الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابراهیم باشا(رجل دولة) /

فهرس الموضوعات

ابراهیم باشا(رجل دولة)


تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/2 ۱۴:۵۱:۱۰ تاریخ تألیف المقالة

إبراهیم باشا (1203-1264/1789-1848)، رجل دولة، وقائد ونائب الحکومة وجدّ السلالة الملکیة السابقة في مصر (انقرضت، 1372/1953)، ولد في «نُصرَتلي» بالقرب من قَوَلة (مدینة في مقدونیة بالیونان). کان أکبر أبناء محمدعلي باشا و والي مصر (ولایته 1220-1265/1805-1848)، وإن ورد في قاموس الأعلام، أن بعض المصادر ذهبت إلی أنه متبناه (1/558). إلا أن الجبرتي الذي کان معاصراً لابراهیم، ویعتبر تصنیفه أهم مصادر هذه الفترة، لم یکتف بعدم الاشارة إلی هذا الموضوع فحسب، بل ذکر في جمیع مواضع الکتاب أنه ابنه، وهو ماورد أیضاً في جمیع المصادر العثمانیة.
دعا محمدعلي ابنه إبراهیم من قوله إلی مصر بعد أن عینّه سلیم الثالث (حکـ 1214-1222/1789-1807) قائم مقام له فیها (1220هـ)، وولاه قیادة القلعة فیها (الجبرتي، 3/87-88). وبعد فترة أرسل محمدعلي في 1221 هـ قبودان باشا إلی الباب العالي وأرسل ابنه إبراهیم الشاب معه تعبیراً عن ولائه له (م. ن، 3/137)، ثم مالبث أن عاد في 1222 هـ إلی القاهرة بعد أن سمح له الباب العالي (اوزتونا، VI/399) وعیّن بمنصب الدفتردار [رئیساً للدیوان] (IA, V/(2)/901). وبعد مذبحة أمراء الممالیک (1226/1811) بعثه والده إلی «الصعید» لتنظیم الأوضاع المضطربة في مصر العلیا (ذوالحجة 1227). فأعاد الأمن والاستقرار إلی المنطقة بعد قمعه للبدو فیها، وواصل إصلاحات أبیه الزراعیة في تلک الناحیة بناء علی طلب والده، وضبط الأوقاف والرزق، ووضع إدارة شؤون المؤسسات‌الدینیة تحت إشراف‌الدولة، وبادر إلی مسح الأراضي وإحصائها، وفرض ضریبة 3 ریالات علی کل فدّان (ح نصف هکتار) من الأراضي المذکورة، وعلی باقي الأراضي 8 ریالات (الجبرتي، 3/365). وفي هذه الفترة اشتدت حملات الوهابیین علی سوریة وفلسطین والعراق، وتعرضت‌الدولة العثمانیة إلی أزمة حادة لعدم قدرتها علی مواجهتهم بسبب ضعفها وانشغالها في قمع ثورات أهالي شبه جزیرة البلقان، فأوکل الباب العالي حل هذه المسألة إلی محمد علي الذي بادر إلی تعزیز القوات المصریة لأنه کان یری أن مستقبل دولته مرهون بحلّها، وأمر ابنه ابراهیم بالقضاء علی الوهابیین (الشهابي، 3/636). وفي شوال 1231 هـ توجّه إبراهیم من مصر إلی الحجاز لتنفیذ مهمته هذه، وبعد أن مکث فترة في المدینة، ذهب إلی الحُنّاقیة واستطاع استمالة شیوخ البدو إلیه رغم معاملته الشدیدة لهم، وحظي بلقب باشا من الباب العالي (IA، ن.ص)، ثم سعی للوصول إلی مرکز تجمّع الوهابیین في أواسط جزیرة العرب. فدارت بینه و بینهم معرکة بالموتان في 10 رجب 1232 وأسر عدداً کبیراً منهم وغنم مدفعین (الجبرتي، 3/559). وفي 17 صفر 1233 نشبت حرب شدیدة أخری، احتل فیها إبراهیم باشا قلعتي البرید و الشقراء، و قبض علی عتیبة أحد أمراء الوهابین، و قتل أکثر من 1,100 منهم (جودت، 11/13؛ الجبرتي، 3/577). فتراجع الأمیر عبداللَّه بن سعود إلی الدرعیة، ولحق به إبراهیم، الذي وصل إلی أحد المراکز الکبیرة لتجمع الوهابیین، لایبعد عن الدرعیة مسافة کبیرة، واحتله في أواخر جمادی الأولی 1233 (الجبرتي، 3/579). ثم حاصر الدرعیة، واستولی علیها بعد ستة أشهر من الحصار في ذي الحجة 1233 هـ (م. ن، 3/581-582؛ الشهابي، 3/636). وبعد 20 یوماً قبض علی عبداللَّه بن سعود الذي کان قد لجأ إلی قلعة المدینة، کما أسر أربعة من أولاده (جودت، 11/14). وما أن وصل خبر النصر إلی القاهرة حتی زینّت المدینة وأقیمت الاحتفالات. وفي 17 محرم 1234هـ، نقل عبداللَّه و مرافقوه إلی القاهرة، ثم بعث بهم بعد یوین إلی استانبول (ن. ص؛ الجبرتي، 3/596)، فدخلوها في 15 صفر 1234هـ، وتمّ قتلهم بعد 3 أیام من مثولهم بین یدي السلطان محمود الثاني (جودت، 11/16؛ الجبرتي، 3/600).
وقد اعتبر القضاء علی الوهابیین و توفیر الأمن في طرق الحجاز نصراً کبیراً لمحمد علي وإبراهیم باشا، فزاد من مکانتهما وأهمیتهما، وأشاد السلطان محمود الثاني بهما بأن أرسل لهما مرسوماً وسیفاً وفرواً (جودت، ن. ص). استقر إبراهیم في الحجاز بعد هذا النجاح وبدأ نشاطه لبسط سلطة محمد علي باشا علی منطقة الخلیج الفارسي، فهاجم الأحساء و میناء القَطیف واحتلهما، وطرد عامل باشا بغداد منهما. ولکن باشا بغداد استنجد بالسلطان العثماني بعد أن رأی نفسه في خطر، و طلب منه دفع ابراهیم عن الأحساء فأرسل السلطان محمود الثاني إلی محمد علي باشا أمراً یقضي باستدعاء إبراهیم فوراً، وبذلک انسحب إبراهیم من الأحساء (نوّار، 228-230؛ العزاوي، 6/258)، ثم مالبث أن عاد إلی مصر (صفر 1235هـ واستقبل فیها بحفاوة الجبرتي، 3/605-607). وبعد عودته أصدر الباب العالي أمراً في ذي القعدة 1235، بإبقائه حاکماً علی جدّة (جودت، 11/42).
 وفي 1236 هـ توجّه إبراهیم باشا بجیش إلی السودان لمساعدة أخیه اسماعیل باشا، الذي سیّره والده إلیها لجمع الجنود والثروة واستئصال بقیة الممالیک فیها. و کانت القوات المصریة قد احتلت مدینة سنار فتابعت هجماتها بعد وصول إبراهیم، غیر أنه ما لبث أن قفل راجعاً بسبب مرضه الشدید (مکي، 103-104). وفي مصر بادر إبراهیم إلی تأسیس جیش حدیث فاستعان بالعقید الفرنسي سیڤ، الذي عرف فیما بعد بـ سلیمان باشا، لتدریب جیشه، کما اشترک نفسه کأحد الجنود في التعلّم، وکان السلطان محمود الثاني راضیاً عن قیادة إبراهیم في إخماد ثورة الوهابیین، و جیشه المتفوّق في تدریباته الحدیثة، فولاه حکم جزیرة مورة، کما وافق علی ولایة والده محمدعلي باشا علی کرت ومورة (1239/1824). وبذلک أوکل إلیه مهمة قمع الثورة الیونانیة (کارال، V/115؛ اوزتونا، VI/444؛ جودت، 12/92). وفي ذي‌القعدة 1239، توجّه إبراهیم من الاسکندریة إلی جزیرة رودس بـ 190 سفینة تحمل 30,000 جندي مدرّب (جودت، 12/97)، فانضم إلیه الأسطول العثماني فیها بقیادة خسروباشا، الذي نال الصدارة فیما بعد (اوزتونا، VI/445). ثم لم تلبث أن سقطت جمیع أرجاء الجزیرة ماعدا مدینة نوبلیون مرکز الثوریین. فنقل الیونانیون قواتهم إلی قلعة میسولونکي الواقعة في جزیرة آتیک. غیر أن القلعة المذکورة سقطت في 15 رمضان 1241 هـ بعد عام من الحصار، کما استسلمت أثینا في 9 ذي القعدة 1242/ حزیران 1827 (لوتسکي، 149-151؛ اوزتونا، ن.ص). وقد أثبت انتصار جیش إبراهیم باشا في جزیرة مورة تفوّق الجیش المدّرب تدریباً حدیثاً، وزاد من عزم السلطان محمود الثاني علی متابعة إصلاحاته ولاسیّما تأسیس جیش حدیث، کما منح إبراهیم باشا حکم جزیرة کرت تقدیراً له (اوزتونا، ن. ص؛ جودت، 12/129). وبعد سقوط حصن میسولونکي، بادر إبراهیم إلی تمشیط المنطقة، وأطلق خلال ذلک سراح 500 أسیر وأسیرة کان الثوار یحتجزونهم في الجبال (جودت، ن. ص). وقد أثار قمع ابراهیم لثورة الیونایین الأفکار العامة عند الأوروبیین الذین کانوا یمیلون الیها. وعقدت دولتا روسیة و انجلترا – اللتین کانتا تشعران بأن مصالحهما تتعرّض بزیادة نفوذ محمدعلی و إبراهیم في البحر المتوسط للخطر – مؤتمراً في لندن شارکت فیه فرنسا، وتمّ التوقیع فیه علی اتفاقیة (9ذي الحجة 1242/6 تموز 1827)، أعلنت فیها دعمها للثورة الیونانیة، کما نصّت علی وجوب خروج القوات الأجنبیة من الیونان، وأن یظل هذا البلد تابعاً للدولة العثمانیة کبلاد الصرب ورومانیا مع دفعه الضرائب وتمتعه بالحکم الذاتي (کارال، V/116-117). وقدمارست هذه الدول الضغوط علی الحکومة العثمانیة لتنفیذ بنود الاتفاقیة حتی إن الحکومة البریطانیة أبلغت الباب العالي عدم رضاها عن احتلال الیونان (جودت، 12/129). غیر أن‌الدولة العثمانة اعتبرت ماجاء في الاتفاقیة تدخّلاً في أمورها الداخلیة ورفضت قبولها. فهاجم أسطول الدول الثلاث المتحالفة (فرنسا وروسیة وانجلترا) خلیج ناوارین، قاعدة الاسطول المصري – العثماني، بقیادة أمیر البحر کودرینغتون (1243/1827). فبادر ابراهیم باشا الی القتال معتمداً علی کثرة عدد قواته ودعم المدفعیة الساحلیة، غیر أن هذه القوات سرعان ما أبیدت في ساعات وأغرقت السفن (کارال، V/118؛ لوتسکي، 101). وحینما بلغ محمدعلي خبر هزیمة قواته أصدر أمراً إلی إبراهیم بترک الجزیرة دون الحصول علی موافقة الباب العالي، کما أرسلت انجلترا عدداً من السفن إلی مورة لإخراج مابقي من قوات إبراهیم الذي عاد الی الاسکندریة في 1244/1828 (کارال، ن. ص؛ IA, V(2)/902) واحتلت القوات الفرنسیة الجزیرة.
عاد الباب العالي بعد حوادث مورة إلی تعیین ابراهیم باشا حاکماً علی جزیرة کرت، فرفض التعیین. کما طالب والده بحکم مصر وسوریة، وبذلک فتحت صفحة جدیدة في العلاقات بین مصر والعثمانیین، فلم یوافق علی طلبه هذا لامتناعه عن المشارکة في الحرب الروسیة العثمانیة (اوزتونا، VII/15). وکان محمدعلي یفکّر منذ مدة طویلة باحتلال سوریة، فاتخذ من اختلافه مع والي عکّا عبدالله باشا ذریعة لاعداد مقدمات الهجوم، فطلب من عبدالله باشا أن یعید الیه 6,000 فلاح مصري کانوا قد لجأوا إلیه هرباً من التجنید. إلا أن عبدالله رفض بحجة أن هؤلاء من رعایا السلطنة العثمانیة ولهم الحق في الإقامة، حیث شاؤوا من الامبراطوریة، وأوقف تصدیر الحریر إلی مصر، وامتنع عن دفع دینه لمحمد علي باشا، وهکذا أصبح الطریق ممهّداً لبدء هجوم القوات المصریة علی سوریة، فأصدر محمدعلي الأمر ببدء الحملة باسم السلطان العثماني، وبذریعة تأدیب عبدالله باشا (مذاکرات 14,000؛ کردعلي، 3/51؛ أوزتونا، VII/16). وأنیطت قیادة هذا الهجوم بإبراهیم باشا، کما عیّن العقید سیڤ (سلیمان باشا) قائم مقام له (کارال، V/29؛ کردعلي، ن. ص)، وکان جیش إبراهیم یضم ست فرق من المشاة وأربع فرق من الفرسان و 40 مدفعا، و في 3 جمادی الأولی 1247هـ، بدأ الهجوم علی سوریة من البر والبحر، واستطاع احتلال مدینتي القدس و نابلس بدون أیة مقاومة ثم نزل في میناء یافا (کردعلي، ن. ص). فتوجّه عبدالله باشا إلی عکّا الواقعة في شمال فلسطین و تعرف بحصانتها، واستقر فیها، کما أن إبراهیم حاصرها من البر والبحر (مذکرات، 47-48؛ الشهابي، 3/820). وفي هذه الأثناء وصل الجیش العثماني المکوّن من 20,000 مقاتل إلی حمص بقیادة عثمان باشا والي حلب، فتوجّه إبراهیم الیه وقضی علیه قضاء مبرماً، واختفی عثمان باشا في حماة (کردعلي، 3/52)، ثم عاد إبراهیم باشا إلی عکّا و شدّد الحصار علیها و أمر بدکّها بالمدفعیة بشکل متواصل (الشدیاق، 2/211-212). وبعد 6 أشهر من الحصار سقطت بید قوات إبراهیم باشا، وأسر عبدالله باشا، وحمل إلی مصر مکرّماً (الشهابي، 3/851-852؛ مذکرات، 48؛ کردعلي، ن. ص). وبعد احتلال المدینة أمر إبراهیم الأمیر بشیر الشهابي بأن یرسل أفراداً من بیروت والجبل إلی عکّا لترمیم ماخربته الحرب فیها، وأن یجبي الضرائب المعوّفة (الشهابي، 3/857)، ثم احتل مدن طرابلس و صور و صیدا، وقصد دمشق لتفحها، فتمّ له ذلک في 15 محرم 1248 هـ. ودخل جیشه المدینة بلباس موحّد و نظام خاص وهو یتقدّمهم مع الأمیر الشهابي و جنوده (مذکرات، 49). وبعد أن عیّن أحمدبک أمیراً للمدینة أمر بأن یخطب باسم السلطان العثماني، ثم توجه إلی حمص (ن. م، 50).
أما الباب العالي فکان ضعیفاً غیر قادر علی القیام بعمل بعد أن فقد أسطوله في حرب ناوارین، فأعلن بناء علی فتوی من شیخ الاسلام أن محمد علي وإبراهیم متمرّدان و عزلهما من منصبیهما و عیّن الآغاحسین باشا (القائد الأکرم) والي أدرنة حاکماً علی مصر و سیّره علی رأس جیش لمواجهة إبراهیم باشا (کارال، V/129؛ أوزتونا، VII/16). فهزم ابراهیم الذي کان قد توجّه إلی حمص طلائع القوات العثمانیة بقیادة والي طرابلس محمدباشا، وقتل 5,000 رجل وأسر 4,000 وفرّ الباقون (اوزتونا، ن. ص؛ مذکرات، 53؛ کردعلي، 3/53) وحینما بلغ الآغاحسین باشا هذا الخبر توجّه نحو حلب، فحال ابناؤها دون دخوله إلیها، واضطر إلی التراجع نحو ولایة «خطاي» (جنوب شرقي ترکیة)، وخیّم في مضیق بیلان (اوزتونا، ن. ص؛ مذکرات، 57). وفي 2 ربیع الأول 1248هـ، قضت قوات إبراهیم باشا علی الجیش العثماني في قاعدته (مضیق بیلان) وتابع تقدمه نحو الأناضول ووصل إلی مدینة أدنة. سیّر الباب العالي بعد هزیمة الآغا حسین باشا، الصدر الأعظم رشید علی رأس 60,000 مقاتل لمواجهة إبراهیم، وکان مشارکاً لإبراهیم في حرب مورة، ولکنه هزم في قونیة ووقع أسیراً في ید إبراهیم في 28 رجب من نفس العام (کارال، V/130-131؛ أوزتونا، ن. ص؛ مذکرات، 61). وبذلک سیطر علی قسم کبیر من الأناضول و علی الطرق المؤدیة إلی إستانبول في هذه المنطقة، فتوجّه إلی «کوتاهیة» لمتابعة عملیاته في 11 رمضان 1248هـ، فاستنجد محمود الثاني الذي رأی حکمه في خطر بدولتي فرنسا و انجلترا، فرفضت فرنسا – التي کانت تساعد مصر علناً – طلبه (کارال، V/132)، کما امتنعت انجلترا عن مساعدته مباشرة (لوتسکي، 107). فاستنجد الباب العالي بالروس فبادروا للدفاع عن الأراضي العثمانیة، وأرسل الجنرال موراڤیف علی رأس وفد إلی إستانبول، ومنها ذهب إلی مصر (لوتسکي، ن. ص؛ کارال، V/134) وکان مع الوفد رشید باشا (آمدي همایون) الذي قدم للتفاوض مع محمدعلي باشا، ولکنه مالبث أن عاد الی استانبول لتلقّي أوامر جدیدة بعد فشل محادثاته في مصر. وفي هذه الأثناء دخل 15,000 من القوات الروسیة إلی مضیق البوسفور واستقروا علی سواحله الآسیویة (14 ذي‌القعدة 1249) مما أثار قلق دولتي فرنسا وانجلترا فمارسا ضغطهما علی الباب العالي، فأرسل محمود الثاني، رشید باشا مع القنصل الفرنسي في استانبول فارن، لإجراء مفاوضات السلام (م. ن، V/135-136). وبعد محادثات طویلة، وقّع في 24 ذی‌الحجة 1249هـ علی اتفاقیة بین مصر والدولة العثمانیة، تنص علی أن یحکم محمدعلي وابنه إبراهیم سوریة و لبنان والسودان و أدنة (في ترکیة) علاوة علی مصر و جزیرة کرت (کارال، ن. ص؛ مذکرات، 63، الهامش 2؛ کردعلي، 3/56؛ لوتسکي، 108)، ومن ثم عاد إبراهیم إلی سوریة بعد أن أخلی الأناضول.
وبعد عودة إبراهیم إلی سوریة قام ببعض الإصلاحات لتوطید حکم والده فیها، و بدأ بتنظیم الأمور الإداریة، فعزل الموظفین العثمانیین و استبدلهم بأشخاص یعتمد علیهم، و أسس في المدن التي یزید عدد سکانها عن 20,000 نسمة دیوان شوری، ینتخب أعضاؤه من المسلمین والمسیحیین والیهود (مذکرات، 50؛ آلتون داغ، VIII/233-234) و ألغی التفرقة في دفع الضرائب، وجند المسیحیین الذین کانوا یعفون في السابق من التجنید بدفع الخراج. فعملوا علی إیذاء المسلمین والنکایة بهم، بما لدیهم من امکانیات و ذلک بإثارة مشاعرهم‌الدینیة وإهانة مقدساتهم (آلتون داغ، VIII/236). واستطاع إبراهیم باشا بتوفیر الأمن في الطرق أن ینشّط التجارة الداخلیة و الخارجیة، بحیث کان القماش الانجلیزي یحمل إلی مابین النهرین و ایران عن طریق سوریة،  ترسل بضائع الهند و ایران عن هذا الطریق إلی أوروبا، کما شجّع علی إنشاء القری الجدیدة، و عمل علی توطین البدو، وبثّ روح القومیة العربیة (مذکرات، 16-17)، وأجری إبراهیم باشا اصلاحات زراعیة، منها زیادة المساحات المزروعة، وسدحاجة المناطق الزراعیة المفتقرة إلی الفلاحین في الأناضول و لاسیّما في مدینة أدرنة باستقدام الفلاحین العرب من سوریة، الذین اعتادوا علی العمل في الطقس الحار، إلیها. کما جد في اصلاح الزراعة في أدرنة بجلب بذور الشعیر وحبوب القطن من مصر و قبرص إلیها (YA, I/32). وأجری إصلاحات في التعلیم أیضاً فأسّس أول مطبعة في لبنان عام 1250/1834، وفتح فیها المدارس الابتدائیة والثانویة، واعتمد تدریس اللغة العربیة فیها (مذکرات، 16-17؛ لوتسکي، 111) إلا أن غبطة الأهالي ورضاهم من هذه الإصلاحات لم تدم طویلاً، فقد کان إبراهیم یعلم أن‌الدولة العثمانیة قد غضّت الطرف مؤقتاً عن سوریة، ولذلک بادرِ إلی إعداد الجیش والأسلحة وإقامة التحصینات، لمواجهة کل هجوم، کما أصدر محمدعلي باشا أمراً لإبراهیم، بحصر بیع الحریر لتوفیر نفقات الجیش والأعمال العمرانیة، وبجبي ضریبة باسم «الفَردة» و بجمع السلاح وفرض التجنید الإجباري (مذکرات، 67؛ آلتون داغ، VII/239). وقد أدّی حصر بیع الحریر إلی إضعاف البنیة المالیة لمنتجي هذه البضاعة و تجارها بشکل تعرّض فیه عدد کبیر منهم للإفلاس (آلتون داغ، ن. ص). کما جبیت الفَردة من جمیع الأفراد الذین تزید أعمارهم عن 14 عاماً، و کانت بین 15 و 500 قرش، وقد بلغ الضغط الذي مورس في جبي هذه الضریبة حداً جعل کثیراً من الناس یتمنون الموت (مذکرات، ن. ص). کما قاوم الناس التجنید و کانوا یفرّون منه بقطع الإصبع أو قلع العین (آلتون داغ، VIII/1240).
أدّت معاملة إبراهیم القاسیة إلی قیام ثورات في جمیع أرجاء سوریة ولبنان ضدالدولة، کان أهمها ثورة الفلّاحین الدروز في حوران (1253/1837). وقد استطاعوا بالتحصّن في الجبال و الاتحاد مع دروز وادي التیم (الشدیاق، 2/220 و ما بعدها) أن یضیقوا علی قوات ابراهیم باشا (کرد علي، 3/60-63)، وأخیراً أجبرهم علی الاستلام بعد أن عمد إلی تسمیم میاه آبارهم (لوتسکي، 112). کما طلب محمد علي باشا من‌الدولة العثمانیة أن تعترف رسمیاً بحکمه وراثیاً للبلاد التي تحت یده، فاعترف الباب العالي بحکمه علی مصر و عکّا و طرابلس و طلب منه إعادة سوریة و أدنة إلی العثمانیین، فتوقّف محمدعلي عن إرسال الضرائب، و أعلن استقلاله (کارال، V/140). وقد أتاح تردّي الأوضاع في سوریة و امتناع محمدعلي عن دفع الضرائب، الفرصة التي کانت تنتظرها‌الدولة العثمانیة للعمل ضده، فعیّن محمود الثاني حافظ أحمد باشا قائداً للجیش، و بعد أن عبر الفرات التقی بجیش ابراهیم في منطقة «بیره جیک» بصحراء نَزیب (نصیبین) (16 ربیع الثاني 1255 هـ)، فلم یقاوم الجیش العثماني إلّا ساعات هزم بعدها لضعف تدریب أفراده، وقتل وأسر منه الآلاف و غنم المصریون 160 مدفعاً (کارال، V/140-142؛ کردعلي، 3/63-64). و هکذا عرض إبراهیم باشا العاصمة العثمانیة للخطر ثانیة، و في هذه الأثناء توفّي محمود الثاني (17ربیع‌‌الثاني 1255هـ) و خلفه ابنه عبدالمجید علی العرش (حکم 1255-1277/1839-1860). وکان إبراهیم باشا یشعر بالقلق من تدخل الحکومة الروسیة (طبقاً لنصوص اتفاقیة خونکار اسکله سي) في الشؤون العثمانیة، فاقترح الصلح علی الباب العالي. کما کانت الدول الأوروبیة تخشس من تفاقم الإختلافات بین مصر و العثمانیین، فعقدت في 15 جمادی الأولی 1256 هـ، اتفاقیة تقضي بأن یحکم محمدعلی باشا مصر و جنوب سوریة و عکّا، و عیّنت مدة 10 أیام لقبولها، و لکنه رفضها (کارال، V/189-199). و أخیراً وافق محمدعلي علی الاتفاقیة، نتیجة لتهدیدات الأسطول البریطاني و عملیاته في سواحل سوریة و لبنان، و لقطعه الأمل من مساعدة حکومة فرنسا لمصر، و لازدیاد الثورات ضد المصریین في نالبلس و حبرون و غیرهما (کردعلي، 3/64؛ کارال، V/201). وأصدرت الحکومة العثمانیة مرسوماً اعترفت فیه رسمیاً بحکمه (کارال، ن. ص)، وانسحب إبراهیم من سوریة بطلب من والده (5 ذي‌القعدة 1256هـ) وتوجّه إلی مصر. وقد فقد الجیش المصري نصف أفراده نتیجة الجوع والعطش والتعب الشدید (IA, 5(2)/904). وجّه ابراهیم باشا بعد هذه الصراعات کل همّه للعمران وتوفیر الأمن للشعب المصري، وتولّی الحکم نیابة عن والده لمدة 7 أشهر لشیخوخته و خرفه (اوزتونا، VII/32). وتوفّي ابراهیم وهو في 6 من عمره قبل والده و دفن في المقبرة العائلیة بجوار مرقد الامام الشافعي.
لقد وقف ابراهیم باشا إلی جانب والده في جمیع أعماله و خططه وکان ساعده القوي. کما کان جندیاً شجاعاً محبّاً للنظام والانضباط. وطّد حکم والده بانتصاراته العسکریة، و کان کأبیه مغرماً بالحضارة الأوروبیة و ثقافتها، وأکثر منه أملاً في استقلال مصر، حتی کان یسعی إلی فتح استانبول والقضاء علی‌الدولة العثمانیة لنقل الخلافة إلی مصر (کارال، V/140)، وقد لقّبه الشعب المصري بالفاتح باعتباره مؤسساً للوحدة العربیة، کما لقّبوا أباه محمدعلي بالکبیر (IA، ن. ص). وکان نقش خاتمه «سلام علی إبراهیم» (مَردَم بک، 121)، خلف إبراهیم ثلاثة أولاد باسم أحمد وإسماعیل و مصطفی فاضل، وکان أحمد فؤاد الأول، وفاروق الأول، عضوا السلالة الملکیة المصریة السابقة في مصر، ابن وحفید إسماعیل (زامباور، 167).

المصادر

الجبرتي، عبدلارحمن بن الحسن، عجائب الآثار في تراجم الأخبار، بیروت، دارالجلیل؛ جودت، أحمد، تاریخ، استانبول، 1309هـ/ 1891م؛ زامباور، ادوارد ریتر، نسب‌نامۀ خلفا و شهریاران، تجـ: محمدجواد مشکور، طهران، 1356ش؛ سپهر، محمدتقي، ناسخ التواریخ، تقـ: جهانگیر قائم‌مقامي، طهران، 1337ش؛ الشدیاق، طنوس، أخبار الأعیان في جبل لبنان، بیروت، 1954م؛ الشهابي، حیدر أحمد، لبنان في عهد الأمراء الشهابیین (الغرر الحسان في أخبار أبناء الزمان)، تقـ: أسد رستم و فؤاد أفرام البستاني، بیروت، 1984م؛ العزّاوي، عباس، تاریخ العراق، بغداد، 1373هـ/ 1954م؛ کردعلي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1403هـ/ 1983م؛ قاموس الأعلام؛ لوتسکي، و.، تاریخ غرب در قرون جدید، تجـ: پرویز بابایي، طهران، 1356ش؛ مذکرات تاریخیة عن حملة إبراهیم باشا علی سوریا، تقـ: أحمد غسان سبانو، دمشق، دار قتیبة؛ مردم بک، خلیل، أعیان القرن الثالث عشر في الفکر و السیاسة والاجتماع، بیروت، 1977م؛ مکي شبیکة، السودان عبر القرون، بیروت، 1965م؛ نوّار، عبدالعزیز سلیمان، داود باشا والي بغداد، القاهرة، 1387هـ/1967م؛ وأیضاً:

Altundag, Sinasi, “Kavalah Mehmet Ali PaŞa’ nin suriye, de Hakimiyeti Esnasinda tatbik Ettigi İdare Tarzi”, Belleten, Ankara, 1944; IA; Karal, Enver ziya, Osmanli Tarihi, Ankara, 1983; Öztuna, yilmaz, Büyük Türkiye Tarihi, Istanbul, 1983; YA.
علي‌اکبر دیانت
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: