اِبْنُ غُراب، سعد الدین إبراهیم بن عبد الرزاق بن غُراب (ح 779-808هـ/1377-1406م)، كاتب ووزیر ورجل دولة مصري في عهد الممالیك أصله من أقباط الإسكندریة (ابن تغري بردي، المنهل، 1/85). كان جده شمس‌ الدین غراب أول من أسلم من آبائه وباشر الشؤون الدیوانیة بالإسكندریة (السخاوي، 1/66)، حتی ولي نظر الثغر. ونشأ ابنه علم‌ الدین عبد الرزاق هناك وترقی في الشؤون الدیوانیة إلی أن ولي نظر الإسكندریة. خلّف ولدین هما ماجد وإبراهیم فتولیا الشؤون الدیوانیة وامتهنا الكتابة (المقریزي، 2/419؛ السخاوي، ن.ص). ولمّا تحكم الأمیر جمال‌ الدین محمود بن علي حاكم الإسكندریة في الأموال أیام الملك الظاهر بَرقوق، أرسل إبراهیم – الذي سبق أن اتصل بخدمته – سفیراً له إلی القاهرة وعمره إذ ذاك دون العشرین سنة (ابن تغري بردي، ن.م، 1/85-86). وبعد أن دخل ابن غراب إلی بلاط السلطان، سرعان ما ترقی في المناصب، فولي أولاً في 11 صفر 798هـ/25 تشرین الثاني 1395م نظر الدیوان، ثم ولي نظر الخاص في 19 ذي العقدة من نفس العام بدعم من علاء الدین ابن الطبلاوي وأصبح من المقربین لدی السلطان، وسرعان ما طمع في منصب ابن الطبلاوي فعمل علیه عند السلطان فغیّره علیه وولّاه أمره، فقبض علی ابن الطبلاوي في داره وعلی سائر أسبابه في شعبان 800 (ابن الفرات، 9(2)/442؛ المقریزي، السخاوي، ن.ص)، ثم أضیف إلیه في 9 ذي القعدة من نفس العام نظر الجیوش عوضاً عن شرف‌ الدین محمد الدمامیني (المقریزي، ن.ص).

توفي الملك الظاهر في شوال 801 وقد جعل ابن غراب من جملة أوصیائه (ن.ص)، وتولی الحكم بعده ولده الملك الناصر فرج بن برقوق بدعم من ابن غراب. وفي هذه الأثناء، استحضر إبراهیم أخاه ماجد من الإسكندریة وقرّره وزیراً (السخاوي، ن.ص). وأمسك هذان الاثنان بزمام كافة الأمور في مصر حتی 19 ربیع الثاني 802 (ابن تغري بردي، المنهل، 1/86-87). وبعد وصول الأمیر یشبك الخازندار إلی الحكم لجأ ابن غراب وأخوه اللذان غضب علیهما السلطان إلی الأمیر قطلوبغاي فتوسط لهما لدی السلطان النصار فرضي عنهما وخلع علیهما وأعادهما إلی وظائفها (ابن تغري بردي، ن.ص). وولي الأمیر أبو المعالي یلبغا السالمي الأستاداریة، فسلك معه ابن غراب عادته من المنافسة، فسعی به حتی أطاح به وتقلّد وظیفته مضافاً إلی نظر الخاص ونظر الجیوش (المقریزي، ن.ص).

وعندما غضب الملك الناصر علی الأمیر یشبك وسجنه، الختفی ابن غراب وأخوه خوفاً منه وتولی آخرون وظائفهما (ابن تغري بردي، ن.م، 1/88). وبعد فترة قصیرة سار ابن غراب إلی تروجة (قریة قرب الإسكندریة) وأخذ بجمع الأموال بإبراز مثال سلطاني، ثم ذهب إلی الإسكندریة لإخراج یشبك من السجن، فجمع الأوباش لمحاربة الدولة، فلم یتم له ذلك، وأرسل یطلب الأمان، فكتب له السلطان الأمان وحضر في 23 ذي الحجة 803 عند السلطان، فخلع علیه وأقرّه في الأستاداریة ونظر الخاص. وفي 21 شعبان 805 تفاوض مع الأمیر سودون الحمزاوي بالكلام في مجلس السلطان وأغلظ كل منهما علی الآخر. وعندما خرج ابن غراب من مجلس السلطان ونزل من القلعة، تجمع علیه عدة من الممالیك السلطانیة ضربوه بالدبابیس حتی سقطت عمامته عن رأسه، فحملوه إلی باب السلسلة، وقد احتمی بالأمیر إینال باي أمیر آخور، ثم توجه إلی داره وانقطع عن الخدمة أیاماً (ن.م، 1/88-91). ولم یمض وقت طویل حتی غضب الملك الناصر علیه وعلی أخیه ثانیة فاعتقلهما بالزردخانة، وخلع علی تاج‌ الدین أبي بكر بن محمد الدمامیني وأقرّه في نظر الجیش عوضاً عن ابن غراب وسلّم الأخیر مع أخیه إلی الأمیر سیف‌ الدین قیماز (ابن قایماز)، فضرب فخر الدین ماجد ضرباً مبرحاً وأهان ابن غراب حتی أخذ خطه بملیون درهم، ثم نقلهما إلی الأمیر یلبغا السالمي لیقتلهما، فخاف یلبغا سوء العاقبة فلم ینتقم منهما، وعاملهما بالإكرام، ولازال یسعی في أمرهما حتی تخلصا. وفي ربیع الأول 806 خُلع ابن قایماز عن الأستاداریة، وتولی ابن غراب الأستاداریة ونظر الجیش ثانیة (ن.م، 1/91-92).

وفي 808 هـ تنكر رجال الدولة علی الملك الناصر وخرجوا لقتاله بزعامة الأمیر یشبك، إلا أنهم خسروا القتال وهربوا إلی الشام. ورافق ابن غراب في هذه الواقعة الأمیر یشبك. ثم دخل القاهرة عندما دخلها الأمیر یشبك مختفیاً؛ وترامی علی الأمیر إینال باي – وكان حینها أعظم أمراء مصر – ووعد السلطان بمبلغ ستین ألف دینار، فصفح عنه السلطان وأعاد إلیه منصبه بعد أن تعصب له الأمیر جمال‌ الدین الحاجب (ن.ص؛ المقریزي، 2/419-420).

وثقل علی ابن غراب مكان فتح‌ الدین فتح الله كاتب السر، فسعی به حتی عزل وقبض علیه، وولي مكانه كتابة السر. وعندما حقق أهدافه أخذ في نقض دولة الناصر وسعی في عزله. وعندما فرّ الملك الناصر، قام ابن غراب بتولیة عبد العزیز بن برقوق وأجلسه علی تخت الملك ولقبه بالملك المنصور، ودبّر الدولة كما أحب مدة 70 یوماً إلی أن أحسن من الأمراء بتغیّر، فاستدعی في تلك الأوضاع المتأزمة الملك الناصر إلی القاهرة وأخفاه في بیته. وعندما أدرك نیة الأمراء، أخرج الملك الناصر من محبئه وركب معه مع عدد من الأمراء والممالیك عبر النیل إلی القلعة، فلم یلبث أصحاب الملك المنصور وانهزموا، ودخل الملك الناصر إلی القلعة واستولی علی الملك ثانیة وألقی مقالید الدولة إلی ابن غراب وأصبح مقامه أعظم مما كان علیه (م.ن، 2/420). وابن غراب الذي لم یترك زيّ الكتّاب حتی هذا الوقت، نراه في هذه المرحلة من حیاته یتقلد السیف ویلبس لباس العسكر (ابن تغري بردي، ن.م، 1/92). لكنه لم یعش طویلاً بعد ذلك إذ توفي ولمّا یبلغ الثلاثین من عمره، وكانت جنازته أحد الأمور العجیبة بمصر لكثرة من شهدها، بحیث استأجر النسا السقائف والحوانیت لمشاهدتها، ونزل السلطان للصلاة علیه، وصعد إلی القلعة، فدفن خارج باب المحروق (المقریزي، ن.ص).

كان ابن غراب شاباً جمیلاً، كریماً، جواداً مع تدیّن وتعفف، یمیل إلی فعل الخیر والصدقة لاسیما في الوباء الذي كان في سنة 806هـ. وقیل أیضاً إنه منذ ولي الوظائف السنیة إلی أن مات، ما دخل علیه مملوك من الممالیك السلطانیة في حاجة، كبیراً كان أو صغیراً، إلا وقضی حاجته (ابن تغري بردي، ن.م، 1/93؛ السخاوي، 1/65-66)، إلا أنه كان متشدداً، حاد الطبع، قاتلاً لعدوه، ولایتوانی عن طلبه ولایرضی من نكبته بدون إتلاف نفسه (ابن تغري بردي، النجوم، 13/156-157؛ المقریزي، ن.ص). فكم ناطح الرجال الأقویاء وغلبهم، لكنه لم تكن له خبرة في الجانب الاقتصادي والزراعي والتجاري، حیث أدی إلی ارتفاع سعر الذهب وفساد المعاملات وقلة الأموال وغلاء أسعار المبیعات وبالتالي خراب مصر (المقري، ن.ص). وكان یحب الانفراد بالرئاسة، وبمجرد تولیه الوزارة صار له دیوان كدواوین الأمراء، وضُربت علی بابه الطبول (السخاوي، ن.ص)، وخاطبه الناس بالأمیر وسار في ذلك سیرة ملوكیة بازدیاد الممالكی والخیول واستكثار الخول والحواشي حتی لم یكن أحد یضاهیه في شيء من أحواله. خلّف ابن غراب أبنیة عدیدة منها الخانقاه (المقریزي، 2/419).

المصادر

ابن تغري بردي، المنهل الصافي، القاهرة، 1375هـ/1956م؛ م.ن، النجوم؛ ابن الفرات، محمد، تاریخ، بیروت، 1938م؛ السخاوي، محمد، الضوء اللامع، القاهرة، 1355هـ؛ المقریزي، أحمد، الخطط، بولاق، 1270هـ.

عبد المحمد روح بخشان/ت.