الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الاجتهاد /

فهرس الموضوعات

الاجتهاد

الاجتهاد

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/8 ۲۱:۵۱:۰۱ تاریخ تألیف المقالة

ومن أدلة الأحکام الأخری التي استخدمت في هذا العصر في مقام استنباط الأحکام «الاستحسان» و الذي ربما نستطیع أن نعتبره معادلاً لـ «الذوق القانوني» و «السائغة الفقهیة». وقد کان أبوحنیفة یغض النظر عن القیاس، ویلجأ إلی تذوقه الفقهي في الحالات التي یعتبر فیها الأخذ بالقیاس قبیحاً (ظ: المکي، 1/ 82). وکان مالک یعمل بالاستحسان أیضاً، ویعده من مصادر استنباط الفقه (ظ: الشاطبي، الموافقات، 4/ 206-207؛ أبوزهرة، مالک، 375). وقد کان یعتبر الاستحسان عملاً بالمصلحة الجزئیة مقابل القیاس، ولکن الشافعي کان یعارضه بشدة حتی کتب رسالة بعنوان إبطال الاستحسان (الشافعي، الأم، 7/ 294-304، الرسالة، 503 ومابعدها)؛ و یعد دخول «المصالح المرسلة» في مصادر الفقه من إبداعات مالک (الشاطبي، الاعتصام، 2/ 111؛ خضري، 241). و«المصالح المرسلة» هي المصالح التي سکت الشارع فیها عن جعل الحکم علی أساسها نفیاً و إثبتاً. وکما مر، فقد جعل مالک مثل هذه المصالح من مصادر الاستنباط، و من البدیهیي کما سبقت الإشارة أن ذلک ممکن في حالة عدم وجود نص من الکتاب و السنة فیما یتعلق بتلک المصلحة. و أخذ بها أحمد بن حنبل أیضاً في بعض المجالات (ظ: أبوزهرة، تاریخ، 2/ 340-341). ومع ذلک فإن أباحنیفة و الشافعي و الظاهریة لم یستندوا إلیها. والملاحظة الملفتة للنظر هنا، أن أهل السنة لم یوضحوا ما هو نوع الأحکام التي یمکن للمصالح المرسلة أن تکون أساس استنباطها؟ فهل هي الأحکام الخاصة الواردة في الکتب الفقهیة، وهل الملک، بالعمل بها هم الأشخاص الخاصون، أم الأحکام العامة التي لم یرد ذکرها للأسف کما ینبغي في الکتب الفقهیة؟ و هل موضوعها المجتمع و نحن نسمیها «الأحکام الحکومیة»؟ الظاهر أن المقصود هو القسم الأول. و هل یمکن للمصلحة في هذا النوع من الأحکام التي هي موضع خلاف أن تکون أساس استنباطها، أم لا؟ و أما القسم الثاني فهو مبني دون شک علی مصالح المجتمع، وعلی الحکومات أن تختار من عقلاء المجتمع متخصصین لتعیین مثل هذا النوع من المصالح، وتتخذ علی ضوء تحدید هؤلاء الأشخاص القرارات فیما یتعلق بالمقررات و الأحکام العامة. کماکان مالک و أحمد ابن حنبل یعتبران «سد الذرائع» من مصادر الفقه (أبوزهرة، ن.م، 2/ 219، 342-343).

ویعد القرن 4هـ، بدایة مرحلة مصیریة في تاریخ التشریع الإسلامي. ولمتستمر مذاهب أصحاب الحدیث سوی الحنابلة، کما مالبث داود الظاهري الذي ازدهرت أفکاره وانتشرت في بضعة عقود من هذا القرن أن انسحب إلی الهامش. واکتسبت المذاهب الأربعة المعروفة أهمیة کبیرة منبین المذاهب الفقهیة واتجهت المذاهب الفقهیة الأخری الواحد تلو الآخر نحو الانقراض، و یمکنا أن نعتبر نجاح هذه المذاهب وازدهارها وانتشارها مدیناً لمدی مرونة المؤیدین والأتباع ذوي النفوذ والعلماء المتضلعین، والأهم من کل ذلک دعم الحکومات وأصحاب المناصب. وقد وصف هذا العصر بأنه بدایة «عصر التقلید» و«انسداد باب الاجتهاد». والمراد من انسداد باب الاجتهاد، استحالة اکتساب شروط الاجتهاد و بلوغ المتفقهین و الفقهاء مرحلة الاجتهاد المطلق الذي یترتب علیه وجوب اتباع المذاهب الأربعة، وطرد مدعي الاجتهاد و عدم الاعتداد برأیهم في کل عصر و زمان، والتشکیک في قدرتهم علی الاجتهاد. وهکذا فقد مُنع في البدء الاجتهاد المطلق بمعنی الاجتهاد المستقل عن آراء أئمة المذاهب الأربعة في أوساط السنّة الفقهیة، وکان هناک لفترة طویلة بعد وفاة الأئمة الأربعة مجتهدون منتسبون، أو مجتهدون في المذهب حتی منع هذا النوع من الاجتهاد أیضاً تدریجیاً، وعمل فقهاء کل من المذاهب الأربعة علی ترجیح آراء إمام المذهب، أو نقل فتاواه (ظ: ابن نظام‌الدین، 2/ 39؛ الإسنوي، 4/ 617؛ قا: المطیعي، 4/ 613-617).

ونحن لانعلم بالضبط تاریخ انسداد باب الاجتهاد، وقد نقلت حکآیات کثیرة في هذا المجال لایمکن التوصل إلی أساس صحیح لأي منها (ظ: ابن قیم، 2/ 275). والروایة الأشهر ماقیل من أن انسداد باب الاجتهاد وإلزام الجمیع شرعاً باتباع المذاهب الأربعة المالکیة والحنبلیة والحنفیة والشافعیة تم في أواخر القرن 4هـ بأمر من الخلیفة العباسي القادر بالله. کما ذُکر أن الشیعة بزعامة الشریف المرتضی نقیب الشیعة الرسمي، عزموا علی أن یجعلوا المذهب الجعفري رسمیاً أیضاً من خلال دفع مبلغ باهظ کان جهاز الخلافة قد طلبه، ولکن المبلغ المذکور لم یتیسر رغم المساعدات ولم یتحقق ذلک الأمر (ظ: أفندي، 4/ 33-34). کما علینا أن نعلم أن انسداد باب الاجتهاد لم یکن آنیاً، فقد ظهرت منذ القرن 3هـ طلائع الاتجاه إلی تقلید بعض المذاهب الرئیسیة، واتسع علی مر الزمن إلی درجة بحیث أذعن له قاطبةأهل السنة والجماعة. ومن جملة الوثائق التاریخیة المعتبرة في هذا المجال، أن المدرسة المستنصریة عندما افتتحت في 631هـ، و تقرر لأول مرة أن یدرس فیها فقه جمیع المذاهب الأربعة، وألزم المدرسون بموجب أمر من الخلیفة العباسي أن یبینوا الآراء الفقهیة لمشایخ المذاهب و أئمتها فقط وأن لایبدو رأیاً من جانبهم (ظ: ابن الفوطي، 108؛ ابن کثیر، 13/ 150-151). وباختصار، فإن شمول الاختلاف و شدته، والتشتت والتفرقة الشدیدة في صفوف المسلمین، و هیمنة التزمَت المذهبي علی البیئة العلمیة للأوساط والمؤسسات التعلیمیة و الدعم الفرأي لکل من أصحاب المناصب و الحکام للمذهب الذي یعتنقه، کل ذلک یجب اعتباره من أکثر العوامل المصیریة تأثیراً في النزعة المتطرفة إلی التقلید، ولجوءالعلماء و المصلحین الاجتماعیین في ذلک العصر إلی مبدأ انسداد باب الاجتهاد (ظ: مغنیة، 9، 14؛ شریف العمري، 218-219). وقد ذکر مؤیدو انسداد باب الاجتهد ددلة تعرضت لنقد و دراسة معارضیهم. و من الرسائل المؤلفة في هذا المجال الرد علی من أخلد إلی الأرض... للسیوطي، والقول المفید في أدلة الاجتهاد و التقلید للشوکاني، والإنصاف في بیان سبب الاختلاف للدهلوي (أیضاً ظ: آقابزرگ، 115-121).

وقد أدّی انسداد باب الاجتهاد إلی تبعات مأساویة أهمها الرکود و الجمود في الفقه و الأصول في الأوساط العلمیة لأکثر البلاد الإسلامیة، وقد شمل نطاق آثارها السلبیة فقه المذاهب الأخری أیضاً، وحتی الفقه الشیعي لم یسلم من آثارها السلبیة (ظ: الصدر، 65-66؛ جعفري، 221). ویجدر قوله هنا إنه کلما وجد في عصر التقلید و انسداد باب الاجتهاد الذي مازال مستمراً حتی الیوم، فقهاء و مجتهدون عارضوا إلی حدما منع الاجتهاد وإجبار الآخرین علی اتباع مذهب خاص، إلا أنهم لم یحققوا نجاحاً کبیراً من الناحیة العملیة، ولم تؤثر جهودهم في فتح باب الاجتهاد رغم أنهم کانوا معروفین باتباع مذهب خاص وأنهم بادروا أحیاناً إلی الاجتهاد و الإفتاء بشک لمستقل. و من هؤلاء المجتهدین المستقلین فقهاء مثل الغزالي (تـ 505هـ)، وعزالدین ابن عبدالسلام (تـ 660هـ)، وابن تیمیة (تـ 728هـ)، والشاطبي (تـ 790هـ)، والسیوطي(تـ 911هـ)،والشکاني (تـ 1250هـ). و في القرن الأخیر، اشتهر من الدعاة إلی فتح باب الاجتهاد محمد صدیق حسن خان الهندي (تـ 1307هـ)، والسید جمال‌الدین الأسدآبادي (تـ 1315هـ)، ومحمد عبده (تـ 1323هـ)، و رشید رضا (تـ 1354هـ)، ومصطفی المراغي (تـ 1364هـ)، والشیخ محمود شلتوت (تـ 1383هـ).

ویمکن القول الیوم و بعد انسداد باب الاجتهاد، و إثر الجهود والمساعي الکثیرة لعدد من محبي العلم و الرؤیة الاجتهادیة طیلة تاریخ العلوم والمعارف الإسلامیة، إن «عصر التلفیق» قد حان حیث اختارب طائفة طریقاً وسطاً في معمعة الصراع بین مؤیدي انسداد باب الاجتهاد و معارضیه، فقالوا بـ «التلفیق»، و عدم الالتزام بآراء أحد من الأئمة الأربعة، بمعنی أن المکلفین بإمکانهم مثلاً أن یعملوا في مسألة برأي أبي حنیفة، وفي مسألة أخری برأي الشافعي. وهذه الرؤیة العلمیة هي بحد ذاتها نوع من المعارضة الهادئة لانسداد باب الاجتهاد، وخطوة واسعة باتجاه فتح هذا الباب، حیث إن بعضاً من الفقهاء الکبار مثل ابن همام وابن نجیم أیدوها بشکل إجمالي، وأکد علیها من بین المعاصرین محمد منیب الهاشمي (تـ 1307هـ) و محمد الطاهر بن عاشور، رغم أنهما یختلفان بشأن شروط التلفیق المسموح به و تفاصیله. و قد جاء تفصیل الآراء المعارضة و المؤیدة المتعلقة بهذا الفصل المهم من فصول تاریخ الاجتهاد في کتابي عمدة التحقیق في التقلید و التلفیق لعبد الغني النابلسي. ویمکن أن تکون فتوی الشیخ محمود شلتوت القاضیة بعدم التعبد بالمذاب الأربعة و جواز الرجوع إلی فقه المذاهب الأخری ومنها الشیعة الاثنا عشریة (ظ: رسالة الإسلام، 107-109) فاتحة عصر جدید في ازدهار الاجتهاد و نموه و حریته و خلاصه من القیود المکبلة لحرکته. و في العصر الحاضر، و مع التحولات السریعة للعلم في الجوانب المختلفة من حیاة الإنسان، رأي بعض العلماء أن فتح باب الاجتهاد علی مصراعیه و الاستنباط المباشر من الأدلة والمصادر المعتبرة هو السبیل الوحید لتقدیم المجتمع المسلم و حل مشاکله الکثیرة. وفي العقود الأخیرة، طرح بعض علماء المسلمین نظریة الاجتهاد الجماعي، أو «مجلس الإقناء». وهذه الأطروحة التي تمتد جذورها في النصوص المعتبرة، و التاریخ الإسلامي، من شأنها أنتسد إلی حد کبیر نقائص الاجتهاد الفرأي. واستناداً إلی هذه الأطروحة، تولی مجموعة من المجتهدین مهمة الإفتاء». وهذ الأطروحة التي تمتد جذورها في النصوص المعتبرة، والتاریخ الإسلامي، من شأنها أن تسد إلی حد کبیر نقائص الاجتهاد الفرأي. واستناداً إلی هذه الأطروحة، تولی مجموعة من المجتهدین مهمة الإفتاء، ویقوم هؤلاء المجتهدون المختارون بالإفتاء في جمیع المجالات الفقهیة والأصولیة و خاصة المسائل المستحدثة والموضوعات الجدیدة عبر الرجوع المباشر إلی مصادر الأحکام، و بعیداً عن التعصب لمذهب فقهي خاص، وفي حالات الاختلاف یؤخذ طبعاً برأي أغلبیة أعضاء المجلس (ظ: المؤتمر...،394؛ شریف العمري، 263-267).

وتستحق أدوار الاجتهاد من وجهة نظر الإمامیة البحث المستقل. فبعد وفاة الني الأعظم (ص) اعتبرت جماعة من المسلمین – سمیت فیما بعد بالشیعة – أن من واجبها اتباع أهل البیت (ع)، و بعبارة أخری، فإنهم لم یعتبروا عصر النصوص منتهیاً بحضور أولئک الأئمة. و یری علماء الشیعة أن السنة تشمل قول النبي (ص) والأئمة (ع) و فعلهم و تقریرهم، و یعتدقون بأن علوم النبي الأعظم (ص) أودعت لدیهم (ظ: الکلیني، 1/ 223-226؛ الصفار ، 201؛ الاختصاص، 279)، ولذلک فإنهملایعتبرون الاجتهاد جائزاً للأئمة (ع) کما کان الحال بالنسبة إلی النبي (ص). ومع هذا فقد کانت بین الشیعة المعاصرین للمعصومین آراء عجیبةحول أئمة أهل البیت (ع)مثل إنکار عصمة الإمام (ع) (مثلاً ظ: ابن بابویه، الخصال، 354؛ الشیخ المفید، 135-136)، حتی إن طائفة من أتباع الأئمة کانوا یعتقدون بأن الإمام یجتهد أیضاً بالرأي والقیاس علی أسلوب فقهاء أهل السنة (الاختصاص، 274؛ بحرالعلوم، 3/ 219-220؛ الکاظمي، 1/ 83)، وقد کان من الشائع کثیراً أن یطالَب الإمام (ع) بوثیقة لبیان الحکم الفقهي (مثلاً ظ: الکلیني، 3/ 30؛ ابن بابویه، علل...، 1/ 264-265). وفي ذات الوقت، کان أئمة أهل البیت (ع) یطالبون بالجواب في حالات الاختلاف، ویعتبر حکمهم حکم الله (ظ: الکشي، 539-541).

ویرفض الشیعة الاجتهاد بمعنی الأخذ بالرأي الشخصي و القیاس والاستحسان استناداً إلی الروایات الکثیرة التي وصلت عن الأئمة (ع) (ظ: أبونعیم، 3/ 196؛ ابن حزم، 71)، وقد أنکر علماء الشیعة الاجتهاد حتی عصر المحقق الحلي استناداً إلی هذا التعریف،وأما الاجتهاد بمعنی استنباط الأحکام استناداً إلی نصوص الکتاب و السنة وظواهرهما في عصر المعصومین (ع) فقد کان شائعاً بین أصحابهم، فکان الشیعة یرجعون إلیهم. و في هذا العصر کان الاجتهاد أکثر سهولة من العصور التالیة، فکان أصحاب الأئمة (ع) یحلون التعارض المحتمل بین الروایات من خلال الرجوع المباشر إلی الروایات، وبمساعدة الأخبار العلاجیة (ظ: الخوئي، 2/ 86).ویعد أمر أئمة الشیعة لبعض أصحابهم بالفتوی والاجتهاد أفضل شاهد علی وجود الاجتهاد، بل و حتی شیوعه في هذا العصر. فالإمام الصادق (ع) رغم أنه کان یعیش في المدینة، قال ذات مرة لأبان بن تغلب: «إجلس في مسجد المدینة وأفت الناس» (النجاشي، 10). وفي إحدی المرات کان صحابي الإمام الصادق (ع) معاذ بن مسلم یصدر الفتوی في المسجد الجامع، دون أن یأذن له الإمام، و عندما بلغ الإمام خبر ذلک بادر إلی تشجیعه و تأییده (ظ: الحر العاملي، 18/ 108). وقد کان الأئمة (ع) الذین کانوا یعتبرون أن من واجبهم بیان الأسس والقواعد العامة في مجال تبیین المسائل الشرعیة باعتبارهم أئمة، کانوا یعلمون الأصحاب کیفیة استنباط الأحکام الفرعیة من الأصول العامة في معرض إجابتهم علی أسئلتهم (مثلاً ظ: الکلیني، 3/ 82-84؛ الشیخ الطوسي، الاستبصار، 1/ 77-78).

وفيعصر المعصومین (ع) تم تدوین «الأصول الأربعمائة» في الحدیث، وأثبت بعض القواعد الفقهیة والأصولیة مثل قاعدة«الید» وأصل «الطهارة و «الصحة و «الاستصحاب» و«البراءة الشرعیة» و«الأخبار العلاجیة» في قالب الروایات.

ومع حلول عصر الغیبة ظهر في النصف الثاني من القرن 3 حتی منتصف القرن 4هـ، محدثون کبار واصلوا النهج التقلیدي لعصر المعصومین. وقد سیطر هؤلاء المحدثون بشکل کامل في عصر الغیبة الصغری 0260-329هـ) علی المراکز العلمیة للشیعة، حتی إن فقهاء قم کانوا کلهم محدثین. و قد کانت أکبر خأمة قدموها إلی فقهاء العصور التالیة، جمع و تدوین الروایات. و في هذه الأثناء کان هناک محدثون مثل الناشئ الأصغر، و علي بن عبدالله بن وصیف (تـ 366هـ) ینتهجون فکراً أکثر تطرفاً، ویتحدثون بأسلوب الظاهریة (الشیخ الطوسي، لافهرست، 115)، وکانت طائفة أخری مثل علي بن الحسین ابن بابویه القمي (تـ 329هـ)، وابن قولویه القمي (تـ 369هـ) یعملون بنوع منالاجتهاد (ظ: مدرسي، 1/ 46-47، 52-53). وفي عصر المحدثین، کانت هناک شخصیتان علمیتان بارزتان هما ابن أبي عقیل العماني، وابن جنید الإسکافي (ن.ع.ع) یستخدمان الاستدلال العقلي أیضاً في استنباط الأحکام، وقد عُرفا فیما بعد بـ «القدیمین» (ابن فهد، 1/ 69).

وعلینا بحق أن نسمي عصر الشیخ المفید (تـ 413هـ) والشریف المرتضی علم الهدی (تـ 436هـ)، عصر الاجتهاد المطلق والکامل، فقد انبری هذان الفقیهان المتکلمان اللذان کانا متحمسین في اتباع الاستدلال العقلي وتأیید الاجتهاد في الفقه (بمفهومه الشیعي)، وانبریا لمحاربة أهل الحدیث بشدة حتی قضیا علی مذهبهم الفقهي (ظ: عبدالجلیل، 568)، حیث جعلا الرد علی أهل الحدیث موضوع بعض مؤلفاتهما (مثل تصحیح الاعتقاد، والمسائل السرویة للشیخ المفید). و قد کان الفقهاء المتکلمون متأثرین بابن أبي عقیل في أسالیب الفقه. ولم یکونوا یرون أخبار الآحاد معتبرة، وکانوا یعملون بدلاً من ذلک بالإجماع، أي اتفاق الآراء بین فقهاء الشیعة (ظ: الشریف المرتضی، الانتصار، 6، 9، مخـ؛ الشیخ الطوسي، الخلاف، 2/ 1، 3، مخـ). وسعی من بعدهم الشیخ الطوسي (تـ 460هـ)، المعروف بشیخ الطائفة والذي کان هو الآخر متکلماً بارزاً، لإثبات حجیة الخبر الواحد من خلال حفظ الأسلوب الاستدلالي والعقلي في الفقه (عدة، 1/ 336 ومابعدها). وقد کان المبتکر لتوسیع و تفریع المسائل الفقهیة في کتاب المبسوط و مؤسس الفقه المقارن فيکتاب الخلاف. وقدأدخل بذلک قسماً کبیراً من التراث الفقهي لأهل السنة في الفقه الشیعي. و فضلاً عن ذلک، فإن أسلوبه البدیع في تدوین الموسوعتین الحدیثیتین التهذیب و الاستبصار کان متمثلاً في الجمع بین الاحادیث المتعارضة، حیث أدی إلی تطور الفقه الاجتهادي.

وقد أثرت الشخصیة العلمیة الفقهیة للشیخ الطوسي علی الفقهاء من بعده إلی درجة کانوا منشغلین حتی مایقرب من قرن بشرح آثاره، واتباع أسالیبه المبتکرة (ظ: صاحب المعالم، 179)، بحیث تسمی هذه الطائفة من الفقهاء بالمقلدین. و یمکنا أن نذکر من فقهاء هذا العصر المعروفین ابن حمزة (تـ566هـ). وکان ابن إدریس الحلي (تـ 598هـ) الفقیة الشیعي الأول الذي عارض أسلوب الشیخ الطوسي. فقد هاجم في مواضع شتی من کتاب السرائر آراء الشیخ و حطم جدار التقلید، و أنقذ الفقه من الجمود والرکود. و یعد ابن زهرة (تـ 585هـ) و سدید الدین الحمصي (تـ بعد 573هـ) من الفقهاء الآخرین في هذا العصر الذین عملوا علی إحیاء الأسلوب الفقهي – الکلامي للشیخ المفید و الشریف المرتضی عبر إنکار حجیة الخبر الواحد.

ومن جهة أخری، فقد بذل الفیهان الشیعیان الکبیران المحقق الحلي (تـ 676هـ) و العلامة الحي (تـ 726هـ) جهوداً کبیرة في القرنین 7 و 8 هـ لتدوین النهج الفقهي للشیخ الطوسي و تنقیحه و تبیینه، وأوصلوه إلی الکمال، وتعد الکتب الفقهیة للعلامة الحلي و خاصة قواعد الأحکام وآراؤه الأصولیة و الرجالیة أفضل شاهد علی ذلک. و بعد فقهاء الحلة الکبار، اتجه الاجتهاد مرة أخری إلی الانحطاط و الرکود. وانشغل غالبیة الفقهاء بکتابة الحواشي و الشروح، حتی بدأ عصر الأخباریین (أوائل القرن 11 هـ) و معارضة المجتهدین والأصولین، وتم إحیاء مذهب أهل الحدیث. وقد کان المیرزا محمدأمین الإسترابادي (تـ 1036هـ) علی رأس الأخباریین. وقد أنکر في کتاب الفوائد المدنیة حجیةالعقل في کشف الحقائق، وکذلک أصول الفقه التي کانت قائمة علی الاستدلالات العقلیة. ویمکننا أن نعتبر محدثین کباراً مثل نعمة الله الجزائري، والحر العاملي، و محسن الفیض الکاشاني، و یوسف البحراني من الفقهاء المعروفین في هذا المذهب. وقد سیطرت النهضة الأخباریة علی فقه الشیعة حتی النصف الثاني من القرن 12هـ، حتی هزمت أمام الهجمات المتواصلة لوحید البهبهاني (تـ 1205هـ) و تلامذته البارزین. وقد بذل البهبهاني و تلامذته جهوداً تستحق التقدیر في إحیاء علم الأصول، و تبیین استخدامه الدقیق في الفقه والاجتهاد.

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: