ابن باجة
cgietitle
1443/4/21 ۱۴:۱۶:۳۹
https://cgie.org.ir/ar/article/232711
1446/12/19 ۰۹:۴۳:۰۸
نشرت
2
وتسمی النوابت في تصور ابن باجة للمجتمعات و النظم السیاسیة المعاصرة له، «الإنسان أو المتوحدین» أي الأفراد الذین یملکون عقائد و آراء صحیحة و صادقة. و لذک لاانسجام بینهم و بین المجتمع الذي یعیشون فیه، لأنه لاتحکم ذلک المجتمع آراء و عقائد صحیحة، و لذلک یضطر إلی الانفراد، و یبقی منفرداً، و یتعلّق انفراده بنفسه، و یری ابن باجة أن علی مثل هؤلاء تدبیر وجودهم و حیاتهم في الانفراد، و هنا یسعی ابن باجة إلی وصف کیفیة تنظیم أو تدبیر حیاة أمثال هؤلاء، فیضیف قائلا: إن من خواص المدینة الکاملة أن لایکون فیها نوابت، إذا قیل هذا الاسم بخصوص لأنه لا آراء کاذبة فیها، و لابعموم، فإنه متی کان فقد مرضت و انتفضت أمورها، وصارت غیرکاملة (رسائل، «تدبیر»، 43). ویشیر ابن باجة في هذا الارتباط إلی أن النظم السیاسیة الأربعة کلها و التي یسمیها «السیر الأربع» قد وجد فیها النوابت، ووجودهم هو سبب حدوث المدینة الکاملة، ثم یشیر إلی السیر في زمانه فیقول: کانت جمیع السیر التي في هذا الزمان و فیما کان قبلها اللهم إلا مایحکي أبونصر عن سیرة الفرس الأولی، فکلها من السیر الخمس، و معظم مانجده فیها من السیر الأربع، و تلخیص ذلک نعرج عنه ولم نفرغ للفحص عن السیر الموجودة في هذا الزمان (أي زمان ابن باجة)، بل الأصناف الثلاثة منها موجودون ممکن وجودهم، هم النوابت و الحکام و الأطباء، و هنا یشیر ابن باجة إلی جماعة یسمیهم السعداء و هم کما سنری المختارون، ویقول: و کأن السعداء إن أمکن وجودهم في هذه المدن فإنما یکون لهم سعادة المفرد و صواب التدبیر إنما یکون تدبیر المفرد، وسواء کان المفرد واحداً أو أکثر من واحد، و مالم یجتمع علی رأیهم أمة أو نظام سیاسي (مدینة) و هؤلاء هم الذین یعنیهم الصوفیة بقولهم الغرباء لأنهم وإن کانوا في أوطانهم و بین أترابهم و جیرانهم، غرباء في آرائهم قدسافروا بأفکارهم إلی مراتب أخر هي لهم کالأوطان (ن. ص).ویشیر ابن باجة في هذا القسم کما نری إلی قول الصوفیین من جهة، وإلی النوابت الذین یشبهون «الغرباء» من جهة أخری. و یمکن بالبحث في آداب الصوفیین العثور علی نماذج من هذه التعابیر، و أکبر الظن أن ابن باجة إطلع علیها مباشرة أو بواسطة، وأبرز نموذج نجده عند الصوفي الکبیر و الشهیر یحیی بن معاذ الرازي (تـ 258هـ/871م)، حیث یقول أثناء وصفه لـ أهل المعرفة وحش الله في الأرض لایأنسون إلی أحد والزاهدون غرباء في الدنیا و العارفون غرباء في الآخرة (السلمي، 102؛ قا: أبو نعیم، 10/60)؛ ولمّا سئل ماهي علامة الأنس بالله؟ یقول التوحش من الخلق ولما سئل أیضاً ماعلامة التوحش من الخلق؟ قال: الفرار إلی مواطن الخلوات و التفرد بعذوبة الذکر (أبونعیم، 10/107). کما نجد من ناحیة أخری مضمون تعریف ابن باجة عندالفارابي، فبعد أن یشیر الفارابي إلی أن القیم الإنسانیة تزول في مدینة التغلب یقول: ولذلک حرام علی الإنسان الفاضل البقاء في النظم السیاسیة (المدن)، و واجب علیه الهجرة إلی المدن الفاضلة إذا وجدت في زمانه، أما إذا لم تکن فالإنسان الفاضل في الدنیا غریب وحیاته سیئة و موته أفضل من حیاته (فصول المدني، 164). وقد ألف ابن باجة کتابه تدبیر المتوحّد الذي لم یتمّ لیشرح کیف یکن لهذا الإنسان المفرد أن یتدبر حتی ینال أفضل وجوداته أو بعبارة أخری فإن حدیثه هذا عن النابت المفرد کیف یمکن أن یصل إلی السعادة إذا لم تکن موجودة، أو کیف یبعد عن نفسه الأعراض التي تحول دون وصوله إلی السعادة إما بحسب غایة رویته أو بحسب ما استقر في نفسه، وإما حفظ السعادة فذلک شبیه بحفظ الصحة، فلایمکن في السیر الثلاث ما ترکب منها. و لجالینوس کتاب باسم «حفظ الصحة» و هو دلل للإنسان المنفرد في هذه النظم السیاسیة، الذي یجب أن یتدبّره لحفظ صحته أو إذا ذهبت کیف یعیدها، کما قیل في فن الطب فإن الذي یراه جالینوس أو غیره في ذلک شبیه بالکیمیاء وصناعة النجوم، و ما یصفه ابن باجة هو طب النفوس، و ذلک طب الأجسام والحکومة طب المعاشرات، فتبین أن هذین الصنفین یسقطان جملة في المدینة الکاملة، فلذلک لم تعدا في العلوم. و یضیف ابن باجة قائلاً: و متی کانت المدینة کاملة یسقط هذا الذی نقوله، و تسقط منفعة هذا القول، کما یسقط علم الطب وصناعة القضاء وغیر ذلک من الصنائع التي الستنبطت بحسب التدبیر الناقص. و کما أن ما في ذلک من الآراء الصادقة یرجع إلی ما في الطب منها إلی الصنائع الطبیعیة، و ما في صناعة القضاء، فیرجع إلی الصناعة المدنیة، کذلک ما في هذا یرجع إلی الصناعة الطبیعیة والصناعة المدنیة (ص 43-44).
یشاهد فیما أورده ابن باجة مبحثان ناقصان یمکن اعتبارهما معطیات مهمة و أساسیة لفکره اللفسفي: أحدهما مبحث الصور الروحانیة، والآخر اتصال الإنسان بالعقل الفعّال ویشیر ابن باجة إلی المبحث الأول ولاسیما في «تدبیر المتوحّد»، و في کتبه الأخری، و یطرح المبحث الثاني مستقلاً في کتبه الأخری بنفس العنوان کما یشیر إلیه إشارات عابرة في غیرها من کتاباته. و یعنون الفصل الثالث من «التدبیر» بـ «القول في الصور الروحانیة». و نشیر أولاً إلی هذا الاصطلاح المصادر التي یحتمل أن ابن باجة وجده فیها. فمن بین الکتابات المنسوبة إلی الکساندر أفرودیسیاس (إسکندر الأفرودیسي، تـ بعد 222م)، شارح و مفسر کتب أرسطو الشهیر، و التي کانت قدنقلت إلی العربیة، هناک موضوع موجز تحت عنوان «في إثبات الروحانیة التي لاهیولی لها»، و یستدل في ذلک الموضوع بالمادة لإِثبات وجود الصور الروحانیة المجردة، و لکن هذا الکلام لیس لإسکندر الأفرودیسي، بل هو ترجمة عربیة للقضایا 15 و 16 و 17 من کتاب «عناصر الإلهیات» الشهیر لبروکلُس (بروقلُس 410-485م). فلیس في هذا الموضوع أي أثر لتفکیر أرسطو، و تبدو فیها النظرة الأفلاطونیة الحدیثة واضحة، والروایة العربیة هي ترجمة أبي عثمان سعیدبن یعقوب الدمشقي، ولا یوجد في النص الیوناني لبروقلس أیة إشارة إلی «الصور الروحانیة» وإنما یقال فیه «کل ما یرجع إلی نفسه لیس جسمانیاً»، ولا تستعمل لفظة «روحاني» أصلاً في أيّ من قضایا بروقلس الثلاث (ظ: پینس، 203-195؛ دادس، 18-16؛ لڤین، 108-101؛ قا: إسکندر، «مقالة في إثبات …»، 291-292). و من ناحیة أخری فقد استعمل ابن رشد اصطلاح «الصور الروحانیة» في تلخیصه لبعض ماکتبه أرسطو. و تعرف هذه الکتابات في المصادر العربیة باسم «في الحس» أو «في الحاس و المحسوس». و نری في النص الیوناني لآثار أرسطو مجموعة تحت عنوان لاتینی هو پارڤاناتورالیا أو «الطبیعیات الصغیرة» و تضم عدة موضوعات: «في الحس و المحسوس» و «في الذاکرة و التذکیر» و «في الحلم و الیقظة والرؤیا» و «في تعبیر الرؤیا» و «في طول العمر و قصره» و «في الزفیر» و «في الشهیق أو التنفس». و یبدو أن کل هذه الکتابات جمعت بالترجمة العربیة في ثلاث «مقالات» و فقد أصل الترجمة العربیة و مابقي منها عبارة عن تلخیص لابن رشد («تلخیص»، 191-232، ولاسیما 213). و یحتمل جداً أن اصطلاح «الصورة الروحانیة» و جمعه، ورد في نص الترجمة العربیة المفقودة «في الحس و المحسوس» و کانت مصدراً لابن باجة وابن رشد. و من ناحیة أخری فقد ذکر ابن باجة بصراحة اسم کتاب إسکندر الأفرودیسي (رسائل، «اتصال العقل بالإنسان»، 166). و نحن نجد في النص الیوناني لأرسطو لفظة ربما تکون أصل اللفظة العربیة المترجمة و هي: «فانتا سماتا» و مفردها «فانتاسماتوس» و تعني «الصورة أو الصور الذهنیة» (ظ: أرسطو، پارقاناتورالیا، «في الذاکرة و التذکیر»، 453a19).و یبدأ ابن باجة الکلام عن الصور الروحانیة بتعریف الروح و النفس بقوله: والروح یقال في لسان العرب علی مایقال علیه النفس و یستعمله المتفلسفون باشتراک؛ فتارة یریدون به الحار الغریزي الذي هو الآلة النفسانیة الأولی، فلذلک تجد الأطباء یقولون إن الأرواح ثلاثة: روح طبیعي و روح حساس مالأخلق أن تسمی روحانیة؛ لذلک یری الفلاسفة أن أخلق الجواهر بها العقل الفعال. والجواهر المحرکة للأجسام المستدیرة [یعني الأجرام السماویة والکرات التي تتحرک حرکة دوریة، والمراد من الجواهر المحرکة نفوس الأفلاک المجردة التي في علم الکون المشائي – الأفلاطونیة الحدیث في الفلسفة الإسلامیة]. وهنا یقسم ابن باجة الصور الروحانیة إلی أربعة أصناف: 1. صور الأجسام المستدیرة؛ 2. العقل الفعال و العقل المستفاد؛ 3. المعقولات الهیولانیه (المادیة) 4. المعاني الموجودة في قوی النفس (وهي الموجودة في الحس المشترک، وفي قوة التخیل و في قوة الذاکرة).والصنف الأول لیس مادیاً (هیولانیاً) بوجه، وأما الصنف الثالث فله نسبة إلی المادة (الهیولی) و لذلک یقال لها هیولانیة لأنها معقولات هیولانیة، و لأنها لیست روحانیة بذاتها، إذ وجودها في الهیولی أو المادة. وأما الصنف الثاني فهو بهذا الوجه غیر هیولاني أصلاً. إذ لم تکن في وقت من الأوقات ضرورة هیولانیة، وأما نسبته إلی الهیولي لأنه متمم للمعقولات الهیولانیة. وهو المستفاد أو فاعل لها، و هو العقل الفعال، و أما الصنف الرابع فهو بین المعقولات الهیولانیة و الصور الروحانیة (رسائل، «تدبیر»، 49-50). و یُعرض ابن باجة عن الحدیث حول الصنف الأول للصور الروحانیة. أي صور الأجسام السماویة المجردة، و یمیل إلی البحث حول الروحاني المطلق و هو العقل الفعال وما ینسب إلیه و هو المعقولات (عند الإنسان). و کلمة «المعقولات» في الاصطلاح الفلسفي الإسلامي ترجمة لکلمة نوئتا الأرسطوئیة (المعقولات) و هي مقابل لفظة ایسِثنا (أي المحسوسات) (ظ أرسطو، «في النفس»، الکتاب الثالث، الفصل 431a22, VII). و یقسم ابن باجة هذه المعقولات إلی قسمین: المعقولات الروحانیة العامة، و ما هو أدنی منها یعني الصور الموجودة في «الحس المشترک» فیسمیها الصور الروحانیة الخاصة.و نشیر هنا إلی أن لـ «الحس المشترک» دوراً مهماً في نظریة ابن باجة، فهو یقول عنه: «فأما أن هذه الحواس (یعني الحواس الخمس) کلها قوی لحاس واحد، هو الأول، وهو الذي یسمی الحس المشترک … و في هذه القوة تبقی الآثار المحسوسات عند انصراف المحسوس… وللحواس الخمس محسوسات مشترکة، فمن الواضح إذن أن لها قوة مشترکة تقضي علی تغایبر أحوال المحسوس و تحس له أحوالاً بکثیر من حالاتها. فتدرک لکل جزء من التفاحة مثلاً أن له طعماً و رائحة ولوناً و حرارة أو برودة تقضي أن کل واحد من هذه غیر الآخر» (کتاب النفس، 129-130). وهذا الاصطلاح أرسطوئي أیضاً ترجم بدقة إلی العربیة و هو «کوینه آیسشسیس» (ظ: أرسطو، ن. م، الفصل 425a28, I؛ م. ن، پارڤاناتورالیا، «في الذاکرة و التذکیر»، الفصل 450a10-11, i)، والصور الروحانیة العامة إنما لها نسبة خاصة، و هي نسبتها إلی الإنسان الذي یفکر بها (أو یعقلها). أما الصور الروحانیة الخاصة فلها نسبتان، أحدهما نسبة إلی المحسوس و الأخری عامة أي نسبتها إلی الحاس المدرک لها، مثال ذلک صورة جبل أُحُد عند من أحسه، إذا کان غیر مشاهد له، فتلک صورته – الروحانیة خاصة، لأن نسبتها إلی الجبل خاصة، لأننا نقول إنها الجبل، ولا فرق عندنا في قولنا: هذا جبل أحد و نحن نشیر إلیه في مکانه، و هو موجود مدرک بالبصر، أو نشیر إلیه و هو موجود في الحس المشترک بعد أن أدرکه مدرک کالتخیل. و نسبة جبل أحد العامة نسبته إلی واحدٍ واحدٍ ممّن شاهده فإنه قد شاهده أعداد من الناس. و قد شرحها أرسطو في کتابه «في الحس و المحسوس» و یستقصي القول فیها ماهي، أما هاتان النسبتان فذکرت هناک دون أن تلخص أصنافهما (ویبدو أن إشارة ابن باجة إلی «الذاکرة و التذکیر» لأرسطو، الفصل I، 449b). والصور الروحانیة الموجودة في الحس المشترک هي أحط منازل الرحانیة، ثم الموجودة في قوة التخیل ثم الموجودة في قوة الذکر، وأعلاها رتبة وأکملها هو وجودها في القوة الناطقة. وإن هذه الثلاثة الأولی جسمانیة (رسائل، «تدبیر»، 50-51)، والجسمانیة في الحس المشترک أکثر من الجسمیة الموجودة في صور القوة الذاکرة. ولاجسمیة أصلاً في صورة القوة الناطقة، ولذلک ترتفع عنها جملة النسبة الخاصة التي بینها و بین الشخص او الموضوع (المحسوس)، فإنه کلما وجدت النسبة الخاصة ففیها جسمیة، و من أجلها وجدت النسبة الخاصة. فإذا ارتفعت و صارت روحانیة محضة لم یبق لها إلا نسبتها العامة، و هي نسبتها إلی أشخاصها (ن. م، 51).إن نظریة المعرفة عند ابن باجة أرسطوئیة تماماً. فالإدراکات النفسانیة عنده صنفان، الحس و التخیل، والقوة المتخیلة لاتتحرک حتی تحرکها الإحساسات، والحس مقدم علی التخیل طبیعة، و لذا لایوجد التخیل بدون حس بالضرورة (کتاب النفس، 139). و یشیر ابن باجة باعتماده علی هذا الاساس و متابعته للبحث في الصور الروحانیة إلیعدد من النقاط تدعو للاهتمام و تدل علی نظرته الفلسفیة: الحس یوقع الیقین في الصور الخاصة، و قد یوقعه القیاس، مثال ذلک هذا حائط مبنيّ فله لانٍ، والفرق هنا أن القیاس إنما یوقع صورة الشيء الروحانیة الفکریة، فلذلک تقع في الحس المشترک علی خلاف ما کانت علیه أو هي علیه من التشکیلات التي یدرکها الحس منها، و لذلک یختلف الحس المشترک فیمن شاهد ذلک البنیان في إحضار صنم ذلک الباني، و سبب اختلافه هو أن لایحتمل في القوی الثلاث حضرت الصورة الروحانیة کأنها محسوسة، لأنها عند اجتماعها یکون الصدق ضرورة و یشاهد العجب من فعلها، و هذا هو الذي ظنّه الصوفیة غایة قصوی للإنسان و کذلک یقولون في دعائهم «جمعک الله» و «عین الجمع»؛ لأنهم لقصورهم عن الصور الرحانیة المحضة قامت عندهم هذه الصورة الروحانیة مقام تلک. و لما کانت تکذب عند افتراقها و شعروا بصدقها عند اجتماعها دائماً ظنوا اجتماعها هي السعادة القصوی. و لما کانت عند اجتماعها تحضر لمن اجتمعت له صور غریبة و محسوسات بالقوة هائلة المنظر و أنفس أحسن کثیراً مما في الجود، ظنوا أن الغایة إدراک هذه، و هنا یقول ابن باجة مشیراً إلی الغزالي: «و لذلک یقول الغزالي إنه أدرک مدرکات روحانیة و شهد الجواهر الروحانیة» (ظ: الغزالي، 143-144). ثم ینقد ابن باجة نظریة الصوفیة و یضیف قائلاً: «و لذلک زعم الصوفیة أن إدراک السعادة القصوی قد یکون بلاتعلم، بل بالتفرغ، و بأن لایخلو طرفة عین من ذکر المطلق، و لأنه متی فعل الصوفي ذلک أجمعت القوی الثلاث و أمکن ذلک، و ذلک کله ظن و فعل ماظنوا أمر خارج عن الطبع (طبع الإنسان) و هذه الغایة التي ظنوها إذن لو کانت صادقة و غایة للمتوحد فإدراکها بالعرض لابالذات. و لو أدرکت لما کان منها مدینة و لبقي أشرف أجزاء الإنسان فضلاً لاعمل له، و کان کل وجوده باطلاً، و کان یبطل جمیع التعالیم و العلوم الثلاثة التي هي الحکمة النظریة، ولاهذه بل و الصنائع الظنونیة کالنحو و ماجانسه» (رسائل، «تدبیر»، 55-56، و کذلک ظ: «رسالة الوداع»، 121).وعند ذلک یبدأ ابن باجة بشرح آخر للصور الروحانیة فیقول: کل جسم کائن فاسد، فلصورته ثلاث مراتب في الوجود، أولا الروحانیة العامة و هي الصورة العقلیة، و هي النوع، و الثانیة الصورة الروحانیة الخاصة و الثالثة الصورة الجسمانیة، أما الصورة الروحانیة الخاصة فلها ثلاث مراتب: أولها معناها الموجود في القوة الذاکرة، والثانیة الرسم المجود في القوة المتخیلة، والثالثة الصنم الحاصلي الحس المشترک و الصورة منها خاصة و منها عامة، والعامة هي المعقولات الکلیة، والخاصة منها روحانیة و منها جسمانیة، و کل إنسان علی ماتقدم فله أجناس من القوی: أولها القوة الفکریة، والثانیة القوی الروحانیة الثلاث [الحس المشترک و التخیل والذاکرة]، والثالثة القوة الحساسة والرابعة القوة المولدة، والخامسة القوة الغاذیة أو ما یعدمنها، والسادسة القوة الأسطقسیة (العنصریة)… فأما أفعال القوة السادسة فهي بالاضطرار صرفاً، فلا شرکة بینها و بین أفعال الاختیار… و أما القوة الرابعة فهي أیضاً مثل أفعال القوة الخامسة غیر أنها أقرب إلی الاختیار، و ذلک أن الغذاء ضروري في قوام الجسد، و أما إلقاء المني في أنثی تولده، فلیس بضروري و لاتقود إلیه الشهوة ضرورة … أما إذا أدی الاختیار إلیها، و هو إلقاء البذر في أنثی تولده فهذا فعل اختیاري … و أما أفعال القوة الثالثة فهي أیضاً شبیهة بهذه، و هي لنا أیضاً باضطرار، إذ کانت انفعالات، إلا أن منها ما هو أدخل في باب الاختیار کالبصر، و منها ما هو أقرب إلی الاضطرار و هو اللمس، إلا أنها کلها قد تمکننا إذا شئنا أن لاننفعل بها، کالهرب من الحر و التدثّر من البرد و أمثالها، أما القوة الثانیة فلها أفعال و انفعال، فأما الانفعالات الحاصلة عنها فمجراها کمجری الحس. و أما الأفعال الکائنة عنها فهي إختیاریة إذ کانت إنسانیة، و أما إذا کانت بهیمیة فهي باضطرار، و أما القوة الأولی فإن التصدیق و التصور فیها باضطرار و لو کانا باختیار لما صدقنا بما یسوؤنا … و الأفعال الکائنة باختیار صرفاً و کل قوة من القوی الأربع أو مجموعها للناطقة فیه مدخل و للاختیار فیه مدخل، و لما کانت الأفعال الإنسانیة هي الاختیاریة، کان کل فعل من أفعال هذه القوی، یمکن أن یکون للناطقة فیه مدخل، والنظام والترتیب في أفعال الإنسان إنما هو من أجل الناطقة و هما للناطقة من أجل الغایة التي جرت العادة أن یقال لها العاقبة (ن. م، «تدبیر»، 58-60). والصور الروحانیة منها ماله حال و منها ما لاحال له، فالذي لاحال له في النفس فهي الصور الروحانیة، دما إذا حصلت مجردة أو کانت من الأنواع الموجودة کثیراً کالإنسان فإنه إذا رأی إنساناً و حصلت روحانیته في النفس لم یکن لتلک الروحانیة المرئیة تأثیر في النفس، فإن خطرت علی البال و ذکرت، فبالعرض، و ذلک أن یلقی إنساناً علی المجری الطبیعي. و منها مالها و هذه أصناف: منها ما حاله طبیعیة، مثل الولد و الوالد، و بالجملة فذوالرحم…، و منها ما حاله أیضاً حال طبیعیة إما حال نقص و إما حال کمال، فأما حال النقص کالتشویهات و الأمراض، فلنسم ماله حال نقص، ما لاحال له، کما یقال للرديء الصوت، أنه لاصوت له، و أما حال کمال، کما في الأحوال الجسمانیة و النفسانیة، و ذلک مثل حسن الصورة واعتدال الأعضاء، والنفسانیة کالفضائل کلها. أو بالجملة فهي إما فضائل جسمانیة أو فضائل نفسانیة أو فضائل فکریة، أو نقائص هذه، إذ کان للإنسان بالطبع و لم یکن بالاکتساب، و منها صنف آخر، و هي الأمور المکتسبة و هذه أصناف: إما صنائع و إما أخلاق و إما قوی فکریة، و إما أفعالها. و منها صنف آخر مثل النسب، و تنقسم إلی جیدة و خبیثة و لکل واحد من هذه جدوی أو ضرر لدی الصورة (الروحانیة) (ن. م، 60-61).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode