ محلَّ «الولاية» بينهم‌.

و إذا نظرنا إلى‌ رواية أبي مخنف‌، الأخباري الشهير الذي عاش‌ في القرن‌ 2ه‍/8م‌ بوصفها تقريراً يقرب إلى الواقع‌، ينبغي القول‌ إن‌ الافتراق‌ الكبير في صفوف‌ أهل‌ التحكيم‌ سنة 65ه‍، كان‌ قد حدث‌ عندما أعلن‌ ابن‌ الأزرق‌ من‌ دار هجرته‌ مواقف‌ جديدة قائمة على‌ تكفير القاعدين‌ مع‌ آراء متطرفة أخرى‌، حيث‌ أعقب‌ ذلك أن‌ أعلن‌ اثنان‌ من‌ زعماء محكمة البصرة و هما عبدالله‌ بن‌ إباض‌ و عبدالله‌ بن‌ صفّار (؟) اللذين‌ دُعي أتباعهما فيما بعد بالإباضية و الصفرية، البراءة من‌ ابن‌ الأزرق‌ (للاطلاع‌ على‌ رواية أبي مخنف‌، ظ: الطبري، 5/567-569؛ بشأن‌ مضمون‌ نفس‌ هذه‌ الرواية في نص إباضي من‌ أواسط القرن‌ 3ه‍، ظ: «سيرة»، 207-208). وقد روى‌ المبرد أواسط القرن‌ 3ه‍ وقائع‌ هذا الافتراق بنسق‌ مشابه‌ مع‌ اختلاف‌ وحيد تمثل‌ في ذكره‌ زعيماً آخر لمحكمة البصرة هو أبو بيهس‌ بدلاً من‌ ابن‌الأزرق‌، كما أشار إلى‌ الافتراق‌ الذي تم‌ بين‌ ابن‌ الأزرق‌ و نجدة بن‌ عامر (ظ: 3/1203، 1215-1218؛ للاطلاع‌ على‌ رواية مماثلة في مصدر إباضي، ظ: الدرجيني، 2/214). وفيما يتعلق‌ بتعامل‌ الأزارقة مع‌ أسلافهم‌، ينبغي القول‌ إنهم‌ لم‌يكونوا يتبرأون‌ من‌ أسلافهم‌ بسبب‌ عدم‌ حكمهم‌ بتكفير القاعدين‌، وكانت‌ هذه‌ هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنهم‌ بها وصل‌ ولايتهم‌ بشخص‌ مثل‌ أبي بلال‌ (ظ: الأشعري، 1/158-159؛ البغدادي، 50). كان‌ التحالف‌ القصير الأمد و غير الثابت‌ للمحكمة مع‌ ابن‌ الزبير، بداية هذا الافتراق الكبير الذي كان‌ نافع‌ و أتباعه‌ روّاد انهياره‌ (ظ: الأقسام‌ السابقة من‌ المقالة).

و في سنة 74ه‍ توجه‌ نجدة بن‌ عامر النصير‌ القديم‌ لنافع‌ وأحد زعماء هذا التحالف‌، إلى‌ اليمامة و أسس‌ فيها إمامة خارجية التزمت‌ في المجال‌ العقائدي مواقف‌ معتدلة نسبياً، و في السياسة مواقف‌ محافظة. و في عام‌ 75ه‍ آثر نافع‌ الهجرة وتوجه‌ مع‌ أنصاره‌ إلى‌ الأهواز. أما الباقون‌ في البصرة من‌ المحكمة فقد كانوا فرقاً من‌ أمثال‌ أتباع‌ عبدالله‌ بن ‌إباض‌ ممن‌ اختاروا أكثر الأفكار والأساليب‌ اعتدالاً.

 

بعض‌ الرؤى‌ العقائدية

 

1. منزلة المخالفين‌ من‌ أهل‌ القبلة

تتوفر لدينا معلومات‌ تفيد أن‌ المحكمة الأوائل‌ كانوا يضعون‌ مخالفيهم‌ في منزلة الكفر (مثلاً ظ: الطبري، 5/74،78، مخ‍؛ المسعودي، 2/405؛ أيضاً ظ: البغدادي، ن‌.ص‌). لكن‌ الغموض‌ كان‌ لايزال‌ يحيط بالمعنى‌ الدقيق‌ لهذا الكفر قبل‌ سنة 65ه‍ . فخلال‌ الافتراق‌ الكبير الذي حدث‌ سنة 65ه‍، و بإزاء عبدالله‌ بن‌ إباض‌ الذي كان‌ يرى‌ كفر المخالفين‌ بمعنى‌ «كفر النعمة»، كان‌ ابن‌ الأزرق‌ ينسب‌ بشكل‌ صريح‌ المخالفين‌ من‌ عامة الناس‌ إلى‌ الكفر الحقيقي، أي الخروج‌ التام‌ من‌ الدين‌ الإسلامي الذي يُعَبَّر عنه‌ أحياناً بـ‍ «كفر الشرك» (ظ: المبرد، 3/1220؛ الطبري، 5/64، 78؛ أبوحاتم‌، 284؛ أبوقحطان‌، 119؛ الأشعري، 2/126).

و في علاقاتهم‌ الاجتماعية كان‌ الأزارقة يتعاملون‌ مع‌ غيرهم‌ تعاملهم‌ مع‌ المشركين‌، ففضلاً عن‌ تجويزهم‌ استباحة أرواحهم‌ وأموالهم‌، كانوا يحرمون‌ قبول مناكحتهم و مواريثهم و يحرمون‌ أيضاً أكل ذبائحهم‌ (ظ: أبوحاتم‌، ن‌.ص‌؛ الطبري، 5/568؛ أيضاً ظ: لفينشتاين‌، 266-265، نقلاً عن‌ سالم‌ بن‌ ذكوان‌). وتتمة لذلك وفيما يتعلق‌ بالمخالفين‌ من‌ المحكمة يجدر القول‌ إن‌ ابن‌الأزرق‌ كفَّرَ بشكل‌ صريح‌ ــ فـي رسالته‌ التـي بعـث‌ بهـا إلـى‌ نجــدة ــ المحكمــة القاعدين‌ وتبرَّأ منهم‌ (ظ: المبرد، 3/1216-1217). وقد تمّ تأكيد هذا الأمر أيضاً في المصادر المكرَّسة للفرق‌ (ظ: جعفر‌، 69؛ الأشعري، 1/158)، و عُرف‌ هذا الكفر أحياناً بأنه‌ من‌ نوع‌ كفر الشرك (ظ: «سيرة»، 208؛ البغدادي، ن‌.ص‌). كان‌ الأزارقة يلقبون‌ ذلك الفريق‌ من‌ الخوارج‌ الذين‌ يعتزلون‌ مذهبهم‌، بلقب‌ «الرِّدِّيّ» (نسبة إلى‌ الرِّدَّة و الارتداد) (ظ: المبرد، 3/1155، مخ‍ ). و يروي الأشعري أن الذي ابتدع‌ هذا الأمر كان‌ واحداً من‌ الخوارج‌ يدعى‌ عبدالله‌ بن‌ الوضين‌ (للاطلاع‌ على‌ رأي في تحديد هويته‌، ظ: لفينشتاين‌، 257 )، ومن‌ بعده‌ تَقَبَّلَ نافع‌ هذا الرأي و انبرى‌ للدفاع‌ عنه‌ (ظ: الأشعري، أيضاً البغدادي، ن‌.صص‌).

و خلال‌ بحثه‌ لصفات‌ الأزارقة ذكر الأشعري أن‌ أتباع‌ هذه‌ الفرقة يرون‌ أن‌ مَن‌ كان‌ في دار هجرة الأزارقة، معلناً عن‌ اعتقاده‌ بتعاليمهم‌، ناجٍ ومرضيٌ عنه‌ لدى‌ الله‌ (1/162). إن‌ هذا التعبير الموجز و مع‌ الاستفادة من‌ بعض‌ المصادر المتقدمة الأخرى‌ يُفسر على‌ أنهم‌ أعلنوا أن‌ الأزارقة في دار الهجرة لايكفرون‌ أحداً، إلا أن‌ يقتل‌ واحداً من‌ أبناء دينه‌ (ظ: أبوحاتم‌، ن‌.ص‌؛ أيضاً لفينشتاين‌، 265، نقلاً عن‌ سالم‌ بن‌ ذكوان‌؛ قا: الأشعري، 1/157: كلام‌ عن‌ إجماع‌ المحكمة بأسرهم‌ على‌ تكفير مرتكب‌ الكبيرة؛ للاطلاع‌ على‌ نقد لهذا الإجماع‌، ظ: پاكتچي، «تحليلي»، 118-119). و برغم‌ أن‌ مونتغمري وات‌ عدَّ عبارة الأشعري الموجزة دليلاً على‌ تشدد الأزارقة في الأمور الشرعية («الجبر و الاختيار...»، 35، «فكر الخوارج‌...»، 22)، لكن‌ مصادر تاريخية عديدة وكتباً في الفرق‌ تحدثت‌ عن‌ انتشار نوع‌ من‌ التسامح‌ الديني بين‌ صفوف‌ الأزارقة (لمعرفة المصادر، ظ: لفينشتاين، 25)؛ التسامح‌ الذي دعاه‌ كوك ولفينشتاين إباحية، و فسره‌ لفينشتاين‌ بقوله‌ إن‌ الأزارقـة ــ على‌ مايبدو ــ لم‌يكونوا يرون‌ إخوانهم‌ في العقيدة مشمولين‌ بالحساب‌ أمام‌ الله‌، أو أنهم‌ على‌ الأقل‌ كانوا متهمين‌ برأي كهذا (ظ: ن‌.ص‌).

 

2. تحريم‌ التقية و وجوب‌ الهجرة

التزمت‌ فرق‌ المحكمة المختلفة مواقف‌ متباينة جداً بشأن‌ التقية (لمعرفة التفاصيل‌، ظ: پاكتچي، ن‌.م‌، 132-133) ومن‌ بينها عُدّ أكثرها تشدداً موقف‌ الأزارقة الذين‌ لم‌يكونوا يرون‌ التقية أمراً مقبولاً، لافي القول‌ ولافي العمل (ظ عيسى‌ بن‌ فورك، 284؛ جعفر، ن‌.ص‌؛ الشهرستاني، 1/123). و إن‌ التحريم‌ المطلق‌ للتقية في القول‌ والعمل‌ كان‌ يستتبع‌ بحد ذاته‌ و بشكل‌ منطقي وجوب‌ الهجرة و الخروج‌ أيضاً. وكانت‌ هذه‌ المواقف‌ تُلقَّن‌ خلال‌ الإعلان‌ عن‌ تعاليم‌ نافع‌ ابن‌الأزرق‌ (مثلاً ظ: المبرد، 3/1219-1220: كتاب نافع‌ إلى‌ محكمة البصرة). وفكرة الهجرة بوصفها تقليداً قديماً كان‌ لها وجود في صفوف‌ المحكمة منذ عهد المحكمة الأوائل‌ (مثلاً ظ: ابن‌ الأثير، الكامل‌، 3/335-336)، وظلت‌ آثارها تلاحظ حتى‌ بين‌ خوارج‌ الكوفة خلال‌ العهد الأموي (مثلاً ظ: عباس‌،45: بيت‌ شعر لمعاذ بن‌ جوين‌). إن‌ عدم‌ جواز التقية وعدم‌ جواز التخلف‌ عن‌ الهجرة كان‌ يلاحظ بشكل‌ قليل‌ جداً بين‌ المحكمة الأوائل‌، و يمكن‌ العثور على‌ نموذج‌ منه‌ في شعر لمعدان‌ بن‌ مالك الإيادي الذي يبرأ فيه‌ الشاعر من «الحزب‌ المقيم‌» (اللامهاجر) (ظ: م‌.ن‌، 31).

و مهما يكن‌ فعقب‌ هجرته‌ إلى‌ الأهواز، فإن‌ نافع‌ ابن‌ الأزرق‌ بتسمية‌ معسكره‌ باسم‌ دارالهجرة، قام بوضع‌ أسس‌ نظريته‌ بشأن‌ الهجرة على‌ أساس‌ أن‌ أماكن‌ إقامة ماسوى‌ الأزارقة هي دارالكفر، و أن‌ ذلك الذي يؤثر الإقامة في دارالكفر، حتى و إن كان على رأي المحكمة، فإنه محكوم‌ عليه‌ بالكفر و ليس‌ له‌ خلاص‌ إلا بالخروج‌ و الهجرة إلى‌ دارالهجرة (ظ: الأشعري، 1/158، 159، 162). وفي الكتاب الذي بعث به نافع إلى نجدة بن‌ عامر وخلال‌ إشارته‌ إلى‌ آية «... ألم‌ تكن‌ أرض‌ الله‌ واسعة فتهاجروا فيها...» (النساء/4/97) وتأكيده‌ على‌ عدم‌ انطباق‌ شروط العقود و الإقامة في عصر النبي الأكرم‌ (ص‌) على‌ عصره‌، اعتبر الهجرة أمراً حتمياً (ظ: المبرد، 3/1216-1217). و في كتاب آخر لنافع‌ وجهه إلى محكمة البصرة، كان‌ المحور الرئيس‌ فيها الدعوة إلى‌ الهجرة، و أن المستثنى‌ الوحيد من‌ حكم‌ وجوب‌ الهجرة أولئك الذين‌ لاطاقة جسدية، أو مالية لهم تمكّنهم‌ منها، أو أن‌ في إقامتهم‌ مصلحة خاصة ثابتة (ظ: م‌.ن‌، 3/1219). و بإزاء ذلك فإن‌ فرقاً من‌ المحكمـة ــ و خاصة الإباضيين‌ الذين‌ لـم‌يسمحـوا بالـهـجـرة ــ كـانوا يعتقدون‌ أن‌ التكليف‌ بالهجرة قد أُلغي بعد عصر النبي (ص‌)، ولذا فقد خطّأوا الأزارقة بسبب‌ ترويجهم‌ للهجرة (ظ: أبوقحطان‌، 119؛ عثمان‌، 3/218). وقد أدى تقارب‌ مفهومي الهجرة و الخروج‌ إلى‌ أن‌ يُستخدم‌ مصطلحا المحكمة القاعدين‌ والمحكمة المقيمين‌ بدلاً من‌ بعضهما بحق‌ الخوارج‌ المهاجرين‌.

 

3. الصفات‌ الإلٰهية ومسألة الرؤية

تدل‌ شواهد مثل‌ حديث‌ ذعلب‌ (لمعرفة مصادره‌، ظ: پاكتچي، حواش...، 1/257-259)، أن‌ مسألة الرؤية بوصفها موضوعاً دينياً مثيراً للتساؤل‌، كانت‌ مثار اهتمام‌ منذ النصف‌ الأول‌ للقرن‌ الأول‌ الهجري، ومن‌ جهة أخرى‌ فإن‌ تعبير الشيخ‌ المفيد في أوائل‌ المقالات‌ (ص‌ 62-63) دال‌ على‌ وجود أقلية من‌ المحكمة كانت‌ تعتقد في مسألة‌ رؤية البارئ «الإبصار» (لمزيد من‌ الإيضاح‌، ظ: پاكتچي، «تحليلي»، 125). ومع‌ أن‌ الأشعري (1/265)، و ابن‌الملاحمي (ص‌ 359) و الآبي (ظ: المجلسي، 4/61، نقلاً عن‌ الإكمال)، تحدثوا عن‌ اتفاق‌ الخوارج‌ على‌ نفي الإبصار، إلا أن‌ وجود بعض‌ الروايات‌ في المصادر الإمامية يسوّغ‌ استثناء «الأقلية» التي تشاهد في كلام‌ الشيخ‌ المفيد. و في الرواية التي أوردها علي بن‌ إبراهيم‌ القمي عن‌ طريق‌ عبدالله‌ بن‌ سنان‌، و التي رويت‌ بعدة أسانيد، ذكر أن‌ رجلاً من‌ الخوارج‌ خاطب الإمام الباقر (ع‌) (ت‍ـ 114ه‍ ) و سأله عن‌ رؤية الله‌ (ظ: الكليني، 1/97؛ ابن‌ بابويه‌، الأمالي، 229، التوحيد، 108). إن‌ الاستثناء الذي ظل‌ بلا إيضاح‌ في كلام‌ الشيخ‌ المفيد والإشارة الواردة في رواية عبدالله‌ بن‌ سنان‌، يمكن‌ أن‌ تكون‌ متعلقة بالدراسات‌ الخاصة بالأزارقة متى‌ ماجرى‌ الحديث‌ عن‌ وجود روايات‌ مشابهة بشأن‌ الصفات‌ الإلٰهية والرؤية مع‌ ذكر اسم‌ نافع‌ ابن‌ الأزرق‌ بشكل‌ صريح‌. فقد ورد في رواية أن‌ ابن‌الأزرق‌ كان‌ في مجلس‌ يتحدث‌ فيه‌ ابن‌ عباس‌، فسأل‌ ابن‌ عباس‌ أن‌ يصف‌ له‌ الله‌ (ظ: ن‌.م‌، 80)، و في مرة أخرى‌ أن‌ ابن‌ الأزرق‌ في لقاء له مع‌ الإمام‌ الباقر (ع‌) سأل‌ الإمام‌ عن‌ «متى‌» وعلاقتها بالذات‌ الإلٰهية (ظ: الكليني، 1/88؛ ابن‌ بابويه‌، ن‌.م‌، 173). وعلى‌ أية حال،‌ فإنه‌ في سبيل‌ الحصول‌ على‌ استنتاج‌ رصين‌ يُعتدّ به‌ بشأن‌ موقف‌ الأزارقة في المسائل‌ المتعلقة بالصفات‌ الإلٰهية، ماتزال‌ القرائن‌ الموجودة مما لايمكن‌ اعتباره‌ سوى‌ مقدمة لهذا الأمر، لا أكثر.

 

4. الإمامة

كان‌ الأزارقة ــ شأنهم شأن سائر فرق المحكمـة ــ يقتـدون‌ بجواز خلوّ الزمان‌ من‌ الإمام‌ (للاطلاع‌ على‌ معلومات‌ عامة، ظ: المفيد، ن‌.م‌، 47؛ الشريف‌ المرتضى‌، 261؛ قا: المسعودي، 1/49)، لكنهم‌ عملياً ومنذ بدء افتراقهم عن‌ بقية المحكمة و إلى‌ نهاية الإمامة الأزرقية في 78ه‍، كان‌ لديهم‌ دائماً سلسلة من‌ الأئمة المتعاقبين‌، وكانت‌ تتم‌ مبايعة رجل‌ آخر بمجرد وفاة إمام‌ لهم‌. و بصورة عامة يجدر القول‌ إنه‌ منذ القرن‌ الأول‌ الهجري كان‌ هناك في أغلبية الأجنحة الفكرية للمسلمين‌ ممن‌ لم‌يقولوا بالنص‌ على‌ الإمامة و الخلافة، آراء مختلفة طُرحت‌ حول‌ شروط نيل‌ الإمامة، ومن‌ بينهم‌ كان‌ المحكمة من‌ أوائل‌ الفرق‌ التي لم‌تقصر الإمامة على‌ قبيلة قريش‌، وكانوا يعدّون‌ كل‌ من‌ كان‌ عالماً بالكتاب‌ و السنة و قائماً بهما، صالحاً للإمامة (ظ: سعدبن‌ عبدالله‌، 8؛ جعفر‌، ن‌.ص‌؛ الأشعري، 2/134).

توجد في الأسناد المتبقية من‌ الأزارقة ومخالفيهم شواهد كافية تدل‌ على‌ أن‌ الأزارقة كانوا يخاطبون‌ أئمتهم‌ بلقب‌ «أميرالمؤمنين‌»؛ اللقب‌ الذي يرقى تاريخ‌ انتشاره‌ لدى‌ الإمامية إلى‌ عصر النبي (ص‌)، ولدى‌ أهل‌ السنة إلى‌ عصر الخليفة الثاني (حول‌ استخدام‌ هذا اللقب‌ لابن‌ الأزرق‌، ظ: عباس‌، 72: بيت‌ شعرلأحد الأزارقة؛ أيضاً ظ: ابن‌ أعثم‌، 3/196؛ البغدادي، 51؛ ولابن‌ الماحوز، ظ: المبرد، 3/196؛ ياقوت‌، 3/110؛ ابن‌ أبي الحديد، 4/156: على‌ لسان‌ الزبير بن‌ علي؛ و للزبيربن‌ علي، ظ: م‌.ن‌، 4/144؛ و لقطري، ظ: عباس‌، 132: بيت‌ شعر لأحد الأزارقة؛ أيضاً ظ: ابن‌ عبدربه‌، 3/413؛ شمس‌ إشراق‌، 98-99: بالتعبير العربـي ـ البهلوي «أميري ورويشنيكان» على المسكوكات).

واستناداً إلى‌ إحدى‌ الروايات‌ حول‌ انتقال‌ الإمامة من‌ ابن‌الماحوز إلى‌ الزبير بن‌ علي، يبدو أن‌ منزلة الإمامة لدى الأزارقة كانت‌ قد تنزلت‌ مكانتها، ذلك أنه‌ في الرواية التي أُشير إليها ورد أن‌ ابن‌ الماحوز لُقِّب‌ أيضاً بلقب‌ «خليفة»، لكن‌ هذا اللقب‌ لم‌يُستخدم‌ للزبير ابن‌ علي (ظ: ابن‌أبي‌الحديد، ن‌.ص‌). و بشأن‌ النظام‌ الذي يتبعه‌ الأزارقة في تعيين‌ الإمام‌ الجديد، يبدو أن‌ الأسلوب‌ الغالب‌ لديهم‌ كان‌ شكلاً من‌ أشكال‌ «الاختيار» (الانتخاب‌ بواسطة الناس‌) (قا: المسعودي، ن‌.ص‌)، و لاشك أنه كان‌ لزعماء المعسكر تأثير رئيس‌ في هذا الاختيار. وكنموذج‌ على‌ ذلك يمكن‌ العودة إلى‌ وقائع‌ بيعة قطري الذي رشحه‌ عبيدة بن‌ هلال‌ لهذا المنصب‌ وبتأييد منه‌ لقطري أخذ له‌ البيعة من‌ الأزارقة بوصفه‌ أكثر الأشخاص‌ نفوذاً في المعسكر (ظ: المبرد، 3/1279-1280). والحالة الفريدة التي ذكرت‌ نموذجاً لسنّة الاستخلاف‌ (تعيين‌ الخليفة اللاحق‌ من‌ قِبل‌ الخليفة السابق‌) كانت‌ رواية أبي‌الفرج‌ الأصفهاني (6/142) القائمة على‌ استخلاف‌ ابن‌ الماحوز من‌ قبل‌ ابن‌الأزرق‌، التي لايمكن‌ القبول‌ بها إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخلافة القصيرة الأجل‌ للشقيق‌ الأكبر لعبيدالله‌ بن‌ الماحوز في معركة دولاب‌.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: