أبوتمام
cgietitle
1442/12/20 ۱۹:۳۷:۰۴
https://cgie.org.ir/ar/article/234746
1447/1/9 ۲۲:۱۵:۳۹
نشرت
4
ذهب أبوتمام من دمشق أوحمص إلی مصر، ویری البهبیتي (ص 61) أن تاریخ سفره کان حوالي سنة 195هـ، ویری فروخ أنه کان في 208 أو 209هـ (ص 26)، ویتفق الأکثریة علی أنه کان منهمکاً بالسقایة في المسجد الجامع، أي مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط (م.ن، 27؛ أیضاً ظ: ابن خلکان، 2/17؛ ابن عساکر، ن.ص). ونقل الصولي (ن.م، 121) عنه أنه نظم أول قصائده بمصر و في مدح عیاش بن لهیعة الذي أعطاه صلة قدرها 5,000 درهم. وکان عیاش قد عین مرة واحدة فحسب من قبل سلیمان بن غالب علی شرطة مصر في 201هـ (ظ: البهبیتي، 58). ولیس من المعلوم أیضاً الوقت الذي مدح فیه عیاشاً هذا، إذ أنه إن کان ذلک خلال تولیه شرطة مصر، فینبغي افتراض أن سنّ أبي تمام آنذاک کان 13 سنة (شریطة أن نعتبر حدوث ولادته في 172هـ خطأً). وفضلاً عن ذلک فإن الروایة المنقولة عن أبي تمام تبدو عجیبة أیضاً، إذ کیف یمکن لشاب أن ینظم لأول مرة شعراً بهذه القوة ویأخذ صلة قدرها 5,000 درهم. وبعد فترة تأثر أبوتمام من عیاش الذي یبدو أنه لم یکن یمنحه صلة، فانبری لعتابه (ظ الخیاط، 395-396) ثم لهجائه (ن.م، 488)، ویبدو أن الحقد علی عیاش قد استولی علی قلب الشاعر إلی الحد الذي جعله لایترکه وشأنه حتی بعد موته بل هجاه بألفاظ قاسیة (ن.م، 495-496).
وفي مصر هجا شاعراً آخر یدعی یوسف السراج (ن.م، 489؛ الجرجاني، علي، 20)، لکن لیس لدینا أیة معلومات عن هذا الشاعر نتمکن من خلال الاستعانة بها من إلقاء ضوء علی زمن وجود أبي تمام في تلک الدیار. و یبدو أنه قد تعرف في هذه الدیار إلی عبدالله بن طاهر الذي تولی في 211 هـ ولایة مصر و ظل حتی رجب 212 عندما وُفق لإخماد نیران الاضطرابات هناک، ثم غادر بعد ذلک مصر بعد أن عیّن علیها أمراء من قبله. وقد روی الکندي جمیع هذه الأخبار (ص 180-184)، إذ أشار أولاً إلی انتصار عبدالله علی عبیدالله ابن السري، ثم أورد قصیدة لأبي تمام أشار خلالها إلی تلک الحوادث (م.ن، 181)، وقد جرت تلک الواقعة في محرم 211. وفي جمادی الأولی من السنة نفسها استسلم عبیدالله تماماً واتجه إلی بغداد. وذکر هذا الأمر أیضاً أبوتمام ببیتین من الشعر (م.ن، 183)، لکن یبدو أن هذه البیتین هما جزء من نفس تلک القصیدة، وعلیه فینبغي التصور أنه نظم شعراً الوقائع الأولی أیضاً بعدها بـ 5 أو 6 أشهر.
کما أشیر في هذا الکتاب إلی شعر قاله أبو تمام في رثاء عمیر بن الولید أحد رجالات خراسان الذي قتل في ربیع الآخر 214 بمصر (م.ن، 186)، وفي تلک الأیام هرب عیسی بن یزید الجلودي من المعرکة وعاد إلی الفسطاط و حفر حولها خندقاً، ولهذا السبب هجاه أبوتمام (م.ن، 187-188).
ونحن نعلم الآن من جهة أن أبا تمام کان في مصر لخمس سنوات؛ ومدح وهجا عیاشاً الذي یبدو أنه کان في 201هـ صاحب شرطة القاهرة؛ وممدوحه الآخر هو المطلب بن عبدالله الخزاعي الذ أصبح والیاً علی مصر آخر مرة في 198 هـ، و من جهة أخری فإن أخباره مع عبدالله بن طاهر أیضاً تعود إلی السنوات 211-214هـ. ولهذا اعتقد البعض أنه ذهب إلی مصر مرتین: مرة في طفولته ی أیام شبابه، رغم أن مصادرنا لم تشر إلی سفره الثاني (یبدو أن هذا الرأي مستقیً من البهبیتي، 62-67، 102-103). و بعد إقامة استمرت 5 سنوات بمصر – و زیارته لبعض المدن کما یحتمل خاصة الإسکندریة – ضجر من تلک الدیار کثیراً، وأوّه في شعره من أحوال مصر و کوت اللوعة قلبه علی أسرته، خاصة أمه التي کانت بانتظاره (ط الخیاط، 472-473). ومع أنه – وخلافاً للمتوقع – لم یکن قد حقق بعد نجاحاً، قرر العودة إلی ونه (قا: عبد الحق، 17؛ فرف 29).
ومهما یکن، فقد ذهب أبوتمام إلی الشام وانبری فیها لمدح کبار الشخصیات الذین کان المشهور من بینهم هو أبا المغیث موسی بن إبراهیم الرافقي فحسب. و کما مرّبنا فإن تحدید تاریخ وصوله إلی الشام أمر صعب. فقد اعتُبر حیناً في حوالي 215هـ (عبدالحق، ن.ص؛ فروخ، 30) وحیناً آخر في السنوات الأول من القرن 3هـ. وقد اضطر البهبیتي الذي یصر علی هذا الأمر إلی أن یعتبر بعض مدائحه بحق أبي المغیث قبل تولیه دمشق (بعد 218هـ)، وبعضها الآخر و کذلک أهاجیه بعد حوالي 15 سنة من ذلک (ص 9-95)، وفي نهایة إحدی قصائده التي قدمها إلیه أثنی أبوتمام علی شعره وقال للممدوح: سوف یری سریعاً کیف ستتألق قصائده في بغداد (ط عزام، 2/131). ویبدو أنه کان ینوي الالتحاق علی جناح السرعة بممدوحین أکثر أهمیة.
لیس لدینا سبیل یمکننا من متابعة سیر رحلته. ففروخ یری أنه مکث في الشام حتی ذهاب المأمون إلیها (ن.ص). بینما یرسله البهبیتي (ص 95) إلی الرقة. وعلی أیة حال، فإنه علی مایبدو لم یکن حتی ذلک الحین قد ذهب إلی بغداد بعد، و کان یؤمل نفسه ببلوغ تلک الدیار، ذلک أنه یصرح في إحدی القصائد التي نظمها في مدح محمد بن حسان الضبي بأن أهله في الشام ورفاقه في الفسطاط وأمله في بغداد وهو في الرقة (ط عزام، 3/308-311). وبعدها لایعلم البهبیتي ما الذي حصل وأین کان أبوتمام حتی 211هـ. لذلک افترضها فترة غامضة کان الشاعر خلالها ینتقل بین العراق و خراسان والشام بحثاً عن المال و الجاه، ویحتمل أن یکون قد ألف کتبه أیضاً في تلک الأیام، و مدح بني عبدالکریم في نفس تلک الفترة، وطبقاً لما یری فإنه عاد إلی مصر مرة أخری في 210 هـ (ص 98-102).
ویمکننا الآن أن نجزم تقریباً بأن أبا تمام قد دخل العراق في 214 هـ. تری هل کان سفره برفقة محمد بن حسان الضبي من الشام إلی بغداد أول سفر له إلی العراق؟ ویروي ابن حسان خلال هذا السفر الذي کان جزء منه بالسفینة، کیف أن الشاعر کان یؤذي المنجم الذي کان معه و یستهزئ به (ظ: ابن المعتز، 283).
وفي بغداد کان الناس یستمعون شعره و یعجبون لقدرته، لکنهم قلما کانوا یعرفونه. وفي أحد الأیام قیل لعمارة بن عقیل إنه ظهر ببغداد شاعر یزعم قوم أنه أشعر الناس طراً و یزعم آخرون ضدّ ذلک. فلما سمع عمارة شعره قال: «هذا أشعر الناس» (الصولي، ن.م، 59-61؛ أبوالفرج، 16/385). وقد امتدح عمارة هذا شعر أبي تمام مرة أخری بحضور عبیدالله حفید طاهر (م.ن، 16/387). وتکتسب وجهة نظر عمارة أهمیة خاصة بسبب کونه هو واحداً من فصحاء العرب و شاعراً ماهراً (عن حیاته، ظ: م.ن، 24/245-259).
وتروی عن ظهوره في العراق قصة أخری نقلاً عن علي بن الجهم الشاعر العباسي الکبیر الذي قال: کنا نجتمع في أیام الجمعة في «قبة الشعراء» (في المسجد الجامع بالمدینة) مع مجموعة من الشعراء من بینهم دعبل و أبو الشیص وابن أبي فنن، وکان في المجلس شاب جالساً فيزي الأعراب و هیئتهم، فلما انتهینا من الإنشاد طلب هو أن ینشد شعراً في مدح المأمون و المعتصم و محمد بن حسان؛ فأثار شعره من الدهشة ماجعله یُقبل في الحال في زمرة الشعراء أولئک (الخطیب البغدادي، 8/249-250؛ ابن عساکر، 4/19-20)، لکن هذه الروایة تعترضها عدة إشکالات من عدة نواحٍ: الأول إذا کان قد امتدح الخلیفة المعتصم بعد 218 هـ (بدایة خلافة المعتصم)، فینبغي أن یکون رجلاً یناهز الـ 30 عاماً و لیس شاباً قدم للتوّ من الطریق؛ و من ناحیة أخری و کما أشار البهبیتي (ص 57) فأبو الشیص الذي کان في عداد الحاضرین في المجلس توفي سنة 196 هـ و ربما لم یکن عم أبي تمام آنذاک یزید علی 8 سنوات، و فضلاً عن ذلک، کیف أمکنه أن ینشد أمام الناس قبل 196هـ، شعراً کان قد نظمه ب218هـ؟ و علی أیة حال، فقد کان ببغداد في 214هـ وقال فیها واحدة من أجمل قصائده. ففي ذلک الحین کان محمد بن حمید الطوسي یقاتل بابک الخرمي الذي ثار من آذربایجان سنة 201هـ، لکن الهزیمة لحقت بجیشه، ولم یجدِ ثباته البطولي نفعً، بل انتهی بقتله أیضاً (ابن الأثیر، 6/412-413). والقصیدة التي نظمها أبوتمام في رثائه ذائعة الصیت، وربما أمکن اعتبارها من جوانب عدة أجمل قصائده التي بلغت من الرقة حداً تمنی معه أبودلف العجلي (ن.ع) لو کان ذلک الرثاء قدنظم بحقه (الصولي، ن.م، 1245؛ أبوالفرج، 16/390؛ ابن خلکان، 2/14). وعندها التحق الشاعر بأحد قادة جیش محمد بن حمید، المدعو أبا سعید الثغري الذي کان طائیاً مثله و کان من رجالات مرو، وکانت له معه استنض إلی الروایات التي رواها الصولي (ن.م، 227-229) صداقة وطیدة وقدیمة، وکان یمنحه صلات أکثر من أي ممدوح آخر.
کان أبوسعید منهمکاً في أمر بابک حتی 223هـ. ولسنا نعلم هل کان الشاعر معه في آذربایجان أیضاً، أم کان یلتقي به في العراق علی الأغلب؟ وقد اعتقد البهبیتي الذي لیس لدیه شي سفر أبي تمام إلی آذربایجان، أنه هرع من هناک إلی خالد بن یزید في أرمینیة (ص 108)، لکن واحدة من روایات الصولي (ن.م، 163-164) یمکنها أن تدحض هذا الرأي، ذلک أن خالداً طلب إلیه في مجلسه أن یقرأ القصیدة التي نظمها في الأفشین و المعتصم، ثم منحه بعد ذلک صلة کبیرة، رغم أنه من المحتمل أن تکون هذه الواقعة قد حدثت بعد سنوات في مکان آخر.
وقد أشیر في کتاب الصولي إلی مجلسین آخرین له مع أمیر أرمینیة. ففي الروایة الأولی جری الحدیث عن وصول الشاعر إلی الأمیر و مدحه إیاه و نیله صلته و تکالیف عودته، إلا أن خالداً التقاه بعد أیام في ظل شجرة في الصحراء مع غلام بیده طنبور و جرة خمر (ن.م، 158)، و رغم هذه الروایة – سواء أکانت صحیحة أم مغلوطة – فإن من الواضح أن الشاعر مکث فترة عند خالد و مدحه و نال عطایاه.
في 215هـ توجه المأمون إلی الروم و حارب «منویل» (إمانوئیل)، وقد ورد اسم هذا الرجل في القصیدة التي نظمها أبوتمام في مدح أبي سعید الثغري (ط عزام، 2/171). وفي السنة التالیة و حین جهّز المأمون جیشاً وتوجه مرة أخری إلی الروم، نجد أبا تمام یشیر في قصیدة قدمها لخالد بن یزید، إلی تیوفیل و بلاد الروم و دین النصاری و ... (ن.م، 1/184 ومابعدها) مما لایستبعد أن یکون متعلقاً بتلک الحرب (البهبیتي، 109). وفي 217هـ ذهب المأمون إلی مصر و بعد إطفائه نیران الاضطرابات عاد إلی دمشق، ومن هناک انطلق إلی الحرب مرة أخری، وفي تلک الأثناء نظم أبوتمام القصیدة التي یقول البهبیتي (ص 110) إنها أول قصائده في مدح أحد الخلفاء (ظ: ط عزام، 2/43-58). وهذه القصیدة متکلَّفة جداً وملیئة بالصناعة اللف، وقد تناول علي بن عبدالعزیز الجرجاني أحد أبیاتها بالنقد اللاذع بسبب غموضه واعتبره - انتقاصاً منه له – بحاجة إلی تفاسیر أرسطیة و بقراطیة (ص 20) وعن بیت آخر یقول الآمدي: استعارة قبیحة جداً و المعنی أیضاً في غایة الرداءة (الموازنة، 205). وهذه القصیدة هي نفسها التي وصف فیها أبو تمام نفسَه بأنه آل محمد» (البیت 42)، ثم أضاف قائلاً «إني تجسم فيَّ روح السیّدِ»، ویقصد السید الحمیري الشاعر الشیعي (البیت 44). أما القصائد التي نظمها منذ ذالحین و ماتلاه فربما لاتتعدی الثلاث. ولایمکن الجزم بعددها، ذلک أنه في مختلف نسخ الدیوان ذُکر بعضها في مدح المعتصم، ومنها القصیدة التي ذکرناها آنفاً. ولم ترد في دیوانه قصیدة رثاء للمأمون، وربما کان ذلک ناجماً عن أن المأمون لم یعره اهتماماً کبیراً.
وکان إسحاق بن إبراهیم المصعبي (تـ 235هـ) واحداً من ممدوحي أبي تمام و المغرمین بشعره (الصولي، ن.م، 221) والذي کان المأمون قد عهد إلیه بولایة مدینة بغداد. وفي مجلسه هو تعرف أبوتمام إلی الموسیقي الکبیر إسحاق بن إبراهیم الموصلي. وقد ذهب إسحاق المصعبي مرة بأمر من المعتصم لحرب المحمِّرة في بلاد الجبال، ووردت في إحدی مدائح أبي تمام إشارة إلی بطولات إسحاق في الجبل و سفر الشاعر إلیه (ط عزام، 3/261-268).
ولهذا السبب یمکن القول إنه ذهب من الشام إلی العراق و من هناک إلی بلاد الجبال (قا: البهبیتي، 116-118). وربما کان قد توجه في تلک السنین إلی خراسان لیمدح أمیرها القوي والکریم عبدالله بن طاهر. ولانعلم علی وجه الدقة خط سیر رحلته إلی نیسابور، لکن البدیهي أنه مکث في قومس لبعض الوقت، ذلک أنه ذکر في القصیدة التي نظمها لعبدالله (ط عزام، 2/132) أصحابه في قومس سألوه: أقاصد أنت مطلع الشمس (= الترجمة الحرفیة لکلمة خراسان) (الصولي، ن.م، 212). کنا قد أشرنا فیما مضی إلی أن عبدالله کان في مصر خلال السنتین 210-211هـ، وأن أبا تمام کان قد أثنی في قصائد له علی انتصاراته في حربه ضد المتمردین. وهنا لایبدو عجیباً أَن یتجه الشاعر – الذي لم یحصل في العراق بعد علی حماة أقویاء ولم ینل ثروة تستحق الذکر – إلی بلاد خراسان الوفیرة النعم و یلتحق بحاکمها المحب للشعر.
أصبح عبدالله منذ 213 هـ حاکماً لخراسان، وطبقاً لقول ابن خلکان (3/84) فإنه قد قدم إلی نیسابور في 215هـ. وکما اعتقد البهبیتي (ص 119) فإنمن المحتمل أن یکون أبوتمام قد ذهب إلی خراسان في 219هـ، فاستقبله الشعراء هناک بحفاوة بالغة. ویروي الصولي (ن.م، 115) بهذا الصدد عن عبیدالله بن عبدالله بن طاهر أنه لما وصل أبوتمام إلی خراسان تحلق الشعراء حوله لیسمعوا شعر «هذا العراقي»، لکنه لم یجبهم إلی ذلک وقال لهم إنهم سیسمعون شعره في مجلس الأمیر (قا: أبوالفرج، 6/389)، فلما دخل علی الأمیر أنشد في مدحه قصیدة بائیة بلیغة ( ط عزام، 1/223-239)، فهاج شعراء نیسابور وصاحوا بالأمیر: مایستحق مثل هذا الشعر غیرُ الأمیر. وحتی إن أحدهم تبرع بجائزته له، کما نثر عبدالله أیضاً ألف دینار علی قدمیه، لکن أبا تمام ترک تلک الدنانیر للغلمان، فأغضب بذلک الأمیر (الصولي، ن.م، 117؛ أبوالفرج، 16/5). ورغم هذا فقد کتب الصولي (ن.م، 211) یقول إنه انتظر علی باب بلاط عبدالله لفترة ولم یحصل علی إذن بلقائه، ثم نظم بعد ذلک قصیدة أرسلها إلی عبدالله ضمنها کلمات مقتبسة من القرآن الکریم (مسّنا الضُّر ... بضاعة مزجاة...). ولم یرق هذا الأسلوب لعبد الله و غضب علیه. ویلاحظ هنا أن الصولي و کذلک أبا الفرج جعلا غضب عبدالله مرة بعد لقائه به و أخری قبل ذلک. ویروي الصولي (ن.م، 213) سبباً آخر أیضاً لانعلم في أي زمن ینبغي أن نضعه، حیث یقول إن أبا تمام عشق في أَبَر شهر (الاسم القدیم لنیسابور) امرأة مغنیة فارسیة، وکلما کان عبدالله یسأل عنه قالوا له: إنه عند تلک المغنیة.
وقد وردت تلک الروایات بشکل لاتقنع بطبیعة الحال القارئ، خاصة وأنه یوجد شک في أغلبها. فمثلاً حکایة تضمین ألفاظ القرآن الکریم، نسبها آخرون إلی أبي دلف أیضاً (ظ: الخطیب البغدادي، 12/421)، أو ماقیل من أن أبا العَمَیثَل وأبا سعید الضریر اللذین کانا یقرءان مسبقاً قصائد شعراء بلاط عبدالله، لم تعجبهما قصیدته البائیة ووجدا فیها عیوباً، وقد مُنح في النهایة جائزة بفضل شهامة أبي العمیثل (الآمدي، ن.م، 21-23؛ الأمین، 4/467-468؛ الکعبي، 265 و مابعدها). لکن المرزباني (الموشح، 293) أضاف أن أباسعید و ضمن انتقاده لهذا الشعر قال لأبي تمام: لماذا لاتقول مایفهم؟ فأجابه: وأنت لم لاتفهم مایقال؟ (قا: البدیعي، 134؛ الکعبي، الأمین، ن.صص)؛ کما نقل الصولي الشعر الذي کتبه الشاعر لعبدالله أیضاً (ن.م، 221-222)، لکنه أضاف استناداً إلی روایات أخری أن هذا الشعر کتب لأبي دلف، أو لابن أبي دؤاد، أو لإسحاق المصعبي.
یلاحظ کیف أن الروایات عدیدة و مبعثرة وأحیاناً متناقضة، لذا وجد البهبیتي سبباً آخر لغضب عبدالله وهو مالایخلو من ذکاء و هو: ضمن تجوال أبي تمام في أرجاء خراسان، حل ضیفاً لدی أحد کبار الشخصیات العربیة، المدعو حفص بن عمر الأزدي وأنشد قصیدة في مدحه. وقد أشار في هذه القصیدة الدالیة إلی ماکان بین الفرس والعرب من خصومة. وقد قیّم العرب فوصفهم بطهارة العِرق والأصالة؛ بینما وصف الفرس بأنهم – مع ما هم علیه من انعدام العقل – أصبحوا لفترة من الزمن ذوي عزّ، لکنهم عاودا أذلاء (ظ: ط عزام، 2/118-125). ومن جهة أخری، فإننا نعلم أن الطاهریین ینحدرون من أصل إیراني. لذا فلیس مستبعداً أن تکون القصیدة المنحازة للعرب والمعادیة للإیرانیین التي أنشدها في مدح الرجل الأزدي، سبباً في تألیم عبدالله بن طاهر (البهبیتي، 122-123).
ویری الکعبي (ص 280-281) أن سبب غضب عبدالله یکمن في القصیدة البائیة نفسها، فالقصیدة ضعیفة من حیث فن المدح، کما أن اسم عبدالله ورد فیها لمرة واحدة فقط، ولم یُشَر فیها علی الإطلاق إلی أسرة طاهر، بل أشیر إلیها باسم آل مصعب، أي أبناء عمومته في الواقع. إضافة إلی هذا فإن أبا تمام کان قد نظم قبلها بقلیل قصیدة طویلة في مدح إسحاق المصعبي الذي کان أحد قادته ولم یکن قد ذکر فیها اسماً لحاکم خراسان، و فضلاً عن کل هذا فإن الکعبي لایؤمن أن زیارة الشاعر لخراسان کانت ذات نهایة سعیدة و یعتقد أن الروایات المتعلقة بذلک قد اختلقها أنصار الشاعر. و علی أیة حال، فإننا نقرأ في المصادر أن الشخص الذي صالح بینه و بین عبدالله بن طاهر، هو أبوالعمیثل شاعر البلاط الطاهري الکبیر. وطبقاً لقول الصولي (ن.م، 212-213) فإن شاعر البلاط الطاهري الخاص الذي کان یری أن أبا تمام مایزال بانتظار مقابلة الأمیر، هرع إلیه وقال: شاعر ورد من العراق وقد أتعب جسمه وروحه، وها هو عاقد الأمل علی الأمیر، وفضلاً عن ذلک فقد نظم هذه الأبیات الجمیلة أیضاً في مدحک ...، حینها استدعاه الأمیر ونادمه یوماً وأمر له بصلةها ألف دینار مع خاتم (قا: أبوالفرج، 16/395-396). ونمننع عن ذکر روایات مختلفة أخری بهذا لاشأن، ومع هذا فمن المناسب أن نضیف أنه وطبقاً لروایة أخری (ظ: أبوتمام، ط سعید، 123، مقدمة القصیدة اللامیة) فإن أبا العمیثل أعطی للشاعر رقعة فیها بیتان کان عبدالله بن طاهر قد نظمهما في مدح الأفشین، لیقول في معناهما ووزنهما شعراً (قا: الأمین، 4/470). وفي ذلک الوقت (220هـ/835م) کان الأفشین یخوض الحرب ضد بابک.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode