ابن بابشاذ

اِبنُ بابشاذ، أبوالحسن طاهر بن أحمد (تـ 469هـ/1076م)، من کبار علماء النحو في مصر (ابن الأنباري، 432؛ الذهبي، سیر، 18/439)، و یقال إن أصله من الدیلم (ابن خلّکان، 2/515). و یؤید هذا النسب اسم جده، لأن «بابشاذ» من الأسماء الفارسیة القدیمة (ظ: یوستي، 55). قدمت أسرته – التي کانت تتاجر بالجواهر – إلی مصر (القفطي، 2/95)، کما توجّه ابن بابشاذ إلی العراق قادماً من مصر تاجراً باللؤلؤ، و لهذا عرف بالجوهري أیضاً، و أخذ عن علماء بغداد (الذهبي، ن. ص، العبر، 3/271)؛ إلّا أن کتب التراجم لم تذکر سبب إقباله علی العلم، و ربمّا کانت شهرة المدرسة النظامیة (تأسست في النصف الثاني من القرن 5 هـ / 11 م) سبباً لافتتان هذا التاجر الشاب بها.
عاد ابن بابشاذ بعد فترة إلی مصر و تولّی في خلافة المستنصر الفاطمي (427-487هـ/ 1036-1094م) تحریر الکتب الصادرة عن دیوان الإنشاء، بحیث لایخرج منه کتاب حتی یعرض علیه و یتأمله (القفطي، ن. ص؛ ابن خلّکان، 2/516)؛ و کان له علی ذلک رزق سني، مع رزقه علی التصدر للإقراء فيجامع عمروبن العاص (القفطي، ن. ص؛ ابن تغري بردي، 5/105)، و کان یقضي أوقات فراغه بالعبادة و المطالعة. و یبدو أنه کتب في تلک الفترة تعلیقته في النحو، و التي قیل أنها لوبیّضت لقاربت خمسة عشر مجلداً (القفطي، 2/96؛ ابن خلّکان، 2/515)، و هذه التعلیقة التي یبدو أنها کانت من مستلزمات مهنة التحریر في الدیوان، انتقلت من بعده إلی ثلاثة أو أربعة أجیال خلفته (ظ: ن. د، ابن برّي)؛ حیث انتقلت أول الأمر إلی تلیمذه أبي عبدالله محمد بن برکات السعیدي، ثم إلی أبي محمد عبد الله ابن برّي، ثم إلی الشیخ أبي الحسین النحوي، و کان کل و احد من هؤلاء یهبها إلی من یخلفه و یعهد إلیه بحفظها، یقول القفطي: و لما توفّي أبوالحسین النحوي و بلغني ذلک و أنا مقیم بحلب أرسلت من أثق به إلی القاهرة و سألته تحصیل التعلیقة بأي ثمن بلغت، و کتاب التذکرة لأبي علي، فلما عاد ذکر أن الکتابین و صلا إلی ملک مصر الکامل ناصرالدین (576-635هـ/1180-1238م) (2/96). و یقال إن ابن بابشاذ درس علی أبي یعقوب یوسف النجیرمي (345-423هـ/957-1032م) (GAL, S, I/529؛ فرّوخ، 3/177)، ولکن یبدو أنه تلقی العلم أَوّلاً علی القاسم بن محمد الواسطي (ظ: یاقوت، 17/5؛ السیوطي، 2/262). و یقول یاقوت (ن. ص) إن الواسطي لما استوطن مصر، تزوّج ابن بابشاذ من أخته، و قام بخدمة أستاذه و انتفع به و عندما دخل الخطیب التبریزي (421-502هـ/1030-1108م) مصر، قرأ علیه ابن بابشاذ اللغة فترة (ابن خلکان 6/193؛ قا: GAL, I/ 365)، و لیس هناک شک في سفر الخطیب التبریزي إلی مصر في عنفوان شبابه، إلّا أن ما یجب النظر فیه هو تولي ابن بابشاذ منصباً حسّاساً في دوان الإنشاء آنذاک، و تصدّیه للإقراء في جامع عمروبن العاص.
و یمکن ذکر کل من محمد بن برکات السعیدي (420-520هـ/1029-11226م)، و أبي القاسم ابن الفحّام من تلامذة ابن بابشاذ (الذهبي، سیر، ن. ص؛ ابن خلّکان، 7/76). تزهد في آخر عمره و استعفی من الخدمة و باع ما حوله و أبقی ما لا بدله منه و انقطع في غرفة بجامع عمروبن العاص (یاقوت، 12/18؛ القفطي، 2/97؛ ابن خلّکان، 2/516). و نقلت المصادر قصة طویلة حول سبب تزهده و انقطاعه، کما أنه مات میتة عجیبة إثر سقوطه من سطح الجامع علی مایبدو (ابن الجوزي، 8/309؛ یاقوت، 12/18-19؛ القفطيف ن. ص؛ السیوطي، 2/17). و ینقل ابن خلکان أنه زار قبره و قرأ تاریخ وفاته علی حجر عند رأسه (ن. ص).
لم تصلنا منه سوی آثاره في النحو، و یبدو أن أهمها هي التعلیقة التي سبقت الإشارة إلیها. وقد أطلق النحاة علیها فیما بعد اسم تعلیق الغرفة أو الغرفة (السیوطي، ن. ص).
ومن الکتب التي نسبت إلیه: المقدمة و شرحها، و شرح الجمل للزجّاجي، و شرح النخبة (ابن الأنباري، 432-433؛ یاقوت، 12/19؛ القفطي، 2/95)، و شرح کتاب الأصول لابن السراج (ابن خلّکان، 2/515؛ الیافعي، 3/98).
أما آثاره الموجودة فهي:
1. مقدمة ابن بابشاذ أو المقدمة المُحسِبة (أو المُحسَبة) في فن العربیة، و هي في النحو، و تتألف من عشرة أبواب؛ وقد عرّف فیها علم النحو بقوله: «إن النحو، علم مستنبط بالقیاس و الاستقراء من کتاب الله تعالی و الکلام الفصیح و الغرض منه معرفة صواب الکلام من خطئه»، طبعت بتحقیق حسام سعید النعیمي في بغداد (1970م)؛ و اختصرها ابن عصفور علي بن مؤمن (تـ 663هـ/165م) (حاجي خلیفة، 2/1612).
2. الجمل الهادیة في شرح المقدمة الکافیة، ألّف الکتاب شرحاً للمقدمة، وأشار بروکلمان في روایتین إلی عشر نسخ منه (GAL, S, I/529). و هناک شروح أخری فضلاً عن هذا الشرح الذي کتبه ابن بابشاذ نفسه، منها: عمدة ذوي الهمم علی المحسبة في علمي اللسان و القلم، تألیف علي بن محمد بن سلیمان بن هُطَیل (تـ 800هـ/1397م)؛ الحاصر لفوائد مقدمة طاهر، تألیف یحیی بن حمزة بن علي العلوي (تـ 749هـ/1348م)؛ اللمع الکاملیة في شرح مقدمة ابن بابشاذ، تألیف عبداللطیف بن أبي بکر بن أحمد الشرجي (تـ 802هـ/1399م) نظماً؛ شرح مقدمة ابن بابشاذ، تألیف عبداللطیف بن یوسف بن محمد البغدادي (تـ 629هـ/1232م)؛ شرح مقدمة ابن بابشاذ، تألیف أحمد بن عثمان بن أبي بکر الزبیدي البصیبص (تـ 768هـ/1367م) (آلوارت، VI/16-17).
3. شرح الجمل الکبیرة، کتاب في أصول النحو و أصله لعبد الرحمن ابن إسحق الزجاجي (تـ 339 هـ/ 950م)، و أشار بروکلمان إلی 4 مخطوطات منه (GAL, S, I/ 171).

المصادر

ابن الآنباري، عبدالرحمن، نزهة الألباء، القاهرة، 1294هـ/1874م، ابن تغري بردي، النجوم؛ ابن الجوزي، عبدالرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدکن، 1359هـ/1940م؛ ابن خلکان، وفیات؛ حاجي خلیفة، کشف؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط و محمد نعیم العرقسوسي، بیروت، 1405هـ/1984م؛ م. ن، العبر، تقـ: فؤاد سید، الکویت، 1381هـ/1961م؛ السبوطي، بغیة الوعاة، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1384هـ/ 1964م؛ فرّوخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1981م؛ القفطي، علي، إنباه الرواة، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1371هـ/ 1952م؛ الیافعي، عبد الله، مرآة الجنان، حیدرآباد الدکن، 1344-1339هـ؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

Ahlwardt; GAL; GAL, S; Justi, F., Iranisches Nemenbuch, Marburg, 1895.
إیران نازکاشیان