الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإباضیة /

فهرس الموضوعات

الإباضیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/23 ۱۲:۵۹:۳۴ تاریخ تألیف المقالة

اَلإباضیَّة، أو الأباضیّة، فرقة من الخوارج تنسب إلی عبداله ابن إباض التمیمي، وهي من أقدم الفرق التي ظهرت بی المسلمین، ویمکن اعتبارها أهم فرقة بعد السنة والشیعة، ورغم قلّة عدد أفرادها مقابل الأ:ثریة لاعظمی من الأمة الإسلامیة (السنة والشیعة)، غیر أنها ذات أهمیة کبری من الناحیة التاریخیة ومعرفة عقائد الفرق والمذاهب.
وتعیش المجتمعات الإباضیة الیوم فيعزلة نسبیة، دون أن تعرف کما یجب، ویبدو أن الإباضیین هم الفرقة الوحیدة الباقیة من الخوارج، ولکن یبدو من المصادر أن الصُّفریة (فرقة أخری منهم) کانوا یعیشون في العالم الإسلامي حتی أواسط القرن 5 هـ/11م (ابن حزم، 4/190) ثم ذابوا في الإباضیة (دائرة المعارف الإسلامیة، 14/230).
ولم یکن الإباضیون یتّفقون منذ أوائل عهدهم مع بعض الغلاة من الخوارج، وکانوا یعیشون في الماضي في منطقة واسعة جداً تمتد حتی الأندلس (ابن حزم، 4/189؛ یاقوت، 4/191). ولاتزال فرق منهم تقیم حتی الآن في عمان والزنجبار و شمال إفریقیة، والإباضیة مذهب قبائل وأهل عمان الیوم (دروزة، 4/191). ولاتزال فرق منهم تقیم حتی الآن في عمان و الزنجبار و شمال إفریقیة، والإباضیة مذهب قبائل وأهل عمان الیوم (دروزة، 9/158). والسلطان قابوس حاکم هذا البلد علی هذا المذهب، وإن کان لایعتبر الزعیم‌الدیني للشعب (بریتانیکا، XIII/568). وربّما یوجد عدد من الفرق المعتزلة وفرق أخری بعیدة عن الإباضیة في عدد من المناطق کمومباسا (ظ: اسمیت، 280؛ ڤالیري، 274). وللمذهب الإباضي نفوذ کبیر أیضاً بین قبائل البربر في شمال إفریقیة و هم یعیشون الیوم في جبل نَفوسة وزوارة (طرابلس) و جزیرة جِربة (تونس) و قبائل وادي میزاب (الجزائر) (اسمیث، 279؛ لویتسکي، «الإباضیة…»، 3؛ الباروني، 31، 32). ومما لاشک فیه أنه جماعات کبیرة في الزنجبار کانت في زمن ما إباضیة المذهب، ولکنهم الیوم کما یبدو شافعیون، والأسرة الحاکمة وحاشیتها من الإباضیة فقط. کما کان یعیش في تانزانیا قدیماً بعض الإباضیة، وربما لایزالون کذلک أیضاً (ظ: الباروني، 32).
یسمي الإباضیة أنفسهم أهل الحق، وأهل الدعوة، وأهل الوفاق، ومذهبهم و فرقتهم الدعوة، ومذهب الحق و الفرقة المحقّة والفرقة الناجیة (اسمیث، 287، 282؛ اسموکورزوسکي، 268)، ویعتبرون مذهبهم أقدم مذهب إسلامي وأقربه من عصر النبوة، و من روح الإسلام أیضاً (معمر، 1/61). ویعتقدون بأن مذهبهم سیفوز آخر الأمر لأنهم أهل الحق (اسمیث، 279؛ ظ: الباروني، 6). ولیس هذا ادعاء الإباضیة فقط، بل هو من البدیهیات لدی جمیع الخوارج، و هم یؤکدون علی حقانیتهم، بحیث یعتبرون غیرهم کفاراً، وإن کان للکفر عندهم معان مختلفة. وقد اعتبر الإباضیة أنفسهم أقرب فرق الخوارج إلی السنة لاعتدالهم النسبي والبعد عن الغلو (آلمبرّد، 2/214؛ ابن حزم، 2/112). وازداد اقتراب بعض الفرق منهم علی مرّ الزمن، إلی حد أن الإباضیة في لیبیا وتونس یختلفون عن السنة اختلافاً یسیراً في الوقت الحاضر، أما إباضیة الجزائر و عمان فلایزالون یحافظون علی المبادئ والرسوم الإباضیة القدیمة محافظة تامة (ظ: الباروني، 31).
وینکر الإباضیون انتسابهم إلی الخوارج، ویعید مؤرخوهم البارزون کالبرّادي في الجواهر المُنتَقاة، والشماخي في کتاب السیر، تاریخ ظهور الفرقة الإباضیة إلی عهد خلافة عثمان، ویعتبرونها أقدم من خروج الخوارج في معسکر الإمام علي (ع)، ویرون أن سبب حرکة الإباضیة المعارضة لعثمان هي أعماله المخالفة للإسلام والتي أدّت إلی قتله (اسمیث، 278-277). ولاشک في أن هذا الکلام لیس دلیلاض علی افتراق الإباضیة عن الخوارج. بل یدلّ کما سیأتي علی وحدتهم، وعلی کل حال فإن الإباضیة الحالیین یرون اعتبارهم من الخوارج ظلماً لهم وأنهم أبعد الفرق عنهم (معمر، 1/38، 64، 133).
والإباضیة لایطلقون لفظ الخوارج علی الذین ثاروا علی الإمام علي (ع) أوانفصلوا عنه، وإنما یعتقدون بأن الخوارج هم الخارجون من الإسلام، والخروج من الإسلام یکون إما بإنکار الثابت القطعي من أحکامه، أو العمل بما یخالف المقطوع به من نصوص أحکام‌الدین، فیکون هذا هو الإنکار نفسه. وهم یرون أنأقرب الفرق إلی هذا المعنی هم الأزارقة ممن یستحلون دماءالمسلمین وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم (معمر، 1/33).حتی إن ابن إباض نفسه تبّرأ في رسالة أرسلها إلی عبدالملک بن مروان من ابن الأزرق وأتباعه بصراحة واعتبره کافراً (ظ: الباروني، 25).

 تمهید تاریخي

یشهد التاریخ علی أن الإباضیة ظهرت أثناء حرکة الخوارج (ن. ع) ثم استقلت في مسیرتها، ولکن الذی مهد لانشقاقها هو أبوبلال مرداس بن أُدَیّة وأفکاره، وأثّر أسلوبه و طریقته في ابتعاد هذه الفرقة عن الفرق الغلاة من الخوارج کالأزارقة و…، فقد کان أبوبلال – کما سیرد في موضعه – حلقة وصل بین التیار الأصلي للخوارج والفرق المعتدلة. فبعد استشهاد أمیرالمؤمنین علي (ع) ثار الخوارج مرات عدیدة کان أهمها ثورة أبي بلال مرداس في عهد یزید بن معاویة، ذلک أنه لما خرج في 58هـ/678م من سجن عبیدالله بن زیاد، غادر البصرة مع 30 رجلاً من أصحابه و نزلَ اَسَک (وهي مابین رامهرمز وأرّجان) وهناک تتامّ أصحابه 40 رجلاً (المبرّد، 2/183-185؛ الطبري، 5/313-314، 471؛ یاقوت، 1/62). وأعلن في البدایة أنه لن یجرّد سیفاً علی أحد ولایقاتل إلامن قاتله (المبرّد، ن. ص؛ ابن عبدربه، 2/240، 241). ولما مرّت به في آسَک قافلة تحمل مالاً لابن زیاد، قبض أعطیات أصحابه فقط، وردّ الباقي لأصحاب القافلة، وحینما سئل عن ردّ الباقي، قال: إنهم یقتسمون هذا الفيء کما یقیمون الصلاة (المبرّد، ن.ص) فندب عبیدالله، أسلم بن زرعة (یاقوت، 1/63: مَعبد بن أسلّم) مع 2,000 رجل لقتاله. وقبل بدء الحرب صاح أبوبلال بأعدائه: لماذا تریدون قتالنا، إننالم نفسد في الأرض ولم نشهر سیفاً ضد أحد؟ ولکن الحرب وقعت، وهزم الخوارج الأربعون الأشدّاء قوات الخلیفة وأجبروهم علی الفرار (المبرّد، 2/185؛ الطبري، 5/314، 471)، وقدحدثت هذه الوقعة في 60هـ/ 680م (ابن الأثیر، 3/519). وفي السنة التالیة ندب لهم عبیدالله جیشاً آخر قوامه 4,000 رجل (ابن الأثیر، ن. ص: 3,000) ونشبت الحرب بینهما في یوم الجمعة بداربجرد من فارس، ولم تستطع قوات الخلیفة في بدایة الحرب أن تحقّق نصراً حتی حان وقت الصلاة (صلاة یوم الجمعة) فناداهم أبوبلال طالباً الموادعظ لإقامة الصلاة، وحینما کان الخوارج في الصلاة، مال علیهم جیش الأعداء وقتلهم جمیعاً ومنهم مرداس (المبرّد، 2/186-187؛ الطبري، 5/471؛ ابن عبدربه، 1/183).
وتعتبر معتقدات أبي بلال أول مرحلة في تکوین آراء الخوارج (معروف، 197)، فقد کان یجیز التقیة و یعتقد بأن الله یفرّج علی المؤمن فیها (المبرّد، 2/182)، وأن المسلم من یقیم الصلاة. ویجب عدم التعرّض لحقوقه، و ینهی عن قتاله، وکان یفرّ من الظلم ولایقاتل إلا من یقاتله، ولایدین بالاستعراض (قتل الناس بدون ذنب)، ویتبرّأ ممن یفعل ذلک من الخوارج، و یحرم خروج النساء (المبرّد، 2/182-185؛ ابن عبدربه، 1/184؛ ابن الأثیر، 3/518). وکان بالإضافة إلی تجویزه التقیة لایقول بنفي القعود خلافاً للخوارج الغلاة، وقد أشارت بعض المصادر إلی خروجه و قعوده (الدرجیني، 2/215). و من أقواله: «لو أن لي نفسین، نفساً تقاتل في سبیل الله، ونفساً تقوم في حوائج المسلمین» (الجیطالي، 2/143).
ولاتختلف آراء أبي بلال عن آراء الإباضیة کثیراً. وهي بعیدة عن عقائد الغلاة من الخوارج ممن کانوا قبله أو بعده. وکان الخوارج کلهم یتولّونه لعظم قدره وعلوّ منزلته (المبرّد، 2/181؛ ابن الأثیر، 3/518). کما کانت الصفرّیة (ن. ع) والإباضیة أقرب فرق الخوارج من تعالیمه و منهجه. وتدعی الصفریة بموالاة المُحَکّیمة (الخوارج) الأولی؛ وبإمامة أبي بلال مرداس بعد عبدالله بن وهب الراسبي و حرقوص بن زهیر (البغدادي، الفرق، 55)، ویقرن الجیطالي (من علماء الإباضیة الکبار) بین جابر بن زید و أبي بلال مرداس و أبي عبیدة مسلم بن أبي کریمة في علو المنزلة، ویعتبرهم ممن تجدر موالاتهم (1/65).
وعلی کل حال فإن التقارب بین آراء الصفریة والإباضیة، وبعد هاتین الفرقتین عن سائر فرق الخوارج الغلاة المتعصّبین، یدفع إلی القول إن أبا بلال کان الممهّد لظهور حرکة الاعتدال عند الخوارج أو کانت نتیجة لتمهید سابق قبله. ذلک أن هذا المیل إلی الاعتدال بدأ من قبل مع فَرَوة بن نوفل وأصحابه الذین خرجوا في حرب النهروان من جمع الخوارج وجوّزوا القعود، ثم استمرمع مرداس و تطور حتی وصل إلی أوجه في مذهبي ابن إباض وابن صفار.

نشأة مذهب الإباضیة

تجرّد ابن زیاد بعد مقتل أبی بلال إلی استئصال الخوارج وهلاکهم بکل شدة، واجتمعت الخوارج بالمقابل في البصرة للجهاد، وکان منهم کبار القوم کنافع بن الأزرق (ن.ع) وعبدالله ابن صفار وابن إباض، ویبدو أن نافعاً کان یرأسهم. واتفق في هذه الفترة أن ثار عبدالله بن الزبیر (ن. ع) في مکة مدّعیاً الخلافة، فطلب نافع من هذه الجماعة الالتحاق بابن الزبیر للاطلاع علی عقائده فإن کان علی رأیهم جاهدوا معه وإن یکن علی غیر رأیهم دافعوا عن الکعبة فتظاهر ابن الزبیر في البدء بأنه علی رأیهم، فقاتلوا معه (64هـ/ 684م) وردوّا جیش الشام عن مکة (المبرّد، 2/202-206؛ الطبري، 5/564؛ ابن عبدربه، 2/235-237).
وبعد هذا الاتحاد الأوليف ودحر العدو المشترک، رأی الخوارج أن یفتّشوا عن رأي ابن الزبیر بدقّة ویسألوه رأیه في عثمان، وکان ابن الزبیر آنذاک یجد نفسه في غنی عن الخوارج فأظهر تولیه لعثمان، ومدح طلحة والزبیر و تبرّأ من الخوارج، فانفضوا من حوله (المبرّد، ن.ص؛ الطبري، 5/566؛ ابن عبدربه، ن.ص).
وبعد انفصال الخوارج عن ابن الزبیر، توجّهت جماعة منهم في 64 هـ إلی البصرة وأخری إلی الیمامة، وکان علی رأس الجماعة الأولی نافع ابن الأزرق الحنظلي، وعبدالله بن صفار السعدي، وعبدالله بن إباض وعدد آخر واجتمعت الجماعة الثانیة حول نجدة بن عامر الحنفي وعطیة بن أسود وأبي فُدَیک (الدینوري، 269؛ المبرّد، 2/207؛ الطبري، 5/566-567).
وکان من الجماعة التي توجّهت إلی البصرة وأجمعت علی رأي أبي بلال (ن. ص) 300 رجل تعاهدوا مع نافع بن الأزرق للخروج معه، وساروا لتحقیق هذا الهدف إلی الأهواز (64هـ). کما التحقت جماعة أخری بنافع خوفاً من أذی ابن زیاد، إلا أن منهم من کانوا لایوافقون علی الخروج، فظلوا في البصرة بقیادة عبدالله بن إباض و عبدالله بن صفّار و أبي بیهس هیصم بن جابر (المبرّد، 2/207، 213؛ الطبري، 5/567).
ثم کتب نافع من الأهواز رسالة إلی خوارج البصرة، منعهم فیها من الإقامة بین أظهر الکفار و المشرکین، ودعاهم إلی الجهاد، واحتج نافع علی استمرار الخروج بأن مخالفینا مشرکون، وقد أوجب الله البراءة منهم، ویجب قتالهم لأنهم أعداءالله و رسوله، وعدم نکاح نسائهم، ولما اطلع ابن إباض علی ماتضمّنته الرسالة قال: «لو کان القوم (أي المخالفون) مشرکین، کان کلام نافع صحیحاً …، إن القوم کفار بالنعم والأحکام، وهم براء من الشرک، ولاتحلّ لنا إلا دماؤهم وماسوی ذلک من أموالهم فهو علینا حرام». وکان عبدالله بن إباض یری أن مخالفي المسلمین غیرمشرکین، ومناکحتهم جائزة و موارثتهم حلال، وغنیمة أموالهم من السلاح والکراع عندالحرب حلال، وماسواه حرام، وحرام قتلهم في السر غیلة، إلا بعد نصب القتال و إقامة الحجة (المبرّد، 2/212-214؛ الطبري، 5/567-568؛ ابن عبدربه، 1/186-187؛ الشهرستاني، 1/244).

الروّاد من الإباضیة

1. عبدالله بن إباض

وتقرأ همزة إباض في عُمان بالفتح و في شمال إفریقیة بالکسر (طعیمة، 43-44). وکان کعبدالله بن صفار من بني عُبید بن مُقاعِس. و بنوعبیدهم من بني کعب بن سعد، وکان هؤلاء من بني سعد، وأولئک من بني تمیم (ابن عبدربه، 3/299-300). ویذکر طعیمة أن عبدالله بن إباض بن ثعلبة التمیمي من بني مرة بن عبید رهط الأحنف بن قیس (ص 43)؛ ویذکره الطبري من بني صریم (5/566). أما ابن حزم فیری أن الإباضیة هم أصحاب عبدالله بن یزید الإباضي الفزاري الکوفي (2/112) ولایعلم الأساس الذي اعتمد علیه.
ولاتتیسّر معلومات عن تاریخ ولادة و وفاة ابن إباض، وکان من التابعین الأوائل، أدرک الصحابة، ومن المؤکد أنه کان حیّاً في عهد عبدالملک بن مروان (تـ 86هـ/ 705م) لعلمنا بوجود مراسلات بینهما (الباروني، 17-27؛ معمر، 1/150). ویبدو أن وفاة ابن إباض کانت في 80هـ/ 699م (ظ: موسوعة، 1/36)؛ و یذهب الدرجیني إلی الظن بأنه کان حیّاً سنة 100هـ/ 718م علی الأکثر (2/214)؛ ویذکر ابن حوقل أنه توفي في جبل نَفوسة (1/37، 95)، إلا أن هذا القول فیه نظر. أما الشهرستاني فقد ذکر أن خروج عبدالله بن إباض کان في عه مروان بن محمد (آخر خلیفة أموي (1/244)؛ ولذلک جعله بدل عبدالله بن یحیی، الذي کان یعیش في زمن أبي عبیدة (بعد نسل من ابن إباض).
ویعتبر عبدالله بن إباض مؤسس عقائد المذهب الإباضي وأحکامه (اسموکورزوسکي، 263)، ویذکره الإباضیون بکل تجلة و احترام؛ فأبوالعباس منصور السکسکي، یعتبره من الأئمة البارزین (طعیمة 45). ویذکر الدرجیني أنه إمام أهل الطریق، وهو العمدة في الاعتقادات، والمبیّن لطرق الاستدلالات و الاعتمادات .. ویمدحه بأنه عدل عن الأزارقة و البیهسیة والنجدیة وسلک محجة العدل (ظ: الدرجیني، 2/214). وقیل أیضاً إنه کان له الفضل في تدوین المذهب و تشیید مبانیه، یلقن أصحابه مبدأ الاقدام في تقریر الحق و قمع أهل الجور والظلم (معمر، 1/151). إلا أن ابن حجر یقول: قیل إن ابن إباض رجع عن بدعته فتبرّأ أصحابه منه، واستمرت نسبتهم إلیه (لسان، 3/248). ولکن لیس ما یثبت صحة هذا الکلام.
ومن الحوادث المتعلقة بحیاته، التسلیم تقریباً بمشارکته في دفاع الخوارج عن مکة والذي سبق ذکره (64هـ)، وإذا سلمنا بأنه توفي في جبل نَفوسة بالمغرب، فلابد من أنه ترک البصرة إلی هناک بعد هذا التاریخ (ظ: لویتسکي، ن.م، 4) وتذکر المصادر الإباضیة أن ابن إباض کان یصدر في کل شؤونه عن فتاوی جابربن زید، ولایبت في أمر من الأمور إلا بمشورته ورضاه (الباروني، 29؛ معمر، 1/151).

2. جابر بن زید

أبو الشعثاء جابربن زید الأزدي الیُحمَدي (الیَحمدي) الجَوفي الحُرَقي، عالم و محدّث شهیر، ومن التابعین وکان من أهل عمان (ابن سعد، 7/179؛ البخاري، 1(2)/204؛ ابن حبّان، 4/101؛ یاقوت، 2/243-244). ویبدو أن أصله من حُرَقَة بعمان، وقیل له الجوفي أیضاً لأنه کان یسکن بین أزدیي البصرة في موضع یقال له درب الجوف (یاقوت، 2/156-157، 243-244). وکانت وفاته في 93هـ/712م (ابن سعد، 7/182؛ البخاري، ن. ص؛ ابن حبّان، 4/102؛ یاقوت، 2/144) أو 103هـ/721م (ابن سعد، ن. ص؛ المسعودي، 3/203؛ ابن حجر، التهذیب، 2/38) أو 104هـ (ابن حجر، ن. ص، نقلاً عن هیثم ابن‌غدي).
ویعتبر الإباضیون جابر بن زید إمامهم الأول (الباروني، 28-29؛ معمّر، 1/59، 60؛ وأیضاً ظ: الأشعري، 1/175). وفي الوقت الذي یذکر فیه الدرجیني أن جابر أو أبابلال مرداس و عبدالله بن إباض و بعض الخوارج الآخرین هم مشایخ الإباضیة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري (1/7) فإنه یذکر جابربن زید أول شیخ في الطبقة الثانیة منهم (2/205-214). والشاهد الآخر علی قبوله لدی الإباضیة أن نفاث بن نصر (ظ: بقیة المقالة) طلب دیوان (مجموعة أحادیث) جابربن زید دون جمیع کتب مکتبة الخلیفة العباسي (ربّما المأمون) واستنسخه (الدرجیني، 1/80-82؛ الباروني، 43). وعلاوة علی ذلک، فقد کان من عادة الإباضیة روایة الأحادیث عن جابر بن زید (مثلاً ظ: الجیطالي).
ولاتعود نسبة الإباضیة إلی جابر و تولّیهم له إلی الفترات التالیة له وإنما کانت في عهده أیضاً، وقد أشار إلی ذلک بعض علماء الرجال  وقال البعض إنه أنکر هذه النسبة و برئ من الإباضیة. وروی ابن سعد، أنه أعلن وهو علی فراش الموت عن کرهه لهذه الفرقة (للاطلاع علی هذه النسبة، ظ: ابن سعد، 7/181-182؛ البخاري، 1(2)/204؛ ابن أبي حاتم، 1(1)/495؛ ابن حبّان، 4/101؛ أبونعیم، 3/89؛ ابن حجر، التهذیب، 2/38). ومع ذلک فقد کان الشهرستاني یعتبر من یسمی بأبي الشعثاء من متقدّمي الخوارج (1/252). کما أن ابن أبي الحدید ینسب شخصاً بهذه الکنیة إلی الإباضیة (5/77) غیر أنه یعتبر جابر بن زید من الخوارج و یذکره إلی جانب أمثال عمروبن دینار ومجاهد من السلف (التابعین) (5/76).
ولکن الإباضیة الذین کانوا یعتبرون جابراً منهم و یشیدون بفضائله لم یوردوا قط قولاً له یؤید نظریاتهم أویدل علی صحة نسبته إلی هذه الفرقة (مثلاً ظ: الدرجیني، 2/205-214؛ معمّر، 1/59-63، 143-150، 2(1)/21؛ الباروني، 28-29) ویقول بعض القدماء من غیر الإباضیة کالبخاري (1(2)/204) وأبي نعیم الأصفهاني (3/85-91) إنه لم یسمع منه مایدل علی صلته بالإباضیة وإنما علی العکس کانوا غالباً ما یعتبرونه من أمة السنة ومن أصحاب عبدالله بن عباس (مثلاً ظ: یاقوت، 2/243).
وقد ذکره جمیع علماء الرجال و الحدیث تقریباً بالفضل، وعدّوه ثقة وأثنوا علی درجة علمه واجتهاده، وجعلوه من الحفّاظ (الطبقة الثالثة)، وقالوا إنه أعلم من الجمیع بکتاب الله؛ و نعلم أیضاً أن الناس کانوا یستفتونه في غیاب الحسن البصري (العجليف 93؛ ابن سعد، 7/179-182؛ البخاري، ن. ص؛ ابن حبّان، 4/101-102؛ أبو نعیم، 3/85-91؛ الذهبي، 1/72-73؛ ابن حجر، التهذیب، 2/38). ولو کان لدی علماء السنة وفقهائها أدنی شک في عقیدة جابر لما بوأوه هذه المنزلة، ولما أثنی علیه علماء الرجال والدرایة مثل ذلک الثناء وهم علی ما علیه من دقة کبیرة في النظر والتمحیص. ولم یر أنه عد في موضع من المتروکین أو الضعفاء.
وعلی کل حال فلیس من دلیل قاطع علی إباضیة جابر. کما یمکن للإباضیة اعتبار تبرّئه من هذا المذهب حملاً علی التقیة، ولذلک لایمکن اتخاذ حکم قاطع في هذا الشأن.

3. أبو عبیدة مسلم بن أبي کریمة التمیمي

من تلامیذ جابر ومن أئمة الإباضیة (الباروني، 30-31؛ معمر، 1/153-159)، و من مشایخ النصف الأول من القرن الثاني (الدرجیني، 1/7)، ویبدو أنه کان حیّاً حتی 160هـ/777م (ظ: م. ن، 1/45)؛ ویذکر أبو الفرج الأصفهاني أن اسمه کودین (23/224)، ویدعوه الجاحظ بمسلم بن کرزین (1/274، 3/166). ولذلک یبدو أنه إیراني الأصل و من موالي بني تمیم، ویذکره الدرجیني علی رأس الطبقة الثالثة من مشایخ الإباضیة (2/238-246). ویعتبره الجاحظ من علماء الخوارج ورواتهم (ن.ص). وقد درس أبو عبیدة مسلم – وکان یعتبر أکبر إمام و مجتهد في الإباضیة بعد عبدالله بن إباض – علی جابر بن زید، وقیل إنه نال الدرجات العلمیة العلیا (الدرجیني، 2/238؛ الباروني، 30-31). وعلی کل حال فإن ابن أبي حاتم یعتبره مجهولاً (4(1)/193) ویری ابن الجوزي أنه من المتروکین والضعفاء (کتاب الضعفاء، 3/118). وابن حبّان وحده عده من الثقاة (5/401)، ویبدو أنه کان یسعی لإخفاء حاله، ولم یرد له ما یذکر في کتب الرجال، ویقول الدرجیني إنه حافظ في الخفاء علی‌‌الدین (أی مذهب الإباضیة) حتی ظهر علی ید «الخمسة المیامین» من حملة العلم (2/238؛ قا: م. ن، 1/70).
ویقال إن أبا عبیدة مکث في التعلم 40 سنة وفي التعلیم 40 سنة أخری (الجیطالي، 1/65)، وکان تعلیمه علی الأکثر لأبي عمرو الربیع بن حبیب (رأس مشایخ الإباضیة بعده) (الدرجیني، 1/7، 49). وأوصی لینوب عنه في هدایة القوم (م. ن، 2/245). والربیع بن حبیب فقیه وحافظ کبیر، و صاحب الجامع الصحیح أو المسند الإباضي الشهیر (طعیمة 51-52).
وقد بلغ اعتقاد الإباضیة بمسند الربیع حدّاً دعا الشیخ عبدالله بن حمید السالمي إلی أن یعتبره «أصح کتب الحدیث روایة وأفضلها سنداً» وأنه أصح کتاب بعد القرآن الکریم (ظ: طعیمة، 106). وتولّی محبوب ابن الرحیل رئاسة جماعة أهل الدعوة في المشرق بعد الربیع أبي سفیان (الدرجیني، 1/70).
إلا أن ورثة علیم أبي عبیدة في المغرب کانوا خمسة (حملة العلم) ذهبوا إلی المشرق من بین قبائل البربر لیتعلموا علی أمثال أبي عبیدة، ولقّبوا بعد عودتهم إلی المغرب بـ «حملة العلم» (الباروني، 35؛ معمر، 2(1)/26، 27). ویقول اشتروتمان أن ابن مغطیر النفوسي من أهل جنّاوُن قدم قبل هؤلاء الخمسة من مرکز أبي عبیدة الدعائي إلی جبل نَفوسة في المغرب (ص 266). وکان یُنظر إلیه بعد عودته باعتباره مرجعاً کبیراً للتدریس والفتوی (معمّر، 2(1)/27). ویذکر الدرجیني أن أول عالم إباضي ذهب من البصرة إلی المغرب هو سلامة بن سعید (1/11). أما معمّر فیذکر أنه کان أول مبلّغ. ویقول إنه توجه في مطلع القرن 2 هـ/8 م إلی إفریقیة ونشر خلال 10 سنوات من التبلیغ المذهب الإباضي مابین تِلمسان و خلیج سِرت في الجزائر و تونس و لیبیا، کما أرسل جماعة کان منها حملة العلم، للدراسة علی أبي عبیدة في البصرة (2(1)/25-26). واسم الخمسة من حملة العلم: أبوالخطاب عبد الأعلی بن سَمح المَعافِري وعبدالرحمن بن رستم الفارسي وعاصم السَدراتي وإسماعیل ابن دَرّار الغَدامِسي وأبو داود القبلي (الدرجیني، 1/19). ویذکر معمّر أن هؤلاء الخمسة لم یکونوا جمیعاً من البربر، بل کان أحدهم وهو أبو الخطاب عبد الأعلی عربیاً من الیمن (2(2)/13؛ و أیضاً لویتسکي، ن. م، 16). ویذکر الجیطالي أسماء ثلاثة من حملة العلم: هم الإمام عبدالرحمن بن رستم وأبو الخطاب عبدالأعلی المعافري، وقد نالا إجازة في الإفتاء من أبي عبیدة، وأبو داود القبلي الذي لم یحصل علی إجازة، والاثنان الأول والثاني ذوا أهمیة لأنهما أسّسا – کما سنذکر – إمامة الإباضیة في المغرب (1/125). وقد استطاع مشایخ الإباضیة في البصرة ولاسیما أبوعبیدة تأسیس ثلاثة مراکز مستقلة بعضها عن بعض لإمامة الإباضیة في کل من حضرموت والمغرب و عمان في الصف الأول من القرن 2 هـ (لویتسکي، ن.م، 3,5). أو أنه کان لهم تأثیر علی الأقل في تأسیس هذه المراکز، فالدرجیني یتحدّث مثلاً عن مساعدة أبي عبیدة لخروج عبد بن یحیی وأبي حمزة المختار في حضرموت (2/262). والتي أدّت إلی تأسیس أول إمامة إباضیة، وإلی حوادث مهمّة في تاریخ الخلافة الأمویة.
الخروج في حضرموت: لاتتیسّر معلومات دقیقة عن جزئیات الدعوة الإباضیة في جنوب الجزیرة العربیة، ولکن یمکن الحدس أن هذا الأمر کان میسّراً، خاصة وأن رؤساء الإباضیة في البصرة کانوا یعیشون بین جماعات من قبیلة الأزد (ن. ع) وأن الکثیر من شیوخ الإباضیة من الأزد أیضاً، ولاشک في أن هؤلاء الأزدیین کانوا علی اتصال بالجماعات الأزدیة الأصلیة في جنوب الجزیرة العربیة، وانتقل مذهب الإباضیة الی هناک بواسطتهم (لویتسکي، ن. ص)، ولهذا ربّما لم یکن عفویاً هجوم الخوارج في 71هـ/ 690م علی صنعاء واحتلالها، وإن باء هذا العمل بالفشل سریعاً (ن.م، 4)، ولکن لم یتم استئصالهم، واستمر وجودهم في هذه المنطقة إلی أن خرجوا في الفرصة المناسبة وأسّسوا دولة لهم.
 

الصفحة 1 من6

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: