الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبومسلم الخراساني /

فهرس الموضوعات

أبومسلم الخراساني

أبومسلم الخراساني

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/12 ۱۷:۳۳:۴۶ تاریخ تألیف المقالة

ومهما یکن من شيء، فإن خراسان لم تبق آنذاک بمعزل عن آثار الثورات التي اندلعت في العراق. فقد ثار في 133 هـ شُریک بن شیخ المهري أمیر بخاری العربي، احتجاجاً علی تعسف الحکام الجدد وجورهم و تأییداً للعلویین، فانضم إلیه جم غفیر من الناس. فأم رفي التو أبومسلم قائده زیاد بن صالح الخزاعي لمواجهته، فهزمه بمعیة قتیبة بن طغشادة بخار اخدات، ثم أضرم النیران في بخاری وأعمل السیف في الکثیر من أهلها (الطبري، 7/459؛ النرشخي، 86-89؛ الگردیزي، 268-269). وفي هذه السنة نفسها قدم الصینیون الذین کانوا یتطلعون للسیطرة علی ماوراء النهر، بدعوة من أخشید فرغانة الذي کان یعادي ملک الشاش، فحملوا ملک الشاش علی الطاعة، إلا أن زیاد بن صالح خرج لقتالهم بأمر من أبي مسلم، فهزم الصینیین إلی جانب نهر طراز وقتل الکثیر منهم (ابن الأثیر، 5/449). وفي نفس السنة أیضاً دخل أبوداود خالد بن إبراهیم أحد قاد أبي مسلم «ختّل» و حاصر حبیش بن الشبل (حنش بن السبل؟) و دهاقنتها، فاستولی علیها (الطبري، 7/460؛ ابن الأثیر، 5/448-449). کما سیطر أبوداود علی کَش في 134هـ و قتل بعضاً من دهاقنتها. و من جهة أخری ولّی أبومسلم – الذي کان قد دخل ماوراء النهر واستولی علی سغد وبخاری – زیاد بن صالح أمیراً علیهما، وأبا داود حاکماً لبلخ، وعاد هو نفسه إلی مرو (الطبري، 7/464؛ ابن الأثیر، 5/453)؛ إلا أنه اضطر بعد ذلک بقلیل للهجوم ثانیة علی ماوراء النهر لتمرد عامله زیاد بن صالح الذي ضاق ذرعاً، علی حد قول البلاذري (3/168- 169) بتعسفات أبي مسلم، و حینما انضم جیش زیاد إلی أبي مسلم، فرّ هارباً إلی بارکت إحدی قری اشتروسنة، فقتله دهقانها و بعث برأسه إلی أبي مسلم (الطبري، 7/466). وقد حدث هذا التمرد – کما تفید إحدی الروایات – بتحریض من الخلیفة نفسه (المقدسي، مطهر، 6/75؛ الذهبي، سیر، 6/60) الذي قیل إنه أرسل رجلاً یدعی سباع بن أبي نعمان الأزدي بعهد إمارة زیاد علی خراسان وأوصاه بقتل أبي مسلم إن سنحت له الفرصة. فقبض علیه أبومسلم الذي ربما علم بالمؤامرة بواسطة جواسیسه، ولأنه لم یکن بعدُ موقناً بصحة الخبر، أوکل أمره إلیعامله في آمل – إلی جانب جیحون – و خرج هو بنفسه لمواجهة زیاد. و حینما علم هناک بدور سباع في تحریض زیاد للتمرد علیه، أمر بقتله (الطبري، ن.ص). وبلغت به الجرأة والشجاعة إلی حد إرسال رأس زیاد إلی الخلیفة (المقدسي، مطهر، ن.ص). ومنذ ذلک الحین فصاعداً دبر أبومسلم مکیدة لدفع أنصار أبي داود خالد بن إبراهیم لقتل عیسی بن ماهان الداعیة العباسي الکبیر. وحینما طلب الخلیفة معاقبة أبي داود، امتنع أبومسلم عن ذلک و سار قدماً في تنفیذ عزمه في قتل عیسی بن ماهان (الطبري، 7/467؛ البلاذري، 3/169).

وبذلک فقد قتل أبومسلم حتی هذا الوقت عدداً من أبرز الدعاة والولاة العباسیین، وانفرد بسیطرة وهیمنة کاملة علی خراسان و ماوراء النهر؛ إلا أن هذه الحالة لم تدم کثیراً، فقد ذهب أبومسلم إلی العراق ولم یعد إلی خراسان قط.

فعلی حد قول الطبري (7/468- 470) فقد استأذن أبومسلم أبا العباس السفاح في الحج، واستمرت مدة تبادلا فیها الرسائل حول عدد الجند الذین کان أبومسلم یرغب في اصطحابهم معه، فوافق الخلیفة أخیراً علی ألف من الجند. ومع کل ذلک فقد سار أبومسلم الذي کان یعي مدی العداء الذي آثاره في نفوس أعدائه العدیدین، ومعه ثمانیة آلاف، وفرّق الکثیر مهم في خراسان حتی الري التي ترک فیها أموالاً طائلة مما کان یحمله معه، أو التي کان قد جباها من خراج منطقة الجبال، ثم توجه للعراق و برفقته ألف شخص. ولکن یبدو من روایة الجهشیاري (ص 163) أن الخلیفة کان بصدد اختبار مدی وفائه، وأنه استدرجه للعراق بحیلة. فعلی حدتلک الروایة، طلب السفاح من أبي الجهم بن عطیة إرسال خطاب إلی أبي مسلم یدفعه فیه إلی أخذ الإذن بالسفر إلی العراق وإثبات وفائه للخلیفة. ففعل أبومسلم، إلا أن السفاح رفض، ومع ذلک فقد طلب الخلیفة من أبي الجهم ثانیة بإرسال خطاب آخر له بنفس الأسلوب، لکنه و للمرة الثانیة لم یأذن له في السفر، وأخیراً وافق في المرة الثالثة، وحل أبومسلم في العراق، ومع ذلک فربما أحاط أبومسلم علماً بتلک الحیلة عن طریق أبي الجهم. ومما یؤید ذلک أن أبا مسلم حین وصوله للأنبار، لم یخف رغبته في موت السفاح و الإمساک بزمام الأمور والسیطرة علی جمیع رقعة الخلافة (البلاذري، 3/184)، خاصة وقد سعی أبوجعفر کلّ سعیه لتحریض السفاح علی قتل أبي مسلم حینما حل في العراق. وقیل إن الخلیفة وافقه علی نیته رغم خشیته من ثورة أنصار أبي مسلم،وربما لهذا السبب سعی الخلیفة مرة لبث الفرقة بین أبي مسلم و جیش خراسان بشأن حقوقهم من دیوان الجند (الجهشیاري، ن.ص)، لکن الخلیفة حینما شاهد أبامسلم، منع أبا جعفر من تنفیذ نوایاه (الطبري، 7/469).

وکان أبومسلم و هو في طریقه للحج یطمع في أن یقلده الخلفة إمارة الحج لیضفي منعة علی نفوذه المعنوي، إلا أن الخلیفة لم یوافقه علی ذلک بحجة أن أبا جعفر أیضاً في طریقه للحج و أنه أوکل إلیه إمارة الحج آنفاً، ویبدو أنه کان قد اتفق مع أبي جعفر بشأن هذا الأمر، فما کان من أبي مسلم إلا أن أبدی سخطه من خلال تهمة وجهها لأبي جعفر (البلاذري، ن.ص؛ ابن الأثیر، 5/468)، وأخیراً توجها معاً إلی الحج. وحینما أدیا فرائض الحج عادا، وکان أبومسلم سابقاً له في العودة، وقد سمع و هو في الطریق خبر وفاة السفاح (ذي الحجة 136)، فبعث بخطار إلی أبي جعفر یعزیه بوفاة الخلیفة، لکنه لم یهنئه بالخلافة، وواصل في الأرب سبقاً (الطبري، 7/480؛ ابن الأثیر، ن.ص؛ قا: الطبري، 7/470-472؛ الدینوري، 378). ومن بین ما أخذه علیه المنصور فیما بعد هذه الغطرسة. وفضلاً عن ذلک، فقد روی البلاذري الذي ینص علی عدم علم أبي مسلم بولایة عهد أبي جعفر – الذي کان قد ذهب سابقاً إلی خراسان لأخذ البیعة – أن أبا جعفر استشاط غضباً من فعلة أبي مسلم تلک ودعا نفسه خلیفة في رده علی الخطاب الذي أرسله إلیه أبومسلم، کما طلب من حامل الجواب عطیة بن عبدالرحمان التغلبي الانقضاض علیه حین انشغاله بقراءته، إلا أن أعوان أبي جعفر المنصور منعوه من تنفیذ ما ذهب إلیه (3/185-186). وحینما بلغ أبا مسلم خطاب أبي جعفر المنصور، هنأه بالخلافة (الطبري، 7/480). وعلی روایة أخری فإن أبا مسلم سبقه في الذهاب إلی الأنبار وسعی إلی إجلاس عیسی بن موسی علی أریکة الخلافة (البلاذري، 3/185)، ولما أبي عیسی، خطا کتاباً لأبي جعفر و خاطبه فیه بالخلیفة.

وقد واجه أبوجعفر في بدایة خلافته ثورة، لو لم یقض علیها أبومسلم لهددت خلافته بالخطر المبرم. فقد امتنع عن مبایعته عمه عبدالله بن علي الذي عدّ نفسه خلیفة بنص قول السفاح و شهادة عدد من أمرائه، وأیده بعض قادة خراسان. وفاستعد أبومسلم الذي انصاع لطاعة أبي جعفر لمواجهة عبدالله، ولجأ منذ البدء إلی حیلة لعلمه بقدرته العسکریة. ومع کل ذلک استرم النزاع لبضعة أشهر انتهی بانتصار أبي مسلم وهروب عبدالله إلی البصرة (الطبري، 7/474- 478). وخلال هذا النزاع أطلع الحسن بن قحطبة أبا أیوب الموریاني (ن.ع) کاتب أبي جعفر و مشاوره المقرب لدیه، استهزاءکلّ من أبي مسلم وأبي نصر مالک بن هیثم بکتب الخلیفة، وأعرب أبوأیوب بأننا أشد تهمة بأبي مسلم (م.ن، 7/481). ولعل مما دعا إلی إرسال أبي الخصیب المرزوق [وفي روایة أخری: یقطین] لإحصاء وحصر ماغنمه أبومسلم في حربه مع عبدالله بن علي، هو سوء الظن هذا، وذلک للحد من قدرته علی تعبئة الجند. وقد استشاط أبومسلم غضباً وعزم علی قتل رسول الخلیفة وأفحش القول في أبي جعفر. و ذعر الخلیفة من رد فعله هذا وأیق باستحالة أن تطوله یده إذا ما ذهب إلی خراسان. فبعث إلیه الأمر بتولیته حکومة الشام و مصر، وطلب إلیه القدوم علیه، وانتقل هو من الأنبار إلی المدائن (ابن قتیبة، عیون، 1/26؛ الطبري، 7/482-483).

نزل أبومسلم إلی جانب الزاب، وذکر في الخطاب الذي وجهه لأبي جعفر تغلبه علی أعدائه، وأنه نافر من قربه، حریص علی الوفاء بعهده ما وفي الخلیفة. وتفید روایة أخری أن أبا مسلم ذم بشدة في خطابه هذا إبراهیم الإمام و عدّه محرفاً للقرآن و محرضاً له علی قتل الخلق، ونعت العباسیین بالجهل ف ثم طلب المغفرة لنفسه من الخالق. و قد تشاور أبوجعفر مع أصحابه في شأنه، ثم أرسل إلیه خطاباً بید أبي حمید المروروذي عظم فیه أمره وشکر له ما کان منه ودعاه إلیه، وفي نفس الوقت حذره عاقبة امتناعه عن العودة وإلا سیتوجه إلیه بنفسه لمحاربته (م.ن، 7/483-484). فامتنع أبومسلم في البدء عن قوبل دعوة أبي جعفر المنصور، إلا أنه وجم طویلاً ورعب حین سماعه تهدید أبي حمید عن لسان الخلیفة (م.ن، 7/484-485).

ومن جهة أخری، عمل لامنصور علی بث الفرقة والفتنة بین أعوان أبي مسلم، فوعد أبا داود نائب أبي مسلم علی خراسان، بتقلیده إمارة تلک الولایة. فکتب أبوداود خطاباً لأبي مسلم لوّح فهی بعدم سماحه له بالعودة إلی خراسان إن شق عصا الطاعة للخلیفة. فاعتری أبومسلم من هذا قلقاً شدیداً وأرسل قائد حرسه أبا إسحاق خالد بن عثمان إلی المنصور لیتعرف علی نوایاه. فخدع المنصور بدوره أبا إسحاق هذا وأمّله بإمارة خراسان إزاء الوقوف ضد أبي مسلم. و حینما عاد أبوإسحاق لأبي مسلم طمأنه بثقة الخلیفة والعباسیین به و وفائهم له، وعندما عزم أبومسلم علی الذهباب لدی الخلیفة. وقیل إن نیزکاً وهو أحد القادة الخراسانیین حرض أبا مسلم علی قتل الخلیفة ومبایعة من شاء فالناس سوف لن یخالفوه (م.ن، 7/485-486؛ قا: البلاذري،3/203). وقبل أن یذهب أبومسلم للخلیفة خلف مکانه أبا نصر مالک بن الهیثم وعرّفه بکیفیة تمییزه لکتبه عن الکتب المزیفة. وحینما بلغ المدائن حذره أحد قادته من مغبة الذهاب إلی المنصور، إلا أنه واصل سیره إلیه مع مجموعة وهرع الناس لاستقباله بأمر من المنصور،واحتفی به المنصور وطلب منه أن یستریح من وعثاء السفر (الطبري، 7/487- 489). ثم بدأ یتشاور مع أبي أیوب الموریاني حول قتل أبي مسلم، فوافقه الأخیر علی رأیه (الجهشیاري، 76)، وبعدها تحدث مع عثمان بن نَهیک رئیس حرسه في هذا الصدد، فلم یعارضه، فأمره المنصور بالمکین مع عدد من حرسه للانقضاض علیه حینما یصفق بیدیه (الطبري، 7/488-490). وفي غداة ذاک الیوم (لخمس لیال بقین من شعبان 137) توجه أبومسلم للقائ المنصور.

ورغم أنه لم یکن في خلوةالمنصور من حد سوی قتلة أبي مسلم والخلیفة نفسه علی مایبدو، لکن هناک روایات مختلفة نقلت عن مقتل أبي مسلم. وعلی حد ماورد في إحداها، فإن المنصور حینما أخذ سیف أبي مسلم بحیلة، انهال علیه باللوم، فطالبه أبومسلم بالکف عن هذا الحدیث، فهولا یهاب أحداً إلا الله، فاشتاط المنصور غضباً ودعا أعوانه إلی قتله (م.ن، 7/490). في حین أن هناک روایة أخری تفید أن المنصور قال لأبي مسلم ما في قلبه، فأجابه أبومسلم بتؤدة وصبر علی تساؤلاته الواحدة تلو الأخری وذکّره بصنیعه للعباسیین، إلا أن الخلیفة صفق بیدیه فشهر الحرس سیوفهم علیه وقتلوه وهو یطلب منه الصفح ویقبل یدیه (م.ن، 7/489-492؛ المسعودي، 3/291)، ثم ألقوا بجثمانه في دجلة (البلاذري، 3/207؛ قا: الدینوري، 382-383). وقد فارق أبومسلم الحیاة وهو ابن 33 أو 37 سنة وعلی روایة 38 سنة (البلاذري، ن.ص؛ الزمخشري، 3/149؛ الذهبي، سیر، 6/71).

وحینما قتل أبومسلم، خشي أعوان الخلیفة ثورة جُند القائد المقتول، إلا أن أشخاصاً کأبي نصر مالک بن الهیثم أذعنوا للطاعة، وفرّق الخلیفة أموالاً طائلة بین قادة خراسان و جندها، وخص بعطائه أبا إسحاق أمیر حرس أبي مسلم الذي حال دون ثورة جیش خراسان بعد مقتل مخدومه (الطبري، 7/492-493؛ ابن الأثیر، 5/476). وقیل إن المنصور خطب بعد مقتله واتهمه بالخیانة، وقال: «إن أبا مسلم بایع لنا علی أنه من نکث بنا فقد حلی ماله ودمه، ثم نکث بنا، فحکمنا علیه لأنفسنا حُکمَهُ علی غیره لنا» (المبرد، 58-59).

خلف أبومسلم ابنتین هما فاطمة و أسماء، وقد ذُکر أحد أحفاد أسماء ویدعی أبا مسلم محمد بن عبدالمطلب في سلسلة أسانید مصدر الخطیب البغدادي (10/207) عند ذکره بعض أخبار أبي مسلم. أما ابنته الأخری فاطمة فقد اقتدت بها فرقة تدعی الفاطمیة بعد مقتل أبیها بل رُوي أن بابک خرم‌دین کان حفیدها (الدینوري، 402). وهناک شخصان من أحفاد شقیق أبي مسلم و هما محمد و علي ابنا حمزة بن عمارة، ذکرهما ابن نعیم في جملة من ذکرهم في أخبار أصبهان، ونقل روایات عنهما (2/11، 269). وقد کان لعلي بن حمزة مصنف باسم کتاب أصبهان تفاخر فیه بأبي مسلم (مجمل التواریخ، 328).

ورغم أن المصادر ذکرت أبامسلم دوماً باعتباره رجلاً عسکریاً، إلا أنه علی حدما تفید به الروایات لم یکن بلانصیب من العلم والأدب. فقد قیل إنه کان جاداً في طلب العلم (الذهبي، ن.م، 6/53)، وإنه درس في طفولته مع أبناء آل معقل، وسمع الحدیث عن عکرمة و أبي الزبیر محمد ابن مسلم المکي و ثابت البُناني و محمد بن علي بن عبدالله بن عباس وعبدالرحمان بن حرملة، وروی عنه عبدالله بن المبارک و إبراهیم بن میمون الصائغ وابن شُبرمة الفقیه (ابن الأثیر، 5/479؛ الذهبي، ن.م، 6/50). وتفید إحدی الروایات أن أبا مسلم قد بعث من یقتل إبراهیم بن میمون هذا بعدما أعلن خلال الدعوة معارضته لأبي مسلم وأباح أمه (ابن سعد، 7/370).

ورغم مایبدو من إشارة للطبري (7/482) من أن أبا مسلم لم یکن بمقدوره أداء بعض الحروف العربیة بشکل صحیح، ولکن قیل إنه کان في غایة الفصاحة و البلاغة في الفارسیة والعربیة وغزیر الروایة للشعر (ابن خلکان، 3/148؛ النویري، 7/253-255). وقد ذکر صاحب مجمل التواریخ (ص 327) نقلاً عن المدائني أنه نظم الشعر بالفارسیة و العربیة. وهناک إشارات في المصادر إلی بعض أشعاره العربیة التي نُقل بعضها (ابن خلکان، 3/152؛ الخطیب، 10/208؛ ابن العمراني، 67)، ولکن لم تشاهد له حتی الان أشعار بالفارسیة. وإذا ماصحت هذه الروایة فستحظی بمکانة خاصة في الدراسات المتعلقة بتاریخ الأدب و الشعر الفارسي بعد الإسلام. ویبدو أن أبا مسلم کان ملماً بالثقافة والأدب الفارسي الوسیط، ویتضح ذلک بجلاء فیما کتبه للمنصور عن الملوک الساسانیین و وزرائهم (الطبري، 7/483). وقد نقلت عنه أقوال في العربیة أضحت مضرباً للمثل (مثلاً ظ: الزمخشري، 1/479، 3/434). وفضلاً عن ذلک، فقد نسبت إلیه بعض الآثار العمرانیة: فقد قیل إنه حینما ذهب للحج قام بترمیم آبار في طریق مکة (ابن الأثیر، 5/468)، کما شید مسجد جامع نیسابور (الگردیزي، 266)، وبنا فيمرو مسجداً و سوقاً وداراً للإمامرة (الإصطخري،259) شاهده ابن حوقل في أواسط القرن 4هـ (2/435). کما نسب إلیه بناء سور سمرقند و أبراجه المحیطة به (ابن عبدالمنعم، 323). وعلی حد قول بارتولد (ص 167-168) فعامة أهالي سمقند کانوا یؤکدون علی إنشائه لشبکات المیاه فیها، ولم تزل إحدی القنوات الکبیرة تسمی باسمه: «کام أبومسلم».

وقد أطلقت علی أبي مسلم ألقاب شتی، مثل: أمین آل محمد (ص)، وأمیر آل محمد (ص)، وصاحب الدعوة، وصاحب الدولة العباسیة لدعوته الناس إلی بیعة عترة النبي (ص) و خلافة العباسیین (الطبري، 7/450؛ المسعودي، 3/271؛ ابن عبدربه، 1/317؛ الخطیب، 10/207- 208)، وقد عنون المرزباني کتابه الذي ألفه عنه باسم أخبار أبي مسلم صاحب الدعوة (ابن الندیم، 148). ویلاحظ لقب نأمیر آل محمد» في المسکوکات التي ضربت باسمه – ربما في مرو أو نیسابور – وقدتم العثور علیها في تنقیبات الزاب الصغیر (غست، 555-556؛ قا: منهاج سراج، 1/107، ولایُعلم لِمَ لقب بشاهنشاه).

کان أبومسلم علی حد ما و صفوه رجلاً وسیم الطلعة، أسمر، قصیر القامة، خافض الصوت، لم یُرَ ضاحکاً ولامازحاً إلا في وقته، ولایکاد یُقَطِّب في شيء من أحواله، تأتیه الفتوحات العظام فلایظهر علیه أثر السرور و تنزل به الحوادث الفادحة فلا یُری مکتئباً (ابن خلکان، 3/148). ورغم ماقیل عنه بأنه رجل نازک شجاع ذو رأي و عقل و تدبیر وحزم و مُروءة (ابن الأثیر، 5/479-480؛ ابن خلکان، ن.ص) وإنه حین مقتله لم یخلف ملکاً ولاعقاراً سوی خمس جوار (مجمل التواریخ، 328)، ولکن نقلت عنه أرقام مدهشة عمن قتلهم في الحروب، أو من «ألحقهم بخوارزم» بأمره؛ و جملة «ألحقهم بخوارزم» عبارة کان أبومسلم یتفوه بها لمن أراد قتله (البلاذري، 3/168؛ الطبري، 7/491؛ مجمل التواریخ، 327؛ منهاج سراج، 1/106). وقیل إنه أتی بالسیف باسم العدعوة للعباسیین علی کل من کان في خراسان من کبار الیمن وربیعة وقضاعة والملوک و الدهاقنة و المرازبة (مجمل التواریخ، 328). ورغم مایبدو في هذ الروایات من مبالغات، ولکن من الواضح أنه في تلک الأیام قد دلقی من الرعب في القلوب مادعا العرب القاطنین علی قاطعة طریق الحجیج یفرون من أمامه حین سفره للحج (حافظ أبرو، الورقة 287 ألف). ویبدو أنه کان علیماً بما فعله، إذ حینما أمره السفاح بالمجيء إلی العراق و معه 500 فارس، أجاب: قد جعلت الناس جمیعاً أعدائط، فکیف لي بالمجيء دون عساکر (ن.ص).

وقیل إنه حینما ذهب للحج وأراد التوبة، کان یائساً من رحمة الله حیث قال: «إنیي نسجت ثوب لم لایبلی مادامت الدولة لبني العباس، فکم من صارخة لعنتني عند تفاقم الظلم» (الزمخشري، 2/827). ولکن لیس معلوماً إلی أي حد یمکن الوثوق بمثل هذه الروایات. وفي الحقیقة فإن أغلب الکتّاب والشعراء العرب تعرضوا لهجائه و الطعن فیه، إذ أن عدداً کبیراً ممن أتی علیهم بسیفه کانوا من عرب خراسان المناهضین للدعوة العباسیة، أو ممن لم یثق بهم إبراهیم الإمام الذي حرضه علی قتلهم (البلاذري، 3/206-208؛ المقریزي، النزاع، 95-98). وفي هذا الصدد وصفه الذهبي بحجاج زمانه، بل أسوء منه، و عدّه بلاءعظیماً حل بعرب خراسان فإنه أبادهم بحد سیفه (العبر، 1/143، میزان ...، 2/590، سیر، 6/53). أما الإیرانیون الذین لم یروا من سیاسة الأمویین العنصریة سوی الظلم و القتل و النهب والعزلة و العبودیة، فقد کانوا ینظرون إلی أبي مسلم باعتباره شخصاً قض مضاجع الأمویین. ولهذا فلم یکن بعض دهاقنة خراسان قد دعموه فقط (مثلاً ظ: الگردیزي، 266)، بل انجفلوا علیه من کل صوب وحدب وثاروا معه ملوحین بـ «کافَرْ کوب»، أي ماحق الکفرة (الدینوري، 361) و غالوا في حبه إلی درجة أن صاحب مجمل التواریخ عدّه في مستوی الإسکندر و أردشیر بابکان (ص 327)، ونقل الگردیزي (ص 462) أن الناس کانوا یحتفون بیوم خروجه، وذکر منهاج سراج في 617هـ، دق الطبول باسمه و إیقاف حصانه في أوقات متناویة عند باب دار الإمارة (1/107). وعلی حد قول الحموي (ص 182) فإن أهالي نیسابور قد جعلوا باسمه قبراً تذکاریاً في العصر الصفوي کانوا یزورونه، وقد بالغوا في تکریمه بحیث ذکروه في قصصهم الدینیة و کانوا یستندون إلی روایة تنص علی أن الإمام علیاً (ع) بشر بظهوره (م.ن، 185). ولاشک أن هذا یعود إلی اعتقاد العوام بتشیعه و قد أید ذلک بعض الکتاب المتقدمین (القزویني الرازي، 160، 215- 216). کما نری شاعراً مثل صفي الدین الحلي ینظم قصیدة في مدحه التمسه إلی نظمها النقیب تاج الدین الآوي (المحدث، 2/623- 624). کما أورد ابن العمراني أن أبا مسلم بث في المدن الدعاة في أیام المنصور ودعا الخلق إلی ولد فاطمة (ع) (ص 65)؛ إلا أن علماء الشیعة المتأخرین بذلوا قصاری جهدهم في إثبات بطلان هذا الرأي. ورغم مایبدو في بعض الروایات من أن أبا مسلم کان متشدداً في إسلامه و أنه قتل بخارا خدات لارتداده عن الإسلام (النرشخي، 14) وأسلم بعض دهاقنة خراسان وأهالیها علی یدیه (فرای، 31، نقلاً عن ابن أبي طاهر طیفور)، إلا أن لامحقق الکرکي الفقیه الشیعي العربي المعروف أفتی بجواز لعنه و لعن أنصاره، واستفاض في الحدیث عن ذمه و دحضه في کتابه مطاعن المجرمیة (الحموي، 186-189). کما أن أحد علماء أصفهان، المعروف بمیرلوحي قد نفي تشیعه في ترجمة أبي مسلم المروزي وذمه، وحینما هاجمه الدهالي وآذوه، أیده علماء آخرون ودونوا رسائل عدیدة في تدعیم رأیه، ومنها: إظهار الحق للسید أحمد زین العابدین العلوي ومثالب العباسیة لمؤلف مجهول (آقابزرگ، 4/150-151، 11/91-92، 19/75). کما کفّر الحموي صاحب أنیس المؤمنین أبا مسلم و أنصاره (ص 159- 160 و مابعدها) و طعن فیه في کتابه الآخر منهج النجاة (م.ن، 188).

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: