اِبْنُ الخَشّاب، أبو الحسن محمد بن یحیی، قاضي حلب في عصر إیلغازي بن أرتق. لاتتوفر معلومات عن حیاته، تبرز أهمیته في تعمیره المساجد وتبدیله أربع كنائس مسیحیة مهمة إلی مساجد في حلب، ولایزال لكل مسجد من هذه المساجد دور مهم في نشر العلوم والمعارف الإسلامیة.

یذكر الغزي (2/216) أنه لما حاصر الصلیبیون مدینة حلب سنة 518هـ/1124م وهرب منها إیلغازي بن أرتق، قام القاضي ابن الخشاب بأمر البلد ومن فیه. ولما هاجم الصلیبیون المدینة من جانبیها الشرقي والغربي ونبشوا القبور والأضرحة وقتلوا الناس الأبریاء للحصول علی الغنائم، فقرر القاضي ابن الخشاب في مثل هذه الظروف الصعبة بموافقة من أعیان حلب، بتهدیم محاریب كنائس النصاری الكبیرة وإقامة محاریب إسلامیة إلی جهة القبلة مكانها (ابن العدیم، 2/214-215). وكان إنشاؤه لمسجد السرّاجین إثر ذاك القرار الذي اتخذه، حیث أحدث تغییرات في محراب وأبواب أعظم كنیسة للمسیحیین كانت قد بنتها هیلانه أم قسطنطین وكانت معظمة عندهم. واستمرت الحال علی ذلك إلی أن ملك نور الدین محمود، فأضاف إلیه إیواناً وغرفاً وجعلها مدرسة باسم الحلاویة أو الحلاویین لتدریس المذهب الحنفي وانتهی بناؤها في 544هـ/1149م (الغزي، 2/217؛ الطباخ الحلبي، 1/450-451). وظلت هذه المدرسة حتی أیام ابن العدیم (تـ 660هـ/1262م) مركزاً لنشر المذهب الحنفي. ولایزال محراب إیوان هذه المدرسة قائماً إلی الیوم (فارس، 131). وكانت كنیسة الحدادین إحدی الكنائس الأربعة التي أبدلت إلی مسجد بأمر ابن الخشّاب. وقد هدم هذا المسجد بعد مدة بأمر حسام ‌الدین محمد بن عمر بن لاجین ابن أخت صلاح ‌الدین وأعید بناؤه لیصبح مدرسة (ابن العدیم، 2/215؛ ابن شحنة، 117). ولم یزل المدرسون یتولّونها في حلب حتی وصلت إلی ید ابن شحنة (تـ 890هـ/1485م) وابنیه ویقول ابن شحنة (ن.ص) إنه تولّاها ثم نزل عنها لوديه وقیل إنها قد عطلت فیما بعد وقد شاهد الغزي (تـ 1352هـ/1933م) هذه المدرسة المتروكة بدرب الحدادین الواقع في محلة السفاحیة بحلب (2/110).

ولانعرف اسم المسجد الآخر الذي أقامه ابن الخشّاب في مكان الكنیسة، وقد تمّ تجدید بناء هذا المسجد وتبدیله إلی المدرسة المقدمیة من قبل عز الدین عبد الملك المقدم في 564هـ/1169م (ابن شحنة، 118). وكانت هذه المدرسة تعرف في أیام الغزي (2/70) بمدرسة خان التتن. كما أنشأ ابن الخشّاب مقبرة باسم التربة الخشابیة بالقرب من مسجد أبي الدَرَجین، حیث كان یوجد قبران في رواقها الشرقي وفي 1317هـ/1899م سعی أحد السادة القادریة من المشایخ الهلالیة لتعمیر هذه التربة بمساعدة الأهالي وعمّر فیها حجرة برسم التدریس ومنبراً لخطبة الجمعة والعیدین (م.ن، 2/67-68). ومن خدمات ابن الخشّاب الأخری للحضارة الإسلامیة في حلب انشاؤه مسجد جامع الأصفر. ویقول الغزي (ن.ص) كانت تقام في هذا البناء الجمعة والصلوات الیومیة وكان یعرف سابقاً بجامع الجرن الأصفر أیضاً.

المصادر

ابن شحنة، محمد، الدر المنتخب في تاریخ مملكة حلب، تقـ: یوسف إلیان سركیس، بیروت، 1327هـ/1909م؛ ابن العدیم، عمر، زبدة الحلب، تقـ: سامي الدهان، دمشق، 1370هـ/1951م؛ الطباخ الحلبي، محمد راغب، أعلام النبلاء، حلب، 1342هـ/1923م؛ الغزي، كامل، نهر الذهب في تاریخ حلب، حلب، 1343-1345هـ؛ فارس، محمد كامل، «محاریب حلب: طرزها الفنیة والمعماریة»، عادیات حلب، حلب، 1978- 1979م.

علي ‌أكبر ضیائي/ت.